الدور الفرنسي في الإبادة الجماعية برواندا عام 1994 وانتقال الصراع العرقي إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية (1-5)

تحت هذا العنوان، سيتم التطرق إلى عدة محاور، الأول، يهتم بالتنافس الفرنسي- الأمريكي في منطقة البحيرات العظمى، والثاني، يتناول التورط الفرنسي في الإبادة الجماعية التي ارتكبتها عرقية الهوتو في حق عرقية التوتسي برواندا، أما الثالث، فيتطرق إلى عملية الفيروز ونقل الصراع العرقي بين “الهوتو” و”التوتسي” إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

 أولاً: التنافس الفرنسي-الأمريكي في منطقة البحيرات العظمى

   تُعد إفريقيا من أهم دوائر السياسة الخارجية الفرنسية بعد الاتحاد الأوروبي، مثلما عبر عنه الرئيس الفرنسي الأسبق “فرانسوا متيران” بقوله، << أنه بدون إفريقيا لن يكون لفرنسا تاريخ في القرن الحادي والعشرين، فالقارة السمراء، كانت مجد فرنسا ومنطقة نفوذها التاريخية، لذا من الصعب تخيل قيام رئيس أو حكومة فرنسية أياً كانت توجهاتها بالتخلي عن إفريقيا أو أن تولي ظهرها للقارة >>.

   ولما كانت إفريقيا تمثل مجد فرنسا ومنطقة نفوذها الخارجي طوال العقود الماضية، لذا فقد ترسخت لدى الحكومات الفرنسية على اختلاف توجهاتها، عقيدة التواجد والترابط العضوي مع مختلف دول القارة وباتت سياسات فرنسا تجاه إفريقيا، تدار مباشرة من قصر الإليزيه، كما تم في منتصف التسعينيات، ربط وزارة التعاون الدولي مع إفريقيا بوزارة الخارجية الفرنسية، كضمانة لفاعلية التواصل مع قضيا القارة. وفي العام 1997 تم إقرار “مشروع إفريقيا” لوزارة الخارجية الفرنسية، الذي يعد تصور فرنسي جديد لإدارة المصالح الفرنسية.

    ويبدو أن فرنسا قد لجأت لصياغة هذا المشروع كمحاولة منها لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، خاصة بعد موجة الانتقادات الدولية التي تم توجيهها للحكومة الفرنسية بسبب تعاطيها مع الأحداث التي وقعت في رواندا عام 1994 وإصرارها على دعم الأنظمة الفاسدة، على غرار نظام “موبوتو سيسي سيكو” في زائير حينها، أيضاً لأجل مواجهة النفوذ المتنامي للولايات المتحدة الأمريكية في القارة الإفريقية، خاصة بعد نهاية الحرب الباردة.

    وحسب الدكتور “بدر حسن شافعي”، فإن اهتمام فرنسا بمنطقة البحيرات العظمى راجع لثلاثة أسباب رئيسية:

1/ الاستفادة من الموارد المعدنية الموجودة بمنطقة البحيرات خدمتاً لصناعاتها الثقيلة.

2/ منطقة البحيرات ملاصقة لمنطقة القرن الإفريقي، أين توجد القاعدة العسكرية الفرنسية في دولة جيبوتي، المطلة على مضيق باب المندب الاستراتيجي.

3/ مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، خاصةً في رواندا، بوروندي والكونغو الديمقراطية، باعتبارها دولاً فرونكفونية.

    ولتحقيق الأهداف الثلاثة السابقة، قامت فرنسا بدعم عرقية الهوتو في المنطقة، وكان ذلك لاعتبارين هامين:

1/ انتماء عرقية الهوتو للرابطة الفرونكفونية، بينما التوتسي ينتمون إلى الرابطة الأنجلوساكسونية.

2/ تلقي الجيش الرواندي – معظمه من الهوتو– تدريباته على أيدي الضباط الفرنسيين.

   فبالرغم من أن رواندا لم تكن تنتمي إلى دائرة المستعمرات الفرنسية، إلا أنها شكلت أساساً لنفوذ فرنسا بعد مرحلة استقلال الدول الإفريقية،حيث أنه مع بداية التعاون الفرنسي– الرواندي في عهد الرئيس “دو غول” De Gaulle  تم التأكيد على ضرورة تواجد فرنسا في زائير، رواندا، وبوروندي باعتبارها دولاً فروكوفونية على فرنسا أن تكون حاضرة فيها.

    ولقد بدأ التورط الفرنسي في رواندا مع التوقيع على اتفاقية التعاون الفرنسية-الرواندية في 10 أكتوبر من العام 1962، والتي عبرت عن طبيعة التدخل في كل الجوانب، من أهمها الثقافية، التقنية، الاقتصادية ومولت عدة مشاريع تنموية.

    ومع بداية السبعينيات وتحت إدارة “إستين” Valery Giscard d’Estaing عبرت فرنسا عن نظرة جيو-سياسية واضحة، بينت ذلك من خلال هدفها من توطيد الفروكوفونية، للحد من المنافسة الأمريكية في المنطقة، وقد جاء ذلك مع التوقيع على أول اتفاقية للشراكة في المجال العسكري في 18 يوليو/ جويليه من العام 1975، لتدريب وتنظيم الدرك الوطني والشرطة وفق نموذج فرنسي، ومُنذُ ذلك الوقت ضاعفت فرنسا مساعدتها العسكرية للنظام الرواندي –نظام “هابيار يمانا”- من عرقية الهوتو الأمر الذي مثل بداية لإستراتيجية حقيقية في المنطقة.

    وفي أكتوبر من العام 1982، قام الرئيس الرواندي بإبعاد 80 ألف رواندي لاجئ من عرقية التوتسي، طردهم النظام الأوغندي، وفي نفس الشهر أيضاً توجه الرئيس الفرنسي “ميتران” إلى كيغالي لطمأنة الرئيس الرواندي باستمرار دعم فرنسا له.

    ومع استمرار قمع المعارضة الداخلية، تشكلت في العام 1988 “الجبهة الوطنية الرواندية” على أيدي عدد من اللاجئين والكوادر المتعلمة في الخارج من عرقية التوتسي. وإثر الإعلان عن ولادة جناح عسكري للجبهة الوطنية الرواندية وتحركها بشمال البلاد، قامت القوات الرئاسية الرواندية بمساعدة قوات المظليين الفرنسية بضرب هذا التحرك. مما أدى لاعتقال أكثر من عشرة ألاف توتسي ومعارض في العاصمة الرواندية كيغالي، في 6 أكتوبر من العام 1990.

    وفي 3 فبراير/فيفري من العام 1992، ووفق وثيقة للخارجية الفرنسية، تولى قائد القوات الفرنسية “شوليه” وظيفتي مستشار رئيس الجمهورية ومستشار قائد أركان الجيش الرواندي. كما شكل في نفس العام الحزب الحاكم “مليشيات انتيراهامو” من شبيبة الهوتو التي ارتكبت مجازر بحق التوتسي في منطقة “غيزني”.

 

علي حسن الخولاني

باحث دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر، مختص في الشؤون الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى