أزمتنا السياسية

ومن بين سلسلة القضايا المأزومة والعالقة زهاء ربع القرن في وطننا الحبيب “الصومال”؛ قضية الفكر السياسي الصومالي والذي يكاد يفقد ذوقه وروحه وحيوته في أوساط مجتمعي المحلى والدولي، وأنه لم يبق إلا رمقه الأخير الذي يرديه قتيلاً في الأجل المنظور إن لم نتدارك.

فقضية الفكر السياسي الصومالي قضية حيّرت الباحثين والأكاديميين ومهتمو قضايا الأمة من بينهم المؤسسات البحثية والعلمية المختصة العالمية منها والمحلية؛ مما أدّى إلى صعوبة تصنيف ماهية الفكر السياسي عندنا وأحال دون إمكانية التحليل العلمي وغربلة مسائله العالقة تمهيداً لاستنتاج نتائج منطقية ومستساغة وقابلة للتوقع والتخمين ثم الترجيح.

عليه فإنني أزعم أن ذلك نابعٌ وجزءٌ أساسي عما هتفناه سابقاً بـ ” الأزمة الفكرية” التي نعانيها بكافة أشكالها وأنماطها المتعددة ونمط الفكر السياسي هو الذي اكتوى المجتمع بناره ومازال إلى كتابة هذه السطور نكتوى بناره وعتمة إفرازاته ووقاحة نتائجه ومحاصيله.

وما يدور هذه الأيام في قبة مجلس الشعب و”فيلة صوماليا” خير مثالٍ للخلل الفكري الحاصل في أوساط السياسيين ومتربعي مواضع السيادة في الدولة، وأعضاء المجلس التشريعي _ رغم أن الدور المنوط بهم يتلخص برجحان مصلحة الوطن عند تعارضها بمصلحة فردية أو حزبية لكن نشهد ما يؤسفنا ويقلقنا ويقنّطنا_ لا يختلفون كثيراً عن نظرائهم في المناصب التنفيذ، وقس على ذلك عن باقي الأقاليم المكونة حالياً والتي تكونت سابقاً واحتقل بعضهم بعيد تأسيسهم الثالث بعد العشرين والسادس عشرة “23سنة و  16″.

 إنّ نخالة أفكار السياسيين الصوماليين وذبالة أذهانهم جعلت الأمة تتحير وتتقوقع بين الفينة والأخرى إلى كل ناعقٍ رويبض يصول هنا ويجول هناك؛ يدعوهم إلى أن يختاروه ليشبع رغباته الشهوانية لا أن يعينهم على أعباء المعيشية الأساسية وظروف الأيام العجاف التي يمر بها الوطن، أضف إلى ذلك إلى عفارة آراء بعض من سموا بشيوخ القبائل والسلام – بهتاناً وزوراً – وأولى منهم أن يقال – في نظري-وقّاد الفتنة وتجّار الفرقة والشجار بين الأحبة وأبناء الوطن الواحد.

ففي هذا الواقع المرير الذي فسدت فيه الأمزجة وعقول المثقفين قبل العامة وتلوث الجو بروائح الكراهية واقتناص الأخر بسبب منصب أو درجة دنيوية دنيئة، وفاحت منه نتانة الأفارقة والخواجة وأفعالهم المخزية والمنهكة بأعراض عذرا واتنا الأحرار الأطهار؛ إضافة إلى أذيالهم المنتفعين ولاعبي أحشائهم وأباطنهم وفروجهم وعمالة الغرب ودول الجوار.

ومن ناحية أخرى الجماعة الراديكالية ما زالت تمارس نشاطها وتنفث سمومها وتلغم الأجواء بأفكارها المعوجة والمضللة استغلالاً للأسباب الآنفة الذكر وغيرها لا تعد ولا تحصى.

وبعد هذا كله تظهر أهمية بل وضرورة إجراء دراسات وبحوث حول أزماتنا الفكرية بفروعها المختلفة والتي تطرقتُ بعضاً منهاً بصورة خاطفة في مقالاتنا السابقة، وإجراء مراجعات حقيقية في كافة المجالات كما فعل اليابانيون إبان سحقهم وإخراجهم من السجل التاريخي العالمي.

أما كيفية تقويم الاعوجاج وتصحيح المسار فهي مسألة مطروحة أمام الطاولة تنتظر لأولى النخوة والرجولة والفكر بكل انتماءاتهم الفكرية والسياسية والقبلية حلها والشروع بوضع برنامج متكامل يهدف إلى إحياء الأمة فكرياً وثقافياً وتوعيتهم سياسياً وإجتماعياً.  وأختم بمقولة رائعة قالها الفيلسوف (روانبخ) يقول فيها: ” نحن نسقط لكي ننهض… ونهزم في المعارك لنحرز نصراً أروع… تماماً كما ننام لكي نصحوا أكثر قوةً ونشاطاً”.

عبد الرحمن أدم حسين

خريج كلية الشريعة والقانون ، جامعة افريقيا العالمية والآن يحضر الماجستير في نفس التخصص بجامعة القرآن الكريم، الخرطوم - السودان
زر الذهاب إلى الأعلى