عمليات القتل خارج القضاء في كينيا….. من المنفذ ومن المستفيد؟

تواجه قوات الأمن الكينية انتقادات حادة حول دورها المحتمل في عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، وتعيش البلاد على وقع الصدمة في هذه الأيام بعد اكتشاف مقبرة جماعية في منطقة  شمال شرق كينيا ذات الأغلبية الصومالية في الأسبوع الماضي وقد عبر المسلمون الغاضبون  آرائهم في وسائل الإعلام و التواصل الاجتماعي حول زيادة حالات القتل خارج نطاق القضاء،

ليست المرة الأولى التي تواجه فيها قوات الأمن الكينية اتهامات مماثلة بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، بل وأشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة في 2014 إلى أن عددا كبيرا من هذه الإعدامات تم تنفيذه منذ عام 2010.على يد الأمن الكيني.

وفي آب/ أغسطس الماضي، أصدر ناشطون في مجال حقوق الإنسان تقارير تفيد أن 100 من الشباب المسلمين فقدوا في مقاطعة مانديرا  خلال هذه السنة بعد اعتقالهم من قبل قوات الأمن الكينية، ويخشى من قيام قوات الأمن بـ “إعدامهم خارج نطاق القضاء”

وعلى الرغم من وجود هذه التقارير الحقوقية إلا أن المراقب ليس من السهل جدا أن يفهم دهاليز وطلاسم هذه القضية وذلك في ظل الشكوى الدائمة من قبل قيادات المسلمين ضد عمليات القتل خارج نطاق القضاء منذ سنوات مقابل النفي الحكومي المستمر بتورط أجهزتها بعمليات من هذا النوع، ولكلٍ يستند إلى مببرات.

فالنسبة للمسلمين يبررون موقفهم بأن الاشخاص الذين إعداموا  تم أعتقالهم على يد رجال عرّفوا أنفسهم بأنهم من الأمن الكيني، وأن كل الذين اختفوا أو أعدموا كانوا على درجة عالية من التدين الديني، كما أن الضحايا الذين أعدموا كلهم من المسلمين، بحيث لا يوجد فرد واحد من غير المسلمين أعدم حتى الآن خارج نظاق القضاء، إضافة إلى تقارير المنظمات الحقوقية التي تشير  بأن العمليات المتعلقة لمكافحة الارهاب قد شابتها أنماط متعددة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء والاعتقالات التعسفية والتعذيب.

ومع  أن المسلمين من حقهم توجيه الاتهام إلى حكومتهم بحكمها مسؤولة على حماية أمن المواطنين إلا أنهم لا يملكون أدلة واضحة من أن الضحايا لم يكونوا إرهابيين أو أنهم كانوا على صلة بنتظيم حركة الشباب، وبالتالي فإن شكواهم تبقى مجرد تهم لا تستند إلى حقيقة واضحة، وأن ما يستندون في أمرهم هو استمرار عمليات القتل فقط بدون محاكمات.  مع العلم بأنه من غير المسموح في العالم إعدام أي شخص بدون محاكمة مهما كان حجم الجريمة التي ارتكبها.

 الحكومة من جانبها تدعي بأن لا علاقة لها بعمليات القتل خارج القضاء وأن أي شخص يرتكب مثل ذلك العمل الوحشي يجب أن يمثل أمام القانون. وفي نفس الوقت تؤكد التحقيقات التي اجرتها المباحث الجنائية حول منفذي هذه الأعمال البشعة بعدم معرفة الجناة أو أن الجريمة ربما نُفذتْ من قبل مجموعات إجرامية.

علاوة على ذلك فإن الحكومة تؤكد دائما بأن أي مُتهم بالضلوع في عمليات إرهابية أو الانتماء إلى حركة الشباب سيتم التعامل معه وفق الأطر القانونية في البلاد، وسيمثل أمام المحكمة والتي بدورها ستبث القضية استنادا إلى ما توفر لدى الإدعاء من أدلة.

وفي خضم هذه المتهم الموجهة للأمن الكيني من قبل المسلمين مقابل النفي الحكومي القاطع بعدم انخراط أجزتها في جرائم من هذا النوع تظل الحقيقة تعوم في مسرح الشك الأمر الذي جعل المراقبون يشكون من مدى مصداقية حجج الجانبين.  لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ويجعل الحكومة أمام موقف حرج من الذي ينفذ الجريمة وقد نأت نفسها عنه؟ ولماذا لم تستطع معرفة الجاني؟

الأمر  الآخر الذي يثير  هنا عدة تساؤلات هو أن المسؤولين الكينين عندما يتحدثون لوسائل الإعلام دائما ما يقولون “يجب أن يتم تصفية الشخص الدي يريد قتل الناس قبل أن يقوم بذلك” والمتمعن في هذه العبارة يستنتج بأن الحكومة قررت فعلا قتل بعض الدين يقومون بتحطيط جريمة مّا بدون أن تلجأ إلى بديل آخر مثل القبض عليه ومحاكمته، الأمر الذي جعل البعض يتهمون الأمن الكيني بقيام عمليات القتل خارج القضاء.

فخلاصة القول فلاشك بأن عمليات القتل حارج نطاق القضاء لن تتوقف حسب تقدري، والمنفذ قد يكون حليطا  (الأمن – حركة الشباب) فعلى سبيل المثال فمن ضمن الحثثت التي عُثرت في المقبرة الجماعية الأسبوع الماضي في مدينة منديرا إمرأة في العقد الرابع من عمرها، وكانت أرملة تعيل أولادها على  عائدات من محل لبيع شاي كانت تملكه، وبالتالي لا أعتقد أن أحدا يقوم بإعدام مثل هذه المرأة بدون أن تكون هناك أسباب واضحة جعلت الجاني ينفد في حقها الإعدام، ولذلك فإما أنها كانت على صلة بحركة الشباب وكانت تقوم بعمليات تجسس لصالح الحركة ومن ثمّ تم أعدامها على يد الأمن الكيني، وإما أنها كانت متعاونة مع الأجهزة الأمنية الكينية ضد الشباب وبالتالي تم تصفيتها من قبل خلايا حركة الشباب باعتبارها مرتدة وفقا لمنطق الحركة. وبذلك يكون مسلمو كينيا ما بين نار الأجهزة الأمنية ونار حركة الشباب، والمستفيد الأخير من عمليات القتل هو الجاني سواء كان الأمن أو الحركة فيما سيظل المسملون ضحية بدون معرفة اللغز .

علي جبريل الكتبي

من مواليد عام 1982 بمدينة منديرا في شمال شرق كينيا، أنهى المرحلة الثانوية في معهد نور الإسلام عام ٢٠٠١م ثم حصل على بكالوريوس في التربية و التاريخ من جامعة إفريقيا العالمية بالسودان أكتوبر ٢٠٠٦م والماجستير من معهد الخرطوم الدولي لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها أغسطس ٢٠٠٩م. عمل مع الجزيرة والبي بي سي كصحفي مستقل في فترات مختلفة، باحث في قضايا إفريقيا الشرقية ومنطقة البحيرات. يكتب في عدد من المواقع العربية والمجلات العلمية، وله مجموعة من البحوث والدراسات حول المنطقة
زر الذهاب إلى الأعلى