ربيع إثيوبيا (أوروميا)

تظاهر أهالي منطقة أوروميا أكبر جماعة عرقية في إيثوبيا للدفاع عن أراضيهم حيث قضت مضاجعهم المشاريع  التوسعية لحكومة أديس أبابا ، وفي الأيام القليلة الماضية ازادت الاحتجاجات الحاشدة وأصبحت حملة القمع التي شنتها الحكومة أكبر عنفا، وأصبحت أيديها ملطخة بدماء الأبرياء من بني شعبها الذين تجرؤوا وعبروا  عن مشاكلهم بالطرق السلمية.

أن ترى مظاهرات مليونية في داخل إيثوبيا أمر عجيب إن لم يكن من المستحيلات بسبب السياسات الأمنية التي تنتهجها الحكومة الإثيوبية، ولذلك أثار كثير من المراقبين تساؤلات حول طبيعة هذه المظاهرات ومن يقف وراءها؟ ، فهل بدات بإرادة شعبية أم لها إمتداد خارجي أوإجتمعت كليهما؟ وبالتالي نحاول خلال هذه السطور الإجابة عن بعض تلك التساؤلات.

للإجابة عن هذه التساؤلات نستعرض بعض المواقف التي أدت إلى تلك الإ حتجاجات مع الإشارة إلى أدور بعض القوى الإقليمية والدولية في تلك الاحتجاجات وانعكاساتها على أوضاع القوميات الأخرى، بالاضافة إلى مستقبل القومية الأورومية في إثيوبيا.

أولا:  دور قومية التجراي

 كانت في السنوات الأخيرة تتقهر في الحكم بسبب خلافاتهم الداخلية والضغوطات الخارجية ، في حين ان القوميات الإيثوبية الأخرى تتقدم نحو الحكم ، ومنذ رحيل زعيم قومية التجراي مليس زيناوي لم ينام التجرايون طرفة عين وبدأو مناقشة الطرق الكفيلة لإستعادة الحكم، ولكن حيرتهم البوصلة ووقعوا في ورطة بسبب الضغوطات الخارجية وإنتباه القوميات الإثيوبية الأخري ، والدول الغربية ليست مستعدة لتمكين التجراويين مقاليد الحكم دورة أخرى،  ومارس التجراويون بكل الأساليب المتاحة لتحقيق أهدافهم، غير أنهم فشلوا، ولم يتمكنوا. وبالتالي لا يمكن الاستبعاد بأن المظاهرات الي هزت منطقة أوروميا وسيلة جديدة لتبرير إنقلاب عسكري يحدث في البلاد .

ثانيا:  دور الولايات المتحدة الأمريكية

كانت إثيوبيا حليفا للغرب وكانت همزة الوصل بين العالم الإقريقي والعالم الغربي، وقبل عدة سنوات اتجهت إثيوبيا نحو الشرق والصين الشعبية وسمحت لها كل الإستثمارات وأبرمت عددا من الإتفاقيات مع الشركات الصينية لتنقيب وإستخراج غاز أوغادين ما أثار عضب الولايات المتحدة التي عبرت في أكثر من مناسبةعن عدم رضائها عن هذه الخطوة ، ولكن حكومة أديس ابابا لم تعرها إهتماما لهذه التوبيخات. ولذلك نجد من خلال موقف واشنطن حيال المظاهرات في منطقة أوروميا أن العلاقات بين البلدين ليس على ما يرام، حيث أعربت الولايات المتحدة  على لسان المتحدثة بإسم وزارة الخاجية الأمريكيةعن أسفها لما يحدث في منطقة أوروميا مشددة على ضرروة  السماح للمتظاهرين السلميين الخروج إلي الشوارع والتعبير عن آراهم.

ثالثا: علاقة إثيوبيا مع جمهورية مصر العربية

نجحت إيثوبيا في  معظم الإجتماعات حول قضية سد النهضة فرض رؤتها على مصر والدول الأخرى ذات العلاقة بالموضوع وبالتالي تتحدث الحكومة الاثيوبية عن دور مصري في القضية، مستدلة تعاملها مع مظاهرات الجاليات الأورومية في القاهرة والسماح لهم بالتظاهر أمام مقرجامعة الدول العربية حسبما ذكرت صحيفة مصر اليوم.

وذكرت الدكتورة ناسي عمر منسق المشروع العام في تنمية افريقيا أن شعب اورومو الذي يمثل المعارضة الإيثوبية 60% قاموا باتنفاضة وقاموا بتقطيع جميع الطرق المؤدية  الى سد النهضة، واتهمت ايثوبيا مصر بتحريض المعارضين الاوروميين خصوصا بعد أن رفعوا علم مصر، وطالبت ناسي خلال مداخلة تلفزيونية الحكومة المصرية بأنه لابد أن تدعم الإحتجاجات ، مؤكدة أن أزمة سد النهضة ليست مسألة أمن قومي فقط وإنما مصير أمة، وأضافت أن إسقاط الحكومة الإيثوبية ستتم توقيع اتفاقية جديدة مع مصر لزيادة حصتها المائية أو تأمين  لحصتها الأولية.

رابعا: الدور السوداني

تعد السودان المتضرر الأول في سد النهضة اذا حدث  خلل فني أوضربات عسكرية لأن السد أقرب الى حدود السودان أربعين كليومترا وكذلك لم يتبين موقفها تجاه سد النهضة، وكذلك وقعت تفلتات أمنية في الشريط الحدودي بين البلدين حسبما ذكرت صحيفة ( الصيحة من أجل الوطن) 2015/11/20 وقطع المجلس التشريعي لولاية القضارف بدخول الجيش الإيثوبي وتمركز في ثلاثة مواقع بالولاية وكشف عن حالات إختطاف تقوم بها المليشيات الإيثوبية للموطنين السودانيين في المناطق الحدودية وطلبوا الفدية لإطلاق سراحهم، وكذلك استولت خلال هذا العام علي نطاق واسع من الأراضي وبلغت جملة الأراضي الزراعية المستولي عليها مليون فدان. وفي قت تعهد فيه البرلمان بالعمل مع وزارة الدفاع والخارجية والداخلية للإسراع في إعادة ترسيم الحدود بين البلدين وإستعادة الأراضي التي إستولت عليها المليشيات الإيثوبية في محليات باسندة والقرشة والفشقة والقلابات الشرقية.

وكشفت مصادر رسمية عن وجود حشود عسكرية إثيوبية في الشريط الحدودي بمنطقة جبل وحلاوة وجزء من حظيرة الدندا( المنطقة المحظورة)  بحدود ولاية سنار والقضارق وأشارت المصادر الي تخطيط عسكري وإستيطان وتوغل عبر الحدود ( صحيفة السودان اونلاين 2015/11/24.) .

واتهم سفير السودان لدي أديس أبابا عثمان النافع أن اثيوبيا بدأت بمحاولة  التوسع داخل الأراضي السودانية بسبب الكثافة السكانية بعد ما جاوز عدد سكانها مائة مليون وقال ان المليشيات التي تتعدى علي الأراضي السودانية تدعمها حكومة ولاية الأمهري المتاخمة لولاية القضارف مشيرا أن الحكومة الإتحادية تغض النظر عن ذلك.

والسودان ليست مستعدة الآن في مواجهة مباشرة ضد إيثوبيا أوتدخل مباشر في سياساتها الداخلية لأن السودان محصورة عن العالم والمنفد الوحيد لها هو اثيوبيا ولكن ربما لم تنسى مصالحها القومية وسيادة أراضيها وربما تدعم المسلمين المضطهدين بطريقة غير مباشرة مثل الاوروميين وتكوين علاقة شعبية بين الاوروميين والسودانين ، وهوأقرب بلد  الذي يستطيع ان يساند ألاوروميين معنويا لمواصلة إحتجاجهم ، مادام ايثوبيا تنتهك حرمات وسلامة السودان يوميا ولا يستطيع السودانيين رد فعل مباشر حاليا ولكن يستطيعون ان يردوا بطريقة غير مباشرة وبمساندة المتظاهرين الأوروميين .

خامسا: الجماعات الإسلامية المتشددة في إقليم أوروميا

كانت من عادة الحكومات الإيثوبية المتعاقبة أن تقمع كل من له نشاط إسلامي وكل من له ميول إسلامي وحاولت حكومة أديس أبابا في السنوات الأخيرة تغيير المذهب السني التي يتدينها  المسلمين الإيثوبيين الى المذهب الشيعي التي تمولها ايران ولبنان لخلق إحتكاكات بين المسلمين ، ولكن أخذ شعب أورومو موقف شجاع وبدأ احتجاجات متواصلة طيلة الأعوام الماضية ولكن لم يجدوا الإعلام المريئ والمقروء داخليا وخارجيا وقبضت حكومة ايثوبية بقبضة حديدة وصدرت أحكاما ما بين الإعدام والسجن المؤبد،وهرب كثير من الإسلاميين الي دول الجوار ومن الممكن ان يجدوا فرصة لمواصلة تظاهراتهم مستفيدين من  فضية توسع الأراضي ولكن موقفهم أبعد من ذلك وهو موقف المشروع الإسلامي.

سادسا : الدور الإرتيري

تعتبر  اريتريا أكبر عدو لايثوبيا علي خارطة القرن الافريقي وتتهم اثيوبيا ارتيريا بإيواء  كثير من المعارضين الإيثوبيين رغم اختلاف مبادئهم، ولكن اثيوبيا استطاعت ان تجعل ارتيريا منطقة معزولة عن العالم دبلوماسيا، وألغيت انضمامها لجميع المنظمات الإقليمية وكذلك تفاهمت ايثوبيا مع  أكبر جبهة معارضة مسلحة التي تدعمها ارتيريا ،وبعد ان  خسرت ارتيريا أكبر فصيل للمعارضة المسلحة الإيثوبية حولت برنامجها الى داخل ايثوبيا وإثارة الفتن والعراقيل الأمنية وتمويل المتظاهرين الأوروميين اعلامية واقتصاديا.

هل من الممكن ان تتظاهرالقوميات الأخري.

نظرا للممارسة السياسية الإيثوبية العائلية التي إستغلت ثروات البلد واقصت المواطنين الأخرين ، حيث لا يستطيع الشخص أن يتجرأ بطريفة سلمية ولاأن يدلي بصوته بطريفة حرة ، سببت هذه السياسة العنصرية احتكاكات داخلية للقوميات الإيثوبية .

قومية أمهراي التي كانت نجما ساطعا في السماء وتحكمت في  اثيوبيا عدة قرون هم الآن  مابين سجين وقتيل ومبعد ، لذا ليس من المستبعد أن يستفيدا من المظاهرات الحالية .

ومن ناحية  قومية تجراي بعد رحيل زيناوي وقع داخل حزب تجراي خلافات حادة التي تسببت  في عزل كوادر الحزب مثل سيو مسفن وزير الخارجية الايثوبي الأسبق وعبادوا السفير الإيثوبي لدي السودان وتولي زمام الحكم النشطاء السياسين الجدد ومع عدم خبرتهم السياسية وسوء تصرفاتهم تحول الحكم الي القوميات الإيثوبية الأخري وتحالف الأوروميون والأمهريون والشعوب الجنوبية حتي دخل التجراويون في حالة ركود سياسي وربما يستفيدون من الثورة الأورومية.

قومية بني شنقول يقع بني شنقوليون في موقع استراتيجي وهي الطريق المؤدي الي سند النهضة ، وقامت الحكومة بقصرالمواطنين وايجار أراضيهم الى الشركات الإستثمارية ولاذ المواطنون الي السودان وكان من السهل عليهم ان يقوموا بعراقيل للمشروع التنموي لسد النهضة.

الفرص والتحديات أمام الأوروميين

أولا: الفرص

1: قومية اورومو أكبر قومية في ايثوبيا وهي نصف عدد سكان البلد.

2: يسكنون وسط وعاصمة البلاد أديس ابابا

3: فإن الأوروميون يقلدون أعلي مرافق الدولة مثل رئيس الدولة ووزير الدفاع وعديد من الوزراء.

4: أكبر الدخل القومي يأتي من إقليم أوروميا.

5: الأرورميون ليسوا انفصاليين ويعتقدون ان ايثوبيا هي للأوروميين.

6: استمرارية الاحتجاج يأدي الى قطع السكة الحديدة الذي يعد أهم شرايين الحياة في إثيوبيا.

7: استمرارية الاحتجاج يأدي الى قطع الدعم الذي تدعمه الدول الغربية وانتهاك لحقوق الانسان.

ثانيا: التحديات

1 : الدول الغربية ليست مستعدة لإنهيار ايثوبيا وزعزة الأمن القومي الإيثوبي ولا ان يمارس المسلمون الحكم .

2: تعد اثيوبيا دولة محورية في افريقيا.

3 : ايثوبيا همزة الوصل بين افريقيا والعالم الغربي

4: ومن الناحية الإقليمية يقع في  ايثوبيا مقر الإتحاد الإفريقي ومنظمة إيقاد.

5: وتعد اثيوبيا أكبر دولة لمحاربة الإرهاب في القرن الأفريقي

6: الأمن القومي الإيثوبي متعلق بأمن البحر الأحمر المتوسط.

الي متي سيتمر الاحتجاج

لا يستطيع أن يستمر الإحتجاج لأسباب عدة منها :

. الإحتجاج يحتاج الي الدعم المالي، وتعتبر قومية اواورمومن  افقر الناس في افريقيا ولايجدون أكثرهم ما يسدون به رمقهم .

. عدم التغطية الإعلامية داخليا وخارجيا او مايشجع مواصلة احتجاجهم.

وفي الخلاصة: يعتبر تشتت مواقف القوى السياسية الأورومية ، وتباين آرائها حيال مصير القومية الأورومية في إثيوبيا، أكبر مشكلة تعرقل تحقيق طموحات الأوروميين، فبعضها تتوقف مطالبهم بالحصول على مزيد من  الحقوق السياسية من خلال اجراء اصلاحات داخلية، في حين  يسعى آخرون إلي وقف مشاريع قومية التجري التوسعية، وفي الحراك القومية الأورومية أيضا اسلاميون متشددون يتظاهرون من أجل منع التغلغل الشيعي في إيثوبيا، وانفصالييون يقاتلون من أجل  الاستقلال والإنفصال عن إثيوبيا .

زر الذهاب إلى الأعلى