(صدى الأسبوع) الصراع في غالكعيو..المأزق التاريخي وآفاق المستقبل

لتحميل صدى الأسبوع على صيغة pdf

مقدمة

يمثل الصراع في مدينة غالكعيو امتدادا للصراع في محافظة مدغ كبرى المحافظات الصومالية بوسط الصومال إضافة إلى محافظة غلغدود، وهي عنوان مصغر لأزمة سياسية اجتماعية تعيشها الصومال، يتناطح في غالكعيو قوى تسعى إعطاء المدينة وخريطتها صبغة عشائرية تعتمد على الانتماء القبلي كمعيار لتحديد حدود المدينة وموقعها في الاستحقاق الفيدرالي.

ويرى المراقبون بأن الصراع في الصومال بشكل عام امتدَّ من تلك المناطق، ويوصف سكان مناطق مدغ وغلغدود بأنهم أهل شدة وحرب وثأر،  وبالتالي فإن الصراع في المناطق الوسطى من الصومال يعتبر  أحد جذور الحرب الأهلية في الصومال، حيث تقطن في الإقليم قبائل متنوعة يتنازعون على الكلإ والماء والنفوذ.

ونظرا للاختلاط النسبي للقبائل فإن معظم الحروب الأهلية المتكررة تقع في إقليمي مدغ وغلغدود اللذين كانا إقليما واحدا قبل عم 1972م، وهذا الجدول يوضح مديريات محافظة مدغ والقبائل القاطنة.

 

غالكعيو جريبن هوبيو حررطيري غلدغب
1-عمر محمود -مجيرتين 1-عمر محمود – مجيرتين 1- سعد – هبر غدر 1- سرور –هبر غدر ليلكسي – دارود
2-سعد – هبر غدر 2- قبيس – در 2- سليمان – هبر غدر 2- عير – هبر غدر -بعيديهن – مجيرتين
3- ليلكسي -دارود 3- سليمان – هبر غدر -قبائل أخرى مجيرتين
4- قبيس – در 4- وعيسلي – أبغال
5- شيخال – لوبغي 5- ددبلي محمود هراب
6- عرب صالح 6- وذلان – هويه
7- مطبان

وهذا أيضا جدول يوضح مديريات محافظة غلغدود والقبائل القاطنة:

 

طوسمريب عابدواق عذاذو عيل بور عيل طير
1-عير -هبرغدر مريحان – دارود سليمان – هبر غدر محمود هراب – ددبلي وعيسلي – أبغال
2-مريحان – دارود فقي محمد – در مرسذي- هويه
3- فقي محمد – در
4- سليمان – هبرغدر

 

جذور الأزمة في غالكعيو:

دخل الصومال أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات – عندما كانت حكومة محمد سياد بري آيلة للسقوط – مرحلة جديدة من تنامي الصراع القبلي في الصومال، فقد كانت الحكومة العسكرية التي كانت تحارب الجبهات الثورية المسلحة متَّهمة بتكريس الدور القبلي في الأرض، واضطهاد قبائل أخرى، وفي أواخر عام 1990م اعتبرت قطاعات كبيرة من سكان وسط وجنوب الصومال وشمال الصومال بأن الثورة المسلحة ليست فقط لإسقاط نظام سياد بري بل لمعاقبة قبيلة دارود بأكملها على ما حدث من القمع.

وقامت مليشيات المسلحة بما يشبه إبادة في بعض المدن المختلطة مثل مقديشو وغيرها ضد القبائل الدارودية التي كانت تسكن تلك المدن، وهرب معظم أفرادها إلى الحدود الكينية والعاصمة نيروبي.

لم تك مدينة غالكعيو بمنأ عن الصراعات القبيلة لأنها كانت مدينة مختلطة بين قبائل من دارود وهويه ودر وغيرها، فانتشر لهيب الحرب إليها أوائل التسعينات، وتبادل الطرفان بالاستيلاء على المدينة وحرق الأحياء الأخرى، وكانت المليشيات التابعة لطرفَي الصراع تدخل المدينة تارة تطرد الأخرى حتى وقَّع طرفَي النزاع في 4 من يونيو 1993م اتفاقية للسلام في مدينة غالكعيو تتكوَّن من 15 بندًا رئيسا، ووقع على الاتفاقية كل من عبد الله يوسف أحمد رئيس جبهة (SSDF)، ومحمد فارح عيديد رئيس (USC/SNA)، وعلي إسماعيل رئيس جبهة (SNDU).

وكانت هذه الاتفاقية بداية مرحلة جديدة لمدينة غالكيعو حيث عاد الناس إلى المدينة المهجورة وعمَّروها، وتخطت المدينة من مدينة أشباح إلى مدينة تجارية مهمة في تلك المنطقة، تنشط فيها التجارة والفنادق والسوق الكبير، يعيش الناس فيها بالتعايش السلمي إلى حد بعيد.

إلا أن المدينة كانت مقسمة بين نفوذ قبليتي عمر محمود – مجيرتين، وسعد –هبرغدر، وكانت تحدث بعض الخروقات والاغتيالات والتصفيات والصراعات التي سرعان ما يتم تداركها.

نشأة كل من بونت لاند غلمدغ وتأثيرها على الوضع في غالكعيو:

في أغسطس من عام 1998م أعلنت القبائل التي تنتسب إلى هرتي دارود أنها تؤسس أول كيان صومالي فيدرالي داخل جمهورية الصومال باسم (بونتلاند)، وأصبح العقيد عبد الله يوسف أحمد الذي كان رئيسا لجبهة الخلاص الوطني (SSDF) رئيسا للإدارة الجديدة بونتلاند، وكان وضع غالكعيو  يتطلب ضم المدينة إلى النظام الجديد إلا أن عشيرة سعد التي تنتمي إلى قبيلة هبرغدر هويه وقبائل أخرى رفضت ذلك، وبالفعل انقسمت المدينة إلى شطرين، الشطر  الشمالي الذي تديره إدارة بونتلاند، وتشمل الأحياء التي تسكنها عشائر عمر محمود وغيرها من عشائر مجيرتين مع قبيلة ليلكسي، والشطر الجنوبي الخارج عن إدارة بونتلاند.

وفي أغسطس 2006م أعلنت عشيرة سعد هبرغذر تأسيس إدارة غلمدغ، ومقرُّه الشطر  الجنوبي، ومنذ ثمان سنوات تعايش الإدارتان في المدينة على الرغم من توترات عديدة حول أراض وممتلكات عامة منها مطار غالكعيو والحواجز الأمنية وغيرها، إلا أن الطابع السلمي كان طاغيا منذ ذلك الحين.

وفي عام 2015م سعت الحكومة الفيدرالية إلى تشكيل إدارة موحدة للمناطق الوسطى التي تقطنها القبائل المتنوعة المتناحرة، إلا أنها اصطدمت بواقع مرير وهو سيطرة بونتلاند على الجزء الشمالي من محافظة مدغ، ورفضها التنازل عن تلك الجزئية لأي إدارة يتم تشكليها في وسط الصومال.

ومنذ أن كان المؤتمر  التشاوي حول تشكيل إدارة وسط الصومال يجري في مدينة عدادو كانت بونتلاند تصدر بيانات استنكار لهذا المؤتمر، وتتهم الحكومة الفيدرالية بإنشاء إدارة غير شرعية وغير دستورية، حيث أن الدستور ينص على أن الأقاليم الفيدرالية لابد وأن تتشكل من محافظتين فأكثر، وأعلنت بونتلاند قطع علاقاتها مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو بحجة أنها تشكل إدارة تهدد وجود بونتلاند ومصالحها في محافظة مدغ.

قبلت الحكومة الفيدرالية أخيرا على الواقع الجديد وهو تقسيم محافظة مدغ بين بونلاند وغلمدغ، وأن تصبح غلمدغ تتكون من جنوب مدغ ومحافظة غلغدود.

الصراع الأخير …الهشة التي قصمت ظهر البعير:

بعد تشكيل النسخة الجديدة لإدرة غلمدغ برئاسة عبد الكريم حسين غوليد ألقت الصراعات المريرة بين بونتلاند – التي لا تعترف بغلمدغ – وبين إدارة غلمدغ التي مقرها الانتقالي مدينة عذاذو ألقت بظلالها على مدينة غالكعيو التي كانت تعج بالأزمات القبلية والصراعات القبيلة، وأصبحت المشاريع التطويرية التي شهدتها المدينة محل تسابق بين الإدارتين، لاسيما المرافق الهامة مثل مطار غالكعيو والطرق المعبدة وغيرها، وكان إنشاء مطار آخر لغالكعيو تابع لغلمدغ من القنابل الموقوتة في نشوب صراع كبير بين الجانبين.

ونشبت اشتباكات مريرة بين الجانبين صباح يوم 22 نوفمبر  الماضي قتل فيها بضعة أشخاص وأصيب عشرات، على خلفية نزاع بين الإدارتين حول تعبيد شارع في مدينة غالكعيو، ومنذ ذلك التاريخ كانت الاشتباكات تتكرر يوما ويتم وقفها، وبعد جهود كبيرة بذلتها الحكومة الفيدرالية والإدارات الإقليمية الأخرى وقَّع عبد الولي محمد علي غاس رئيس إدارة بونت لاند، وعبد الكريم حسين غوليد رئيس إدارة غلمدغ على الاتفاقية التي صاغها رئيس الوزراء الفيدرالي تتكون من أربع نقاط هي:

  1. وقف كامل لإطلاق النار والأعمال العدائية بكافة أشكالها سواء كانت بالكلام أو الجنان
  2. سحب جيشي الإدارتين من داخل المدينة، وإعادتها إلى ثكناتها القديمة قبل اندلاع الحرب
  3. إعادة النازحين إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، ودفع كافة التسهيلات الإنسانية في رعايتهم، وتساهم الحكومة الفيدرالية تساهم في تلك التسهيلات.
  4. تكوين لجنة لإنهاء أزمة جالكعيو تتكون من الحكومة الفيدرالية والإدارات الإقليمية، وبعد أداء اللجنة مهامها سيتم إقامة مؤتمر سلام عام لإنهاء الخلافات بشكل نهائي.

الحلول المطروحة:

ليس هناك حلول سحرية لإنهاية أزمة غالكعيو التي تعتبر من المعضلات الرئيسية في البلاد، فالتركيبة القبلية في المدينة وعدم تنازل كل من الإدارتين أن تتّحدا في نظام واحد هما عصيَّان على اي حلول مطروحة، فالثقة منعدمة بين العشيرتين الرئيسيتين في المدينة منذ عقود من الزمان.

يقول الكاتب والمحلل السياسي سالم سعيد سالم: ” ظل الشطر الشمالي من المدينة مسيطرا على المرافق المهمة في المدينة منها المطار والطريق الرئيسي،  وكانت المدينة تشهد بين الحين والآخر بعض المناوشات على أساس ثأرات قبلية لكن سرعان ما كان وجهاء العشائر ورجال الأعمال ينزعون فتيل الأزمة ويحفظون على الوضع الهشّ القائم.

وكانت إدارة غلمدغ القديمة قبل مؤتمر عدادو متحالفة سياسيا مع بونتلاند حيثما كانا كل من الرئيسين عالم وفرولي في صف واحد ضد الرئيس السابق شريف شيخ أحمد إبان خارطة الطريق ، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يتعلق بالعلاقة بين الجانبين هي تأسيس إدارة غلمدغ الجديدة في عدادو”.

واضاف سالم: ” بونت لاند ترى غلمدغ إدارة غير شرعية ولا يمكن التعامل معها، وفي المقابل إدارة غلمدغ ترفض موقف بونت لاند منها وتراه استفزازيا، وهذا ما أجج الصراع الحالي لكونه مسيَّسا وغير قابل للمقاربات السابقة، أمَّا الحكومة الفدرالية فهي متَّهَمة من قِبل بونت لاند لكونها عَمِلت على دَعم غلمدغ مع عدم دستورية نظامها المشكل من إقليم ونصف، وتساندها على تحقيق مكاسب على حساب بونت لاند، واتهم وزير الإعلام في بونت لاند قوات فيدرالية في مشاركة حرب غالكعيو الأخيرة.

أما الحل فقد يمكن معالجتها – على حسب رأي سالم – بطريقة خاصة في الدستور القادم مثل جعلها مدينة ذات إدارة مستقلة يتناوب في حكمها الطرفان، ولها لوائح تنظيمية وإدارية خاصة، مثل مدينة ديريردوا في إثيوبيا مما يستبعد تجاذبات الأقاليم الفدرالية، وهذا قد يكون الحل الجذري، وأيُّ مقاربة أخرى ستكون مسكنة لا تعالج جذور المشكلة.

أما الكاتب الصحفي محمد عبد الله فيرى أن الحل يكمن  في التركيز على المصالحة والقبول على حتمية التعايش جنبا إلى جنب، فإن أيًّا من الطرفين لم يستطع خلال العقود من الصراع أن يحسم الأمور لصالحه ويجبر على الطرف الآخر الرحيل، ولابد من استيعاب الدروس من الصراعات التي شهدتها هذه المدينة، وكم خلَّفت ورائها من قتلى وجرحى ونازحين دون أن تتغير مواقع أطراف الصراع.

وعن كون الحل يكمن في أن تصبح المدينة لها وضع خاص وإدارة خاصة ولا تتبع أيّ جهة أخرى يقول الأستاذ محمد عبد الله: ” هذا هو الحل الأنسب، لكنه غير فعال في الوقت الحاضر، لأن الحكومة المركزية غير قادرة حاليا على تجاوز التحديات الأمنية في العاصمة، فكيف تستطيع تولي مشكلة غالكعيو؟!، لا أظن أن بمقدورها تحمُّل هذه المسئولية، لذا يكون هذا الحل سابقا لأوانه، والحل المرحلي للوصول إلى هذا الحل يكمن في ترسيم الحدود بين شطري المدينة، ونقل وَحدات من القوات الافريقية لحفظ السلام إلى مدينة غالكعيو وتمركزها في النقاط الحدودية بين شطري المدينة”.

وهناك من يرى أن نشر قوات أجنبية في مدينة غالكعيو  هو سيناريو لتعميق أزمة الصومال وشرعية وجود قوات أجنبية على أرضه لمدة طويلة، وبالتالي فقد حذر كثيرون – ومنهم أحمد فقهي أمين عام حزب دلجر – من أن هناك محاولات لنشر قوات من إحدى دول الجوار في مدينة غالكعيو، وهو عبارة عن تأزيم الوضع.

مستقبل الصراع في غالكعيو

لقد أبرزت الصراعات الأخيرة في غالكعيو ضرورة وحتمية حل الصراع في غالكعيو قبل تسوية أيّ ملف آخر، لأن النظام الفيدرالي الذي يتم تطبيقه في الصومال لابد وأن لا يكرر سيناريو  صراعات وحروب قبلية أخرى، وهذا ما صرح به رئيس إدارة جوبالاند حمد مدوبي بأن حل قضية غالكعيو أهم من المشاورات حول رؤية عام 2016م

والخلاصة أن الصراع الأخير في المدينة  كان لصالح غلمدغ التي ستحصل على اعتراف واقعي على الأقل من بونت لاند، وهذا ما كان يتهرب منه عبد الولي غاس، وبعد المواجهة أصبح غلمدغ في موقف أفضل لأنه على الأقل خصمها اضطر إلى جلوس معها في نهاية المطاف ووقَّع معها اتفاقية حسب رؤية الأستاذ سالم.

وهذا يتطلب في أن تفكّر بونت لاند في البدء بتسليح نفسها والبحث عن حلفاء محتملين للدفاع عن مصالحها في مدغ وشمال مدينة غالكعيو، كما أنها لن تسمح بتحييد المدينة وإلحاقها بالنظام الفيدرالي في مقديشو، لأسباب كثيرة أهمها أن العشيرة التي تسيطر على سياسات بونت لاند تقطن في غالكعيو وبها أهم مؤسساتها التجارية والاقتصادية.

وعلى أية حال فإن اللجنة التي تم تفويضها بمصالحة حقيقة في غالكعيو لديها تحديات كبيرة للتغلب على العقبات الكبيرة التي تنتظرها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى