الدور الفرنسي في الإبادة الجماعية برواندا عام 1994 وانتقال الصراع العرقي إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية (5-5)

 

وباسم إحلال السلام في وسط إفريقيا، قام الرئيس الفرنسي حينها “نيكولا ساركوزي” Nicolas Sarkozy بإطلاق مبادرة يقترح فيها الاستغلال المشترك للموارد في الشرق الكونغولي– شمال كيفو- بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وقال إن شعوب المنطقة يمكن أن تصبح غنية من خلال العمل معاً، أو الاستمرار في الاقتتال وتبقى فقيرة.

     ويذهب “ساركوزي” إلى أبعد من ذلك، من خلال اقتراح تقسيم المساحة والموارد الطبيعية، ولكن ما المساحة التي ينبغي أن تقسم؟ كيفو؟ لماذا كيفو؟ لماذا فقط موارد كيفو؟ ماذا ستقدم رواندا مقابل التقسيم مع جمهورية الكونغو الديمقراطية؟.

    في مارس 2009 أجرى “ساركوزي” في كينشاسا محادثات مع “جوزيف كابيلا” لإقناعه بدعم هذه الخطة المثيرة للجدل، التي تضع المناجم في الشرق الكونغولي، تحت شكل من أشكال السلطة فوق القومية supranational authority، أين يتم تقاسم الموارد مع الجيران، فباريس (حريصة) على الضغط من أجل التوصل لحل طويل الأمد للمعارك من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية، التي أججت الصراع بين الأعراق وزعزعت استقرار جزء كبير من وسط إفريقيا.

    لكن هذه الخطة تؤجج المشاعر القومية في الكونغو الديمقراطية، فالكونغو ورواندا تملكان تاريخ من العلاقات السيئة بينهما، ورواندا دائماً ما تُلعن من قبل الكثير من الكونغوليين، لغزوها الكونغو مرتين، منذُ الإبادة الجماعية في رواندا العام 1994 وفرضها سيطرة غير شرعية –إلى جانب أوغندا- على الموارد الكونغولية في الشرق.

    وعندما طرح “ساركوزي” لأول مرة فكرة مخطط تقاسم الموارد في يناير/ جانفي من العام 2009، أثار ذلك غضب كبير في الكونغو الديمقراطية، مع اتهام النُقاد لفرنسا بسعيها لتمزيق الكونغو لصالح رواندا، لكن الرئيس الرواندي “بول كاغامي”، في وقت لاحق أكد أن البلدين، رواندا والكونغو الديمقراطية، كانا فعلاً يتحدثان حول تطوير وتعزيز الروابط التجارية بينهما، مما يعني أنهما ليسا بحاجة لمساعدة فرنسا.

        ولقد أقر مسؤولون فرنسيون بأن المبادرة الفرنسية أعطت نتائج عكسية بسبب عدم التشاور المسبق مع الكونغوليين، ومع ذلك كان “ساركوزي” يُريد من “كابيلا” أن ينظر في الاقتراح، أما المسؤولين الفرنسيين، فقد كانوا ساخرين من تذمر السلطات الكونغولية على سيادة بلدهم، كون سيادة “كابيلا” حسب الفرنسيين لا تمتد لأكثر من 100 كلم من كينشاسا.

     وبالتالي فـــ”ساركوزي”، حسب السلطات الكونغولية، كان يريد اقتطاع جزء من جمهورية الكونغو الديمقراطية، عبر مقترح إعادة هيكلة منطقة البحيرات العظمى، خدمة لرواندا وإلحاق الأذى بالكونغو الديمقراطية، والأسوأ من ذلك أن الرئيس الفرنسي السابق “ساركوزي” أطلق على القادة والمؤسسات في جمهورية الكونغو الديمقراطية بـــ”تنظيم غير مفهوم”، لكن المستشارين الغربيين هم أساس هذا “التنظيم غير المفهوم” حسب ما يقول المسؤولون الكونغوليين.

   ومن هنا، فإن باريس تحاول أن ترمم علاقاتها مع رواندا، والتي تضررت بسبب التنازع بشأن المسؤولية عن الإبادة الجماعية العام 1994، على حساب جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن الإليزيه Elysée كان يصر على أن هذا ليس الدافع لخطة تقاسم الموارد.

  لقد كانت جولة “ساركوزي” إلى إفريقيا، والتي شملت الكونغو الديمقراطية، الكونغو برازافيل والنيجر، هي الخامسة له منذُ توليه السلطة في مايو/ ماي 2007. وهي أول زيارة يقوم بها رئيس فرنسي إلى الكونغو الديمقراطية، المستعمرة البلجيكية السابقة، منذُ ربع قرن، في ظل مؤشرات على أن “ساركوزي” قد تخلى عن وعده السابق بكسر Françafrique، هذا المصطلح الذي استخدم في وصف الروابط الحميمة والتقليدية بين رؤساء فرنسا والقادة الأفارقة المفضلين، والذي يضع المصالح السياسية والتجارية فوق الشفافية، الحكم الرشيد وحقوق الإنسان، خاصة في ظل المنافسة من قبل الشركات الصينية، الهندية، الروسية والبرازيلية. ساركوزي تبنى الواقعية في سياسته الإفريقية، حفاظاً على المصالح التجارية الفرنسية وعلى الأصدقاء في القارة الأفريقية.

     هذه الخطة نُشرت قبل أربعة أيام من استلام الرئيس الأميركي الحالي “باراك أوباما” لوظيفته (العهدة الأولى)، وهذا يثير العديد من الاستفهامات وليس اعتباطياً، ويبدو أن في ذلك استمرار للتنافس بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية على موارد منطقة البحيرات العظمى.

 

علي حسن الخولاني

باحث دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر، مختص في الشؤون الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى