مشكلة الكهرباء في الصومال

قد يقول البعض، لا أزمة كهربائية في الصومال والقلق الذي يساور البعض مبالغ فيه، لأن احتياجات الصوماليين للكهرباء محدودة، بسبب عدم وجود الأجهزة الضخمة والأدوات التي تحتاج الي طاقات كبيرة من الكهرباء وان المولدات الكهربائية البسيطة تكفي لسد احتياجاتنا للطاقة.

هذا الأمر قد يكون صحيحا إذا نظرنا اليه من منظور غير استراتيجي، لكن التطور التكنولوجي في العالم وتزايد اعتماد الإنسان الصومالي على التكنولوجيا في ظل التطورات الأخيرة في الساحة وتحسن الأوضاع الأمنية في مناطق كثيرة من البلاد وزيادة الاستثمارات المحلية والخارجية، تجعل لزاما على توفير طاقة كهربائية تلبي احتياجات الصوماليين لها والآخذة في الإزدياد.

خلال الأعوام الماضية التي اعقبت انهيار الحكومة المركزية عام ١٩٩١ لم تكن الظروف سانحة لإستخدام الأدوات المنزلية التي تعمل بالكهرباء والغاز كالمكيف الهواء والغسالة والبوتوجاز والفرن غير ان السنوات الأخيرة تغيرت الأمور وبدأت الحياة تأخذ طابعا جديدا أكثر اشراقا ولا سيما في العاصمة مقديشو التي بدأت تستعيد زمام المبارة وتتلمس طريقها نحو الازدهار والتقدم بعد اطاحة المتمردين من المدينة وضواحيها وارتفاع نسبة العائدين من المهجر الذين يبحثون عن فرص للإستثمار في بلادهم والمدن التي ينحذرون منها.

 فهذا التغير الكبير الذي طرأ في طبيعة ونمط حياة الصوماليين يفرض عليهم ايجاد طاقة كهربائية بديلة أو  ارخص من المستخدمة حاليا والتي تعتبر مكلفة ناهيك عن عدم قدرتها على تلبية الطلبات المتزايدة من الطاقة في البلاد وان الحكومة في هذا الإطار ينبغي ان تتحمل المسؤولية الكبيرة في تأمين احتياجات ملايين الصوماليين في ارجاء البلاد للطاقة وخصوصا أكثر من مليوني مواطن في العاصمة مقديشو، المركز التجاري الأهم في عموم البلاد . وليس أمرا معقولا ان نكتفي بإنارة العاصمة بالأعمدة الكهربائية التي تعمل بالطاقة الشمسية، فهذا المشروع لا يشكل الا جزاء بسيطا جدا من احتياجات الطاقة في مقديشو.

يقدر الصناعات الصغيرة والمتوسطة في مدينة مقديشو وحدها بالعشرات وهناك العشرات من الفنادق الراقية والمراكز التجارية الكبيرة بالإضافة الي عمليات البناء الضخمة الجارية في المدينة. كل ذلك بطبيعة الحال تؤدي الي ارتفاع نسبة استهلاك الطاقة في البلاد وبالتالي كيف يمكن لأنظمة الكهرباء البدائية ان تلبي هذه الإحتياجات في حين تكاد تعجز عن توفير الكهرباء للمنازل والمكاتب التي لا تستهلك سوى كيلووات محدودة من الطاقة .

كثير من الناس يستخدمون مولدات خاصة بهم لتوليد الكهرباء على الصعيدين المحلي والأعمال، وكثير منهم لا يستطيعون دفع تكلفة الوقود التي تصل أحيانا 250 دولارا للبرميل. ووفقا لشركات الكهرباء المحلية فأن فاتورة الكهرباء المنزلية تصل أيضا إلى ما يقارب 25 دولارا للجهاز الواحد أو المصباح الكهربائي، وسعر كل كيلووات من الوحدة يتراوح ما بين 1-5  دولار وهذا هو الذي يعيق فرص النمو الاقتصادي في البلاد. والعائلة الواحدة التي تعيش في مقديشو تدفع أعلى فاتورة فاتورة كهربائية تصل إلى 2500 دولار في شهر واحد بحسب الشركات الكهربائبة في مقديشو.

وكذلك قطاع الكهرباء في البلاد يعاني ضغوطا كبيرة بسبب النمو السكاني بنسب عالية والتوسع العمراني الكبير وبسبب ما تشهده البلاد ولاسيما المدن الكبيرة من تطور صناعي واسع، بالإضافة الي تحرر مناطق واسعة في جنوب وسط البلاد من قبضة حركة الشباب، مما يعني أن تلك المناطق ستحتاج الي مزيد من الطاقة  الكهربائية لإستخدام الأجهزة التي كانت ممنوعة ابان فترة حكم الشباب، كالإنترنت والتلفزيون… وكل هذا يجعل من قضية تأمين الطاقة الكهربائية في المستقبل مهمة استراتيجية وقضية وطنية في غاية الأهمية.

يجب أن ندرك أن إنتاج الطاقة الكهربائية اليوم والتفكير عن مستقبلها، مشكلة عالمية تعانيها حتى الدول الكبيرة والغنية، بل وتسبب أحيانا صراعات بين الدول وذلك لعدة أسباب منها كما يقول المختصصون في هذا المجال، ازدياد الطلب على الطاقة الكهربائية نتيجة للنمو الاقتصادي العالمي الكبير وزيادة سكان العالم، إضافة إلى الظروف البيئية والتغيرات المناخية غير الطبيعية التي تحتم استخدام أجهزة التبريد والتسخين لمواجهة البرودة والحرارة غير العادية. 

ويؤكد هؤلاء الخبراء ان الحلول الجذرية والشاملة لمشكلة الكهرباء لا تتطلب فقط النظر والاهتمام بمسألة إنتاج الطاقة الكهربائية، بل من الضروري أيضا الاهتمام بمسألة الطلب، فالترشيد في استخدام الطاقة الكهربائية هو أجدى الحلول اقتصاديا وأسرعها عمليا وأسلمها بيئيا.

كشفت دراسات حديثة لوكالة الطاقة الدولية وإدارة البحوث والمعلومات بوزارة الطاقة الأمريكية أن العالم في تزايد رهيب على طلب البترول والغاز الطبيعي مما يشير بمالا يدع مجالا للشك إلي حدوث أزمة الطاقة خلال العقدين القادمين، الأمر الذي دفع الدول الصناعية للتفتيش عن بديل تواجه به الخطر الذي يهدد بتوقف العجلة الصناعية فيها ويعيدها لعصور الظلام، حيث لجأت دول مثل اليابان لاستخدام السولار والكهرباء لتسيير السيارات·

وأوضحت الدراسات أن هذه الزيادة في طلب الطاقة دفعت دول أخري كأمريكا إلي البحث عن سبيل آمن لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة كاستخدام الطاقة النووية والشمسية رغم مخاطر الأولي، ليس هذا فحسب بل تعالت أصوات في الآونة الأخيرة تنادي بمضاعفة حجم الإنتاج من البترول لنسبة تصل إلي %80، وذلك كله لمواجهة هذه الأزمة·

الي جانب ضغوط النمو السكاني، والتوسع العمراني الكبير في المدن ، يجتاج الصومال بسبب طبيعة مناخه الحار والجاف الي استخدام المكيفات الهوائية التي تستهلك طاقة كبيرة لا تستطيع الشركات الكهربائية الحالية توفيرها حيث تتزايد هذه الأيام عدد الفنادق والمؤسسات والمكاتب الحكومية والدولية التي تستخدم آلات التبريد، لذلك ينبغي التفكير بصورة جدية عن مصادر متنوعة للطاقة وان نجعل تأمين الطاقة الكهربائية في المستقبل مهمة استراتيجية وقضية وطنية تتصدر جدول أعمال الحكومة قبل أن تصبح المشكلة عائقا كبيرا أمام تطور البلاد.

لا شك أن الغاز الطبيعي والطاقة النووية والشمسية هي من المصادر التي ينظر إليها العالم بجدية بالغة في المستقبل، ولحسن الحظ فان بلادنا غني بهذه الثروات الطبيعية لكن الأمر يحتاج الي فكرة وإرادة قوية قادرة على استغلال خيرات البلاد وثرواته وتسخيرها في خدمة الوطن والمواطنيين. وهل نفكر إذن جديا في الاستفاذة من الشمس الخارقة والرياح العاتية وآبار النفظ والغاز التي وهب الله لبلادنا دون غيره من دول المنطقة؟ 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى