خلاصة فكر ما (1)

بإذن الله المولى، يكون هذه المقال بمثابة سلسلة من مقالات ستجدونها حصرا وبالتوالي في المجلة الالكترونية الصادرة من مركز مقديشو للبحوث والدراسات بداية كل أسبوع، وهي تعبر عن محاولة متأخرة نستهدف من ورائها تشجيع القراءة الحرة، وتثقيف الرأي العام و ودفع ثقافة التأمل المستقل وقصر المسافات المكانية والزما نية للمهتمين بالعمل الثقافي على اختلاف مسمياته أينما كانوا، بالإضافة إلى تنمية القدرات التفكيرية وخلق منابر الحوار والنقاش المفتوح ودفع آليات التفاعل المتبادلة أو المتداولة للمتابعين على نشاطات المركز، بالإضافة إلى إيقاظ الهمم والوعي شبه المتجمد تقريبا في مجتمعنا المحلي، والتفاعل مع سعة الاهتمام السائد لدى الشخصية الصومالية حول محيطها الخارجي، وذلك من خلال تقديم عصارة مركزة عن فكر أو فكرة ما أراد مقدم ما عرضها إلى القارئ أو المستمع المهتم. وقد يمكن أن يكون ذالك المطبوع الذي سنكتب عنه كتابا أو تقريرا، أو مقالا، أورسالة علمية أو تسجيلا وغير ذلك من وسائل التواصل البشري المنتشر في عالمنا المعاصر سواء كان ذلك قديما أو حديثا، منشورا أو غير منشور، متعلق بنا أو غيرنا من المجتمعات والبلاد، ويكون المعيار المعتمد هو هل يحمل من الفكر بما يكمن النقل إليه للآخر أو الاستفادة أو الاستخلاص منه ؟

وغالبا ما يحاول أي كاتب عن موضوع ما تأصيل فكر معين، أواثبات فرضية ما واثبات عكسها، أو تقديم حلول وإجابات ما عن قضايا ملحة، أو تبرير وضع معين ساد أو يسود، أو تسويق رؤية ما وتوضيح أمر يبدو لنفسه وربما لغيره مبهما، ومن ثم احتاج التفصيل والتوضيح والتفسير، وذلك علما بان صور الكتابة تتعدد بتعدد صورة الإنسان الكاتب نفسه، كما تتنوع بتنوع مدراسها ومرجعياتها الفكرية المنطلقة منها، مما يعني أنها يمكن أن تكون    في بعض الأحيان حوارا مع الذات وتعبيرا عن النفس أو حوارا مع الآخر والتحدث إليه أو معه، و في بعض الأحيان الأخرى محسومة من قبل الكاتب أو متروكة الحسم من قبل القارئ بعد الإطلاع الكامل عليها من حيث المغزى وهي كلها قضايا ذات صلة بالهدف الأصلي للكتابة عن ذالك الموضوع والظرف الزمني السائد عند الكاتب، لان الكتابة في المدارس الفكرية غيرها عن الأدبية، والعلمية غيرها عن البشرية بالطبع، كما أن الكتابة في بيئات الطغيان وفقدان استقلالية ولاية القضاء غيرها التي تتعزز فيها قيم الحريات وتقدس فيها المساواة وتقل فيها المجازفات المتكررة بلا توقف

والفكرة الأصلية في كتابة هذه المقالات ليست إضافة ما انتهي به صاحب الفكرة ولا تقديم زائد عن محتواها        ولا حتى تقييم ما تمت كتابته بقدر ماهي نقل تلك الفكرة من مصدرها الأصلي إلى زبائن موقع المجلة بطريقة مجملة ومختصرة تحفز العودة إلى المصدر الأصلي للتمعن أن أريد، وتوفر له الوقت الذي تتطلب إليه القراءة الكاملة للمطبوع، وتضعه في موقف المساءلة عن الفجوة القائمة بينه وبين الذي قرأ وتترك له أثرا محددا يكرس فهما معينا، مع التفر يق الدائم بين المحتوى والفهم، ومراعاة الحد بين الذات والموضوع تفاديا للالتباس الوارد والمحتمل بين الذي قاله الكاتب وما نحاول الاستنتاج والاستخلاص من خلال ما قيل، أو بمعنى أدق العمل على تجسير السابق باللاحق والماضي بالحاضر وبحث العلاقة بين ما تم قوله سابقا، وما يمكن القول به حاليا، وبين الأفكار والجغرافيا وأخير النظر بمدى ما يمكن استلهام تلك الفكرة المعروضة بغرض الاسترشاد، والاستنارة على المستوى العام     ودفع الأوضاع نحو اتجاه محدد يساعد الانتقال إلى الأفضل وتحقيق التغيير المتأخر، ان لم يكن الغائب والبعيد      عن الأفق المنظور

ولتبسيط أكثر للمعنى ربما يمكن القول بان ما سنقدمه يمثل وجها آخر للتي يكتبها الدكتور محمد حسين معلم –مشكورا- باستمرار والمركزة على إبراز دور علمائنا الأبرار في مسارات الحياة وإشادة فضلهم في خدمة الدين    وذكر مناطق توزيعهم الجغرافي بالإضافة إلى إنجازاتهم العلمية ومصدر معارفهم الدينية والتوقف عند الوسائل    التي كانوا يعتمدونها لنشر الإسلام والدفاع عن منجزاته الحضارية ومساهماتهم الفاعلة في المسيرات الكفاحية للتحرر والاستقلال من الاستعمار الأجنبي، ولكن الفرق بينها وبين ماسيقدم هو فرق في الطبيعة والتركيب وليس    في المغزى والمعنى، حيث آن مقالاته الدكتور ذات طابع تراثي وتعليمي وسردي وهي أقرب من التراجم منها     إلى المقالات المعروفة الطابع على ما فهمت، بينما التي سيتم تقديمها تكون فكرية وثقافية فقط بالدرجة الأساسية وليس غيرها، وتطرح بعض الأفكار المسنودة إلى أصحابها وسيتم تقديمها بالانتقاء النوعي من مختلف الفنون والعلوم المختلفة وليس بالانتظام المتوالي السردي ونترك للمتابعين على صفحة الموقع النقاش حولها والحسم     على إمكانية اعتبارها صحيحا او غير صحيحا، واقعيا او مثاليا وعلى مدى الاستخلاص منها بما يساعد الفهم     على موقفنا المرحلي وواقعنا المربك حقا والتجاور من الأوضاع الحالية.

وتعتبر كتابة المقال المسلسل نتيجة قناعتي المتراكمة منذ الفترة بان احد الأسباب المؤدية إلى إطالة أمد ألازمة، وصعوبة التجاوز من الوضع الاستاتيكي غير الناهض منذ أكثر من عقدين من الزمان رغم الفرق في الدرجات     هو غياب الفكر الحر وأوعيته ونقص الوعي الفكري وفقدان الرؤية المستقلة ووسائلها والواقعية الرشيدة المنطلقة بالأ ساس الموضوعي والمستندة بالحقائق المجردة عن التحيز، وتستهدف المساهمة في معالجة الموقف وتقريب الفجوات المجتمعية وتضميد الجرحى من الأول بدلا من وصف الموقف وتبريره، وتضع التراث والتاريخ     موضع المراجعة والمساءلة والتاكد وتجيب بعض التساؤلات الملحة التي تطرح نفسها مع سرعة الزمن وتدافع الأحداث والبطء في التجاوب على دواعيه، وان ذلك الفكر الحر والرؤية المستقلة والواقعية الرشيدة الضرورية للتحول الاجتماعي قبل السياسي يجب أن يسبقه وجود مصادر معرفية واعية ومستنيرة تسد عجز توافر الحقيقة، وتثبت تعدد خيارات التعامل مع المواقف والأزمات الصعبة، وتحصن المناعة الفكرية للرأي العام، وترسم معالم التغيير وذلك عن طريق طرح رصد سنن التطور وتجارب الأمم تأخرا وتقدما والآليات التي اعتمدت               تلك المجتمعات عند حدوث واقع مماثل على المستوى الفردي والقيادي، وسرد قوانين التغيير وشروط التحول السياسي والنهوض المجتمعي

والمؤثرات أوالموانع التي أخرت إلى حدما وجود مثل تلك المصادر المعرفية العديدة الروافد في البلاد والمنتجة بالفكر الحر والرؤية المستقلة تلقائيا هو أمرين أساسيين:-

ان المصادر المعرفية التقليدية منها وغير التقليدية والتي من ضمنها المراكز البحثية والدراسية وقنوات الحوار ومنابر النقاش والمجلات الالكترونية جديد في عالمنا الجنوبي بشكل عام، ناهيك عن الصومال    التي تعتبر مرافقها المعرفية حديثة العهد من الأصل ولم يمضي منها سوى أقل من خمسة عقود من تأسيسها، واستمرت في تراجع مستواها بعد الحين نتيجة فقدان الاستقرار والحروب والنزوح بما كاد يتساوى مع سنوات استقلالها، وتوطنت فيها لاحقا الايدولوجيا غير البنائية وسادت فيها النزاعات السياسية والعداوات الاجتماعية، وعاشت منعزلة عن عالمها الخارجي، مما يعني بقاء وضع معين جعل من الصعب العمل على مجانية مجراه والتفلت من أسره والتحرر من رواسبه

سيادة أجواء الرعب والخوف وانتشار ثقافة العنف والقتل وسط المجتمع طيلة العقود الثلاثة المتتالية الماضية،      وهو ما يتناقض صمود مصادر المعرفة في ظل تلك الأجواء الشاردة ويتعارض مسبقا وجود الفكر الحر والهدوء اللازم لأداء رسالتها العملية، وتساهم إلى حدما قتل الإبداع وخفض الإنتاج الفكري وتقلل احتمال نمو بعض القيم الضرورية التوافر في عمل المراكز البحثية مثل النزاهة والحيدة والشجاعة، وتحشر الجميع إلى زاوية التفكير بالأمان والاهتمام بالسلامة الشخصية فقط وليس غيرها، مما يعنى وجود العلاقة الارتباطية بين الحرية والفكر الحر، وان مراكز بحثية ودراسية مثل مقيشوا والثرات ( (HIPS يمثل مؤشر العودة الطبيعية إلى الحياة في المدينة، وإمكانية ممارسة الحقوق الفردية بطريقة أخرى وبالتالي ينبغي العمل الحفاظ على وجوده و المساهمة على اتساع دوره ونمو قدراته الذاتية

وأطن إننا قد أوضحنا لكم قدر ما يكفي ماسو ف تنتظرونه منا قريبا وتحديدا في الأسبوع الذي بعده، وسيحدد المقال القادم لما سيكون بعده وسيكشف نوعية وهوية المقال وبنائه الموضوعي وحجمه الطبيعي، مع الرجاء     من الجميع بدون استثناء إرسال تعليقاتهم ومقترحاتهم الهادفة إلى التصحيح والتحسين والتطوير بناء ومضمونا وتنمية مستواه، واعدين قبوله بالترحاب وبسعة الصدر، كما نطلب منهم عدم التعجل بإصدار الحكم في المقالات الأولى، كما لا استغرب احتمال وجود المتشككين في نجاح مهمة المقال وأداء رسالته لدرجة اعتبار البعض    عن الاجتهاد وحصيلته نوعا من السخف والسخرية،  لان الفكرة إذا لم تكن سخيفة فليس هناك أمل فيها، وبصيغة أخرى غالبا مالا تكون ناجحة، كما اكّده العالم الفيزيائي العظيم البرت آنشتان

   اذن انتظرونا في الأسبوع المقبل، عسى ان يكون الكتاب الذي سأقدمه إليكم هو ما سينال رضاكم وإعجابكم الشخصي، ويحمل اليكم بما يمكن الاستخلاص منه عن فكرما، و أن يكون فاتحة خير تحمد عقباه

وشكرا

    

  

  

    

   

سيد عمر معلم عبد الله

متابع في الشؤون الفكرية المعاصرة
زر الذهاب إلى الأعلى