تحليل: ضعف التمثيل الدبلوماسي العربي في الساحة الصومالية(الأسباب والنتائج)

تنعمت الصومال بعقود من الاستقرار والتقدم بعد استقلالها 1960م ، ولمع نجمها في سماء الدول العربية والإفريقية على حد سواء ، إلا أن ذلك الأمر انقلب بعد انهيار الحكومة المركزية في الصومال 1991م راسا على عقب ، ودخلت البلاد في أزمة وحروب طاحنة أكلت الأخضر واليابس استمرت عقدين من الزمان، فأصبحت الصومال بحاجة إلى إخوانها العرب في تجاوز محنتها ، وفي بداية النكبة قامت الدول العربية بمحاولات لجلب الفرقاء الصوماليين إلى طاولة المفاوضات ، وبالذات جمهورية مصر العربية التي رعت مؤتمرات للمصالحة الصومالية في القاهرة ،وكان في هذه الحقبة وما بعدها تواجد لبعض البعثات الدبلوماسية العربية في مقديشو العاصمة مثل السودان واليمن ومصر وليبيا ، إلا أن مشكلة غياب أو ضعف التواجد العربي في الصومال برزت بعد تحسن الحالة الأمنية للصومال بعد عام 2013 ، حيث بدأت دول العالم تسارع في إرسال بعثاتها الدبلوماسية إلى الصومال، فما من شهر يمر إلا وتسمع أن سفير دولة فلانية قدم أوراقه إلى الرئيس، وهذا يدلّ إلى عودة الصومال إلى حظيرة المجتمع الدولي واستعادة مكانتها ودورها الفاعل إقليميا ودوليا .

فمعظم الدول الأوربية أرسلت بعثاتها إلى الصومال، بل لها تواجد رسمي في العاصمة مقديشو في حين لم تعين بعض الدول العربية بعثاتها لدى الصومال . وحتى الدول التي عينت سفراءها لا تتواجد  بعثاتها في الصومال، بل تدير شئونها من دول الجوار باستثناء دول لها دور شريف ولها وجود قوي في الساحة الصومالية مثل الامارات العربية المتحدة ، ويتسائل الصوماليون عن أسباب غياب الدور العربي الشبه الكامل في الشأن الصومالي، وخاصة في هذا الظرف الحرج الذي تكون فيه الصومال بحاجة إلى أشقائها العرب في دعم برامج التنمية وإعادة الإعمار والاستقرار، ومساعدتها في بناء المؤسسات الحكومية حتى لا تعود الصومال إلى الوراء.

الأسباب المحتملة :

ويرجع بعض المحللين هذا الغياب لمعظم الدول العربية عن الساحة الصومالية إلى الأسباب التالية –

  • الإرادة القوية من الدول العظمى في إبقاء الصومال ضعيفة يسهل التحكم بها ، والضغط على الدول العربية بالابتعاد بل التغاضي عن القضية الصومالية برمتها، وبالمقابل إطلاق العنان لدول الجوار( إثيوبيا وكينيا) التي لا تريد عودة الصومال قوية وفاعلة .
  • تزاحم الأزمات والمشاكل في الساحة العربية مما يفرض على الدول العربية التعامل مع الأزمات حسب المنظور الجغرافي.
  • قنوط ويأس بعض الدول العربية من إيجاد حلول للقضية الصومالية مما دفعها إلى تناسي وإلغاء مسئولياتها تجاه الصومال.
  • الخوف على سلامة أمن وسلامة الطاقم الدبلوماسي لبعض الدول العربية في حين لا يشاطرهم ذلك الخوف ( إن وجد) أعضاء البعثات الأوربية والإفريقية ،ويكفينا مثلا السفيرة البريطانية لدى الصومال شاركت قبل أسبوعين مع مئات من السكان في برنامج من برامج التوعية بالعاصمة في مقر ناحية وابري بمقديشو، وسلمت للسفيرة هدايا تعبر عن التراث الصومالي! .

وأيا كانت الأسباب تلك أو غيرها، فإن ضعف التواجد العربي في الصومال وخصوصا الدول الخليجية سيكون له نتائج وخيمة على الصعيدين المحلي والعربي، وبدأت تداعيات هذا الدور الضعيف تتبلور في الساحة الصومالية.

النتائج:

التواجد الأوربي الملفت للنظر ، فمعظم الدول الأوربية لها بعثات دبلوماسية متواجدة في العاصمة ، ولها نشاط وتأثير فعال في مجريات الأحداث، بل وصل الأمر إلى مشاركة سفرائها في كل صغيرة وكبيرة مما يجري في داخل البلد ، والقيام بجولات شبه يومية إلى الأقاليم الفدرالية بدعوى تأييد ودعم الؤسسات الديمقراطية في تلك المناطق ، ومن اكثر الدول الأوربية فعالية بريطانيا والنرويج وإيطاليا.

تعاظم الدور الإفريقي : فقد بدا هذا الدور في القضية الصومالية يزداد بحكم تدخل قوات افريقية  اكثر من 25000 ألف جندي ، وبصفة خاصة أصبح دور الدول التي أرسلت قواتها إلى الصومال – ممن لم يكن يهتم بالصومال- يتعاظم يوما بعد يوم مثل أوغندا وبرندي.

النفوذ المتزايد لدول الجوار ( إثيوبيا وكينيا ) وتحكمها المطلق في توجيه القضية الصومالية ، علما بأن هذه الدول لها تاريخ صراعات مريرة وحروب دامية مع الصومال،إضافة إلى التباين في الدين والعرق والثقافة. فطبيعي أن تحرص هذه الدول على أن تبقى الصومال دائما ضعيفة وخارجة عن حلبة المنافسة ، وهذا النفوذ (الإثيوبي الكيني)  يصبح الآن المهيمن على المشهد السياسي الصومالي، فباحتفاظ الدولتين بآلاف من جنودها(مجهولة العدد !) ضمن قوة الاتحاد الأفريقي، يمنحها الميزة بأن تأخذ زمام المبادرة في القضية الصومالية ، وتملي بل توجه العملية السياسية إلى الجهة التي تريدها، وهذا ما ينذر بمزيد من الشقاء والتازم للشان الصومالي ( فكيف إذا رعاتها ذئاب !!)

قبول الصومال للأمر الواقع (كما تبدو بوادره الآن) للتدخلات السافرة لدول الجوار (إثيوبيا وكينيا ) ومن ورائهم القوى العظمى ، والمضي قدما في المخطط الذي يلوح في الأفق من تفتيت البلاد إلى كانتونات تحمل أسماء دول فيدرالية تتصارع على الحدود فيما بينها، وما يفرقها أكثر مما يجمعها.

الختام :

لا يمكن أن ننسى الدور العظيم لدولة الإمارات العربية وتواجدها الكبير في الساحة الصومالية ومساهماتها في برامج التنمية وإعادة الإعمار في المرحلة الراهنة  ،وكذلك  السودان بجهودها الجبارة في بناء العقول وتنمية القدرات للشباب الصومالي ، لكننا  ننبه إلى خطورة  غياب الدور العربي الفاعل في الشان الصومالي الذي يقبل  على مرحلة مفصلية مهمة تحدد مستقبل الصومال إما العودة إلى الحروب والفوضي وتمزق البلاد أو إكمال مسيرة التقدم والاستقرار وسيادة  مؤسسات الدولة القوية.

وندعو إلى ضرورة انتزاع القضية الصومالية من براثن دول الجوار، وأخذ الدول العربية زمام المبادرة في العملية السياسية( التي هي أساس المعاناة) وإعمار وبناء مؤسسات الدولة ، وعدم بقاء العرب متفرجين على ما يجري في الصومال، وضيوف شرف على غيرهم ممن لا يعمل لمصلحة الصومال واستقرارها .

 

زر الذهاب إلى الأعلى