مستثمر صومالي يقتحم عالم الأعمال في بلاده رغم التحديات

في وقت سابق من العام الحالي، تلقى الشاب الصومالي محمد علي تحذيرات من المخاطر التي تحدق بمن يعيشون ويعملون في العاصمة الصومالية مقديشو.

فقد شن مسلحون إسلاميون هجوما في الثاني والعشرين من فبراير / شباط الماضي على المجمع الرئاسي في العاصمة، بينما كان يصلي والد محمد في المسجد التابع للمجمع. وعلى الرغم من أن والده لم يتعرض للإصابة، فإن تسعة آخرين لقوا مصرعهم في ذلك الهجوم.

وقال محمد، رجل الأعمال ذو الثلاثة والثلاثين عاما ورئيس مؤسسة إيفتين، وهي منظمة تسعى إلى تعزيز الاستقرار في الصومال من خلال الأعمال الحرة: “لقد كانت لحظات ملأى بالمشاعر”.

وكان رد الفعل المباشرة هذا منسجما مع شخصية محمد، الذي انتقل في الثالثة من عمره مع والديه كلاجئين إلى الولايات المتحدة هربا من الحرب الأهلية المشتعلة في الصومال آنذاك.

استقر محمد وعائلته في كولومبوس بولاية أوهايو، التي تضم أكبر جالية صومالية في الولايات المتحدة، وتربى محمد وسط ما وصفها بعائلة من الطبقة المتوسطة ميسورة الحال نسبيا.

إلا أنه بدأ يدرك مع مرور الوقت المشكلات التي يواجهها الكثير من بني وطنه، وقلة الموارد التي يمتلكونها.

ولم تكن تلك الجالية الصومالية التي يبلغ تعدادها 50 ألفا تضم محاميا واحدا، لذا توجه محمد لدراسة قانون الهجرة في جامعة ولاية أوهايو، ثم بدأ عمله وسط الجالية.

لكن محمد كان يدرك أيضا أنه بحاجة إلى استخدام مهاراته تلك للمساعدة في إعادة بناء بلده.

لذا فقد أمضى سنوات يزور فيها عددا من الجاليات الصومالية في المهجر في أوروبا ويتعرف على احتياجاتها. وخطرت له فكرة إنشاء مؤسسة إيفتين خلال رحلته إلى العاصمة الإيطالية روما.

وقال محمد: “في ذلك الوقت، لم تكن هناك حكومة مركزية في الصومال، ولم تكن هناك بعثة دبلوماسية تدير سفارتها في روما.”

وأضاف: “وجدت ما يقرب من 150 شابا صوماليا قد لجأوا إلى السفارة، وكلهم كانوا من المهاجرين غير الشرعيين ممن عبروا البحر المتوسط إلى إيطاليا بحثا عن عمل لهم هناك.”

وتابع قائلا: “تركت عائلتي الصومال خوفا من الحرب الأهلية. أما هؤلاء الشباب، فتركوها نظرا لقلة الوظائف، وهو ما جعلني أنظر إلى الأعمال الحرة على أنها أداة للتأثير في المجتمع.”

غاية في الخطورة

وجاءت الانفراجة في عام 2010 عندما تلقى محمد اتصالا هاتفيا من وزارة الخارجة الأمريكية، حيث كان نشاطه داخل الجالية قد أصبح له صدى واسع، مما جعل الاختيار يقع عليه ليكون من بين ثمانين من القيادات المسلمة الشابة التي وجهت إليهم الدعوة للقاء وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون، كجزء من مبادرة الحكومة الأمريكية “جينيريشن تشينغ” أو “تغيير الأجيال”.

وقال محمد: “كان من المفرح جدا أن يكون هناك اهتمام لما نقوم به”. وأضاف “عندما تخرجت، توجه العديد من زملائي في الجامعة للعمل في القطاع الخاص وحصلوا على وظائف رفيعة، إلا أنني فضلت أن أعود إلى مجتمعي”.

وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية اعتبرت ذلك المشروع غاية في الخطورة، إلا أن محمد قرر إنشاء مؤسسة إيفتين في الصومال، بعد أن استوحى الفكرة من الأعمال التي قام بها غيره من الشباب المسلمين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة من دول مثل ماليزيا وباكستان وإندونيسيا.

لم تثن تلك المخاوف محمد عن استكمال هدفه، واشترك مع شقيقته ساغال، البالغة من العمر 27 عاما في إطلاق مؤسسة إيفتين.

وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أطلق على ساغال لقب “بطلة التغيير” عام 2012.

وقال محمد: “تتمثل الفكرة الرئيسية في الرأسمالية النشطة، التي تستخدم فيها الرأسمالية كأداة للتنمية بدلا من المساعدة. فنحن نقوم بالاستثمار في تلك الأعمال ونحصل على حصة في الأسهم.”

وتابع معلقا: “بدلا من أن نقدم لهم المنح فحسب، تكون لدينا أيضا حصة من نجاحهم، الذي يعني أننا نجني دخلا يمكننا أن نستخدمه في دعم نشاطنا.”

إلا أن أكبر التحديات التي تواجه هذه المؤسسة تتمثل في العثور على مستثمرين، إذ إن أغلب رجال الأعمال الصوماليين لا يمتلكون القدرة لتمويل القروض المؤجلة، بينما تحرم الشريعة الإسلامية الفوائد على القروض.

وفي غياب الدعم الحكومي، تكون الموارد الخاصة هي المصدر الوحيد للتمويل، كما أن ما يقرب من 80 في المئة من الاستثمارات تكون في هيئة حوالات مالية من الجاليات الصومالية التي تعيش في أوروبا والولايات المتحدة.

وأضاف محمد: “لا يزال يمثل ذلك تحديا، لكنه حتى الآن في نطاق ضيق، يتراوح ما بين خمسة آلاف وخمسة عشر ألف دولار أمريكي. إلا أن بدء مشروع في الصومال لا يتطلب بالضرورة ذلك المبلغ.”

ويأمل محمد خلال العامين القادمين في أن يتمكن من إطلاق مشاريع استثمارية أكبر ويتعامل مع المزيد من المانحين.

تأثير مجتمعي

هناك مشروع آخر يحمل اسم “آمبر غاردينز آند فلوريستس” لتجارة الزهور أطلقه محمد محمود في مقديشو يشبه النشاط الذي تقدمه مؤسسة إيفتين.

ساعدت مؤسسة إيفتين محمد على التواصل مع عدد من المستثمرين الأجانب والخبراء في تصميم المواقع، ويعمل معه في الوقت الحالي ما يقرب من 20 موظفا على المستوى المحلي.

إلا أن النجاح في حد ذاته ينطوي على خطورة كبيرة في الصومال، خاصة وأنه يجذب انتباه المجموعات المسلحة هناك، بما في ذلك حركة الشباب الصومالية المتشددة.

وقال محمود: “لقد حمل مشروعي تأثيرا كبيرا على المجتمع الصومالي للدرجة التي أصبح فيها الصوماليون يشترون الورود لحبيباتهم في عيد الحب. وعلى الرغم من أن أمثال حركة الشباب لا يعترفون بتلك الأمور العاطفية، فإن ذلك لم يثنني عما أقوم به.”

ويعتقد محمود أن مشروعه لا يزال هو المكان الوحيد الذي يبيع الزهور في مقديشو، إلا أنه متفائل بشأن المستقبل.

وتابع قائلا: “لم أكن لأقوم بهذا العمل إذا لم أعتقد أن مقديشو ستعود إلى سالف عهدها الذي كانت عليه من الجمال والنجاح، وآمل أن يسهم مشروعي في ذلك.”

ويرى محمد على أن هذه الروح من المثابرة منتشرة بين رجال الأعمال الصوماليين على الرغم من وجود المخاطر المحدقة بهم.

في أول أيام السنة الجديدة، تم تفجير فندق الجزيرة في العاصمة مقديشو، لكن هذا المكان استضاف بعد مرور بضعة أشهر فقط قمة المشروعات الشبابية التي نظمتها مؤسسة إيفتين.

وكان من بين المتحدثين في القمة أحمد جامع، صاحب مطعم “فيليدج” في مقديشو.

وقال علي: “بعد ستة أيام من عقد القمة، تعرض مطعم (جامع) للتفجير على يد حركة الشباب وقتل في ذلك الحادث 15 شخصا. وعلى الرغم من أنه كان مستاءا بشدة، إلا أنني عندما تحدثت إليه أخبرني أنه سيعيد افتتاح ذلك المطعم وأنه لم يجعل للخوف سبيلا عليه.”

تعطش للفرص

وسعيا منها للمساعدة في بناء مشروع ثقافي أكبر، شاركت مؤسسة إيفتين مع شركة إنتاج إعلامية بريطانية في عمل سلسلة برامج من تلفزيون الواقع من المقرر بثها هذا العام.

وسيعمل هذا البرنامج على متابعة حياة رجال الأعمال في الصومال، ويهدف إلى تقديم مفهوم الأعمال الحرة لجمهور أوسع.

وقال محمد: “إنني على ثقة بنجاح هذه المبادرة، فرجال الأعمال هؤلاء متعطشون للفرص.”

وتابع قائلا: “نحن لا نأتي بمستثمرين من الخارج، بل نقدم لهؤلاء الدعم الذي يحتاجونه ليكونوا ناجحين.”

وأضاف محمد أنه يحصل على الدعم من خلال العمل كمستشار للمنظمات الصومالية غير الربحية التي تعمل من الولايات المتحدة، لكنه يأمل في أن يكون ذلك كافيا له في أن يعود مرة أخرى إلى مقديشو ويعمل هناك بشكل كامل، على الرغم من المخاطر الأكبر التي يعترف هو بأنها تواجه الشباب هناك في كل يوم.

المصدر- بي بي سي 

زر الذهاب إلى الأعلى