انتشار البطالة في أوساط الشباب الكينية :أسباب وآثار  وحلول

البطالة قضية عالمية شملت الدول النامية والمتقدمة خلال السنوات العشر الماضية.وهي تُضعف الروابط الأسرية وتفكّك البيوت وتهدمها، كما تخدش مشاعر الولاء للوطن والارتباط بالمجتمع، وتعويض ذلك بالجماعات الإجرامية(1) وتُسبب الانتحار وأسبابه السالبة.

تُعتبر كينيا من الدّول الغنية في شرق إفريقيا لولا الفساد السياسي والمحسوبية، ومن أكثر دول المنطقة فساداً في جميع مرافق الدولة(2)، قرأتُ كتابا قبل ثلاث وعشرين سنة  عنوانه الفساد السياسي في إفريقيا تجربة:”كينيا؛ وتنزانيا؛ ونيجيريا؛ وزائير” يحتوي الكتاب على أكثر من ثلاثمائة وألف صفحة، أصله رسالة الدكتوراه في جامعة القاهرة عام 1983م وفي ملاحقه وثائق مهمة جدا لموضوع مقالتننا .

لولا ذلك الفساد لما احتاجت كينيا إلى مساعدة خارجية، حيث تمتلك قوام الاقتصاد العالمي، كخيرات باطن الأرض والزراعة بجميع أنواعها وأهمُها الشاي والبن والذرة، كما تملك ثروة حيوانية ضخمة في أنواعها الثلاثة، والسياحة التي تدرّ لها المليارات من الشلن الكيني سنويا.والميناء البحري في منطقة الساحل وهو منفذ للعدد من الدول كأوغندا وبوروندي ورواندا وجنوب السودان وكونغو،كما أن التجارة فيها متقدمة جدا مقارنة بالدول المجاورة لها.

واكتُشف قبل ثلاث سنوات بئرا نفطية وأخرى مائية- والماء أكثر أهمية في هذه المنطقة- في ولاية تركانا(3) المجاورة لكل من جنوب السودان وأثيوبيا وأوغندا، ولا يعرف أتكون نعمة أم نقمة على البلاد، والمنطقة المعنية تُعتبر من أفقر المناطق الكينية على الإطلاق وأضعفها من البنية التحتية.

أسباب انتشار البطالة:هناك أسباب كثيرة نجملها مما يأتى:

أولا:سوء توزيع الثروة والسلطة،وهي أكثر الأسباب التي تُسبب الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية في الدول النامية.

ثانيا:الفساد الإداري والمالي الذي تعاني منه كينيا مدة طويلة عبر تاريخها السياسي، وأن ثروة البلاد تدخل في جيوب أفراد قلائل من الشعب وأن 50% يعيش أقل من دولار واحد في اليوم.

ثالثا:الأميّة التي تنتشر في أوساط كثير من الشباب خاصة منطقة تركانا والساحل وشمال شرق، وشرق البلاد، رغم أن كانت الحكومة بذلت جهودا جبارة في هذا المضمار وكذلك المنظمات الدولية التي انشأت من جانبها أو ساهمت مدراس متنقلة في بعض المناطق، وهي فكرة بدائية لم تنجح كثيرا.

رابعا:زيادة عدد السكان في عام 2010 قُدر عدد السكان الاجمالي ب اثنين وأربعين مليونا، وبعد أربع  سنوات يقدر ب  بخمس وأربعين مليونا  زيادة بنسبتها 7% ما يعادل سنويا 1،75 تقريبا.

خامسا:سوء التخطيط للإستراتيجية القومية، وعدم الاستفادة من الأخطاء السابقة والتفادي من الكوارث الطبيعية خاصة الشريحة التي تعتمد على الرعي والأمطار الموسمية.

سادسا:النزوح وعدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في بعض الدول المجاورة كالصومال وجنوب السودان، حيث يوجد في كينيا أكثر مخيمات اللاجئين في إفريقيا ويُقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين (3000،000).

سابعا:عدم الاستفادة من الاحتياط المالي في خزينة الدولة، ومن البنوك التابعة لها والخاصة، والأموال الكثيرة المودعة في البنوك لرجال الأعمال والشركات الضخمة.

آثار البطالة :البطالة تُساهم في ارتفاع نسبة متعاطي المُخدرات فهم يتعاطون متذرعين بحجة سِلْوان النفس وتسليتها وملء الفراغ .

فالبطالة لم تزد بروح الإيمان والصبر يظل مهموما دائما، ويتخذ الإجرام حلا لتنفيس همومه، وذلك نتيجة شعوره بالتهميش والإهمال من قبل الحكومة، أو يتخذ  الإجرام سبيلا للانتقام فظاهرة الإجرام مُنتشرة في ربوع البلاد.وأشد من ذلك مشكلة السرقة المبرمجة في أوساط الشباب، والسرقة ظاهرة من ظواهر الإجرام وهما صفتان متلازمتان حيث لا أمن ولا استقرار بوجودهما. 

حلول ومقترحات:

أولا:إعادة النظر في توزيع الثروة والسلطة على الأقاليم وبتخطيط قومي سليم، يفوض إليه أيادي وطنية أمينة ونزيهة

ثانيا:الاهتمام للتنمية بجانب الزراعة وتنمية الثروة الحيوانية والسمكية أكثر فأكثر.

ثالثا:انشاء صناديق اجتماعية والتي بدورها تُقدم قروض حسنة للشاب والمحتاجين.

رابعا:تغطية نفقة التعليم العالي في الأسر المتعففة المحدودة الدخل خاصة في الولايات المتخلفة التي أشرنا إليها، وقد أفاد برنامج(CDF ميزانية تنمية المحافظات) لتنمية الولايات الذي أسسه الرئيس السابق كيباكي كانت تجربة رائدة وناجحة بكل المقاييس لولا الفساد الإداري.

خامسا:محاربة الفساد والمحسوبية الذي شلل اقتصاد البلاد والتنمية القومية عبر التاريخ وفقا لتقارير منظمة الشفافية الدولية.

سادسا:تشجيع الشباب على خلق فرص عمل تعتمد على الذات بدل الجري وراء وظائف حكومية.

سابعا:إعادة النظر في رواتب المسؤولين الكبار، الذين يتقاضون رواتب خيالية مثلا عضو برلماني يتقاضى ما لا يقل عن عشرة آلاف دولار شهريا بينما يتقاضى البروفسير الجامعي أقل من ثلاثة آلاف دولار .

ثامنا:إنشاء صندوق قومي يُعنى بالشباب وتنميتهم في جميع المجالات، هناك برنامج أُسس في الثمانينيات يُطلق عليه YS تنمية الشباب غير أنه لم يُفدْ كثيرا وما زال قائما .

وختاما فإن الصندوق النقد الدولي حذّر من أن البطالة المُستمرة منذ فترة طويلة خاصة بين الشباب، تُشكل خطر كبيرا في المستقبل لانتعاش الاقتصاد العالمي، وأوضح دومينيك ستراواس المدير الإداري لصندوق النقد الدّولي أن الأزمة المالية المُتصاعدة لن تنتهي ما لم تنخفض نسبة البطالة بشكل ملحوظ.

وستظل البطالة في كينيا أزمة اجتماعية قومية إذا لم تحل جذريا وإلاّ ستتفاقم الأوضاع الاقتصادية، وما أسباب الثورات العربية إلاّ بسبب البطالة والفقر والحاجة إلى الحياة الكريمة.

الهوامش:

  1. كثير من الشباب ينخرطون إلى الجماعات المتطرفة لأجل لقمة العيش، حيث تجد من يحمل شهادات عليا وهو عاطل عن العمل
  2.    وقد سبق ان اوقف وزيرة الشباب التي اختلست أكثر من مليار شلن ، بعد ضغوط متزايدة من بعض اعضاء البرلمان.
  3.    قبيلة رعوية وثنية تسكن تلك مع منطقة اسيوا جزء من أنفدي وهي تشبه إلى حد فبيلة مساى وهي تعتمد على البقر والغنم.85% أميون 

د. يونس عبدلى موسى

الدكتور. يونس عبدلى موسى يحيى: باحث في شؤون شرق إفريقيا وأستاذ الفقه وأصوله بجامعة عبد الرحمن السميط التذكارية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،وهو من مواليد مدينة منديرا Mandera(NFD) شمال شرق كينيا عام 1/8/1968م دكتوراه فقه المقارن جامعة أم درمان الإسلامية عام 2003م ممتاز مع مرتبة الشرف، ماجستير الجامعة الإسلامية في أوغندا الفقه المقار عام 2000م ممتاز مع مرتبة الشرف ،البكالوريوس الشريعة والقانون شعبة القانون جامعة إفريقا العالمية عام 1994م(الدفعة الثالثة) والباحث في شؤون شرق إفريقيا. وعضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو اللجنة التأسيسية باتحاد علماء إفريقيا
زر الذهاب إلى الأعلى