إثيوبيا: إحتجاجات أوروميا جس نبض أم تمرد حقيقي؟

تدخل المظاهرات الإحتجاجية في أثيوبيا أسبوعها السابع، وبحسب تقرير لمنطمة هيومن رايتس ووتش أسفرت الإحتجاجات حتى الآن عن مقتل  أكثر من 140 شخصا على يد قوات  الأمن التي استخدمت قوة مفرطة لتفريق المتظاهرين. وتقول المنظمة إن لديها شهادات تفيد بأن الشرطة أطلقت النار على المتظاهرين وتركت جثثهم في الشوارع. لكن مصادر في الحكومة الإثيوبية رفضت حصيلة القتلي التي  أعلنتها منظمة هيومن رايتس ووتش وذكرت أن القتلى  أقل بكثير مما تنشره وسائل الإعلام العالمية ومنظمات حقوق الإنسان.

الحالة الإثيوبية الفريدة في المحك

أعادت المظاهرات الاحتجاجية التي بدأت عندما تصدى طلاب لمقترحات للحكومة بمصادرة أراض يملكها أفراد من قومية الأورومية، أكبر إثنية في البلاد، الملف السياسي الإثيوبي الي الواجهة، ويتسائل كثيرون عن مآلاتها وأنعكاستها على الأستقرار  الذي كانت تتمتع إثيوبيا  منذ أكثر من عقدين.

تعتبر إثيوبيا حالة فريدة في شرق إفريقيا استطاعت -على الأقل في هذه المرحلة- الموائمة بين الشمولية والتطور الاقتصادي وتحقيق استقرار نسبي ساهم في تحقيق إنجازات أقتصادية كبرى، لكن تلك الإنجازات تواجه في الأونة الأخيرة تهديدات حقيقية تتمثل في الحركات الإثيوبية المعارضة ضد النظام الحاكم للبلاد والذي تهيمن عليه الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الأثيوبية التي تحكم البلاد بقبضة من حديد.

وكذلك الطبيعية السكانية للبلاد تشكل تحديا كبيرا للدولة، نظرًا لتعدد المجموعات العرقية، والعدد الكبير من اللغات التي يتحدث بها السكان، وتباينهم من حيث الأديان والعقائد والتقاليد، وتأخر وصول سلطة الدولة وخدماتها لمناطق واسعة من البلاد، بالإضافة إلى شعور قوميات كبيرة بالتجاهل من ناحية، والتدخل السلبي للدولة في شؤونها من ناحية ثانية ومن أبرز هذه القوميات، القومية الأورومية التي تتظاهر منذ شهر نوفمبر الماضي، ضد  ما قيل تدخلات حكومية في شؤونهم الداخلية .

التمرد سمة المنطقة

القومية الأورومية أكبر القوميات العرقية في إثيوبيا وتمثل حوالي 49.34٪ من عدد السكان  ويعيش أفرادها في الإقاليم الجنوبية التي تعتبر من أغنى المناطق الإثيوبية. يحدها من الشمال أقاليم العفر والأمهرة وبني شنقول، و من الجنوب الحدود الكينية، ومن الشرق الإقليم الصومالي، ولهم امتداد عميق وواسع داخل الأراضي الكينية مجاورين للمناطق الصومالية شمال وشمال شرق كينيا، ويعتنق معظمهم الدين الإسلامي، وتدل الآثار على أن الإسلام انتشر بين الأوروميين منذ زمن طويل، كما كانت لهم علاقة تجارية وسياسية قديمة مع الجزيرة العربية.

على مدى سنوات طوال  تخوض القومية الأورومية كغيرها من القوميات الإثيوبية الأخرى كفاحا مسلحا ضد ما تعتبره القومية نظاما تهيمن عليه قومية تجراي التي تشكل أقلية  في التركيبة السكانية في إثيوبيا، مر بمراحل متعددة ومختلفة  اتسمت بالانتعاش تارة والفتور تارة أخرى وقاد هذا النضال جبهة تحرير شعب  أورومو  إلي جانب الحركات التحررية الأخرى مثل “حركة استقلال الأورمو”،  و”جبهة تحرير الأرومو”، والجبهة الإسلامية لتحرير أوروميا وغيرها.

أسست حركة تحررير أورومو عام 1973 وشاركت الحرب التي قادها رئيس الوزراء الراحل مليس زيناوي للاطاحة لنظام مجيستو هيلامريم ، لكن  بعد اطاحة النظام منجستو عارضت الحركة نظام  مليس زيناوي وحملت السلاح من جديد، وتعتبر الحركة من أبرز الحركات التي تقاتل ضد الحكومة الإثيوبية في الوقت الحالي، وتنشط في المناطق القريبة من الحدود مع كينيا، حيث تكثر أبناء القومية، ولها مكاتب في واشنطن وبرلين، ولديها محطات اذاعية تبث بلغتي الأمهرية والأورومية. ويرأس الحركة داود ابسا أيانا، ومقرها الرئيسي في العاصمة الإريترية أسمرة.

دوافع الإحتجاجات الأخيرة

وفقا للدستور الاثيوبي، منطقة أوروميا هي واحدة من  الولايات الإثيوبية التسعة المتمتعة بحكم ذاتي، وسكانها يشكلون أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا ومع ذلك تقول جماعات حقوقية إنه يتم تهميشهم بشكل منهجي ويتعرضون للإضطهاد على مدى السنوات ال 24 الماضية. وبحسب بعض التقديرات، كان هناك ما لا يقل عن 20000 سياسيا أوروميا يقبعون في السجون الإثيوبية منذ شهر مارس 2014.

انطلقت شرارة الاحتجاجات في 12 نوفمبر من العام الماضي، في بلدة “جينكي” التي تقع على مسافة 80 كيلومترا جنوب غرب العاصمة أديس أبابا، عندما احتج طلاب من القومية الأورومية على تنفيذ خطة حكومية، من شأنها أن تؤدي إلى مصادرة مزيد من الأراضي الزراعية، والبلدات المحيطة للعاصمة والتي يدعي  الأوروميون ملكيتها، ومن ثم إنتقلت الإحتجاجات إلى المدن الأورومية الكبرى.

رفضت الحكومة هذه الاتهامات، وادعت أن الخطة كان القصد منها فقط لتسهيل تطوير البنية التحتية وقطاع النقل والمواصلات وبناء مرافق حيوية ومراكز ترفيهية، ووصفت منظمي الإحتجاجات بالإرهابين ومدفوعين من جهات خارجية، وأرسلت إلي المناطق التي تشهدها الإضطرابات قوات مكافة الإرهاب بعد أن فشلت  الشرطة في وقف الإحتجاجات التي تخللتها عمليات سرقة وحرق واقتحام السجون ومراكر الشرطة.

السيناريوهات المحتملة

على ضوء المعطيات المحلية والإقلمية والعالمية تختلف الإحتجاجات الأخيرة عن المظاهرات التي شهدتها إثيوبيا في السنوات الماضية والدليل على ذلك:

1- إنها المرة الأولى التي تشهد المظاهرات أحداث عنف وسرقات وإقتحام لأقسام الشرطة

2- أخذت المظاهرات طابعا شعبيا وجماهيريا واسعا كما حظيت باهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية.

3- أثارت ردود أفعال قوية من منظمات حقوق الإنسان والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك من القوميات الإثيوبية الأخرى في الداخل والخارج.

وعليه؛ يمكن تصور ثلاث سناريوهات:

السيناريو  الأول: أن تعدل  الحكومة الإثيوبية عن موقفها وخطتها إزاء توسعة العاصمة وإخلاء قرابة مليوني مزارع من أفراد القومية الأرومية أو على الأقل تأجليها؛ لأن هناك عوامل يمكن أن تجبر الحكومة الإثيوبية على  إعادة النظر في خطتها المثيرة للجدل والا تذهب بعيدا في  خلافها مع  سكان منطقة أوروميا التي تعد من أهم المناطق الزراعية في البلاد، أهمها:

1- الوضع السياسي الداخلي  الذي أفرزته الانتخابات التشريعة الأخيرة التي فاز  بها الحزب الحاكم جميع مقاعد البرلمان.

2- خلافها مع مصر بشأن سد النهضة  الذي يقع  في الأراضي الأورومية مع الأخذ بعين الإعتبار تأثير مصر في الجبهات الوطنية الإثيوبيية وخصوصا جبهة تحرير أرومو.

3- تتخوف الحكومة من نعكاسات هذه الإحتجاجات على  الاستثمارات الخارجية وخطتها الطموحة لرفع معدلات النمو، حيث يتوقع ان تكون إثيوبيا بحلول عام 2025 بلدا ذا دخل محدود، و هذا السيناريو ضعيف جدا.

السيناريو الثاني: مزيدا من القمع.  نظرا لطبعية النظام الحاكم في البلاد أن تعدل الحكومة عن قرارها بتنفيذ خطة توسيع العاصمةليس أمرا هينا ، ويتوقع أن تمارس مزيدا من المقع لوقف الاحتجاجات، حيث قررت قبل أيام فرض الأحكام العرفية التي يخاف منها الشعوب الإثيوبية، وتعتيم إعلامي على ما يجري في المنطقة تمهيدا لشن عمليات واسعة لملاحقة القيادات الشبابية ورموز المعاضة، غير آبهة بالمناشدات الدولية لوقف استحدام القوة المفرطة ضد المتظاهريين

السيناريو الثالث: أن تتحول الإحتجاجات السلمية خلال الأيام المقبلة إلى عنف مسلح  ما يعطي دفعة قوية للمعارضة المسلحة من القوميات المختلفة التي تختبأ في الجبال، وبدأت بوادر هذا السنياريو  في الأفق، حيث أشعلت دعوات الكفاح المسلح مواقع التواصل الإجتماعي للأفراد المنتمين إلى القوميات الإثيوبية ولاسيما الصومالية والأورومية منها. كما بدأت رموز المعارضة في الخارج بالاجتماع وتشكيل جبهة موحدة لإطاحة النظام السياسي بالكفاح المسلح.  فقد أعلنت المعارضة الاثيوبية المسلحة في الخارج في 15 من شهر أكتوبر الماضي من مدينة أسلو النرويجية عن تشكل تحالف يضم جبهة تحرير اورومو ، والجبهة الوطنية لتحرير اوغادين ، وحركة المتحدة لبني شنقول ، وجبهة تحرير شعب صداما، وحركة تحرير شعب غامبيلا ، تحت اسم ” تحالف الشعب للحربة والديمقراطية” لاسقاط النظام الحاكم فى اثيوبيا، وتعهد المشاركون في التحالف بالاستمرار فى النضال السلمى والسياسي والعسكرى إلى أن يتم إسقاط النظام الحالي، ووجهوا نداء إلي القوى الأخرى بالإنضمام إلى التحالف .

زر الذهاب إلى الأعلى