انتخابات عام ٢٠١٦ واستراتيجية القوى السياسية

كاد المؤتمر التشاور الوطني الذي أختتم أعماله أمس الأربعاء في مقديشو أن يتعثر بعد أن أشتد الخلاف حول الصيغة البديلة لانتخابات عام 2016، هل تكون بصيغة 4,5 أم بالمحاصصة المناطقية؟.

جاء الإنفراج في الساعات الأخيرة من المؤتمر، وتم الاتفاق على صيغة مختلطة معقدة لم تتبلور تفاصيلها بعد، تجمع بين صيغتي المحاصصة القبلية ونظام المحاصصة الإدارية والمناطقية كحل وسط يرضي القوى السياسية المشاركة في المنتدى.

بذل رئيس الجمهورية حسن شيخ محمود ورؤساء بعض الإدارات الأقليمية جهدا  كبيرا في أن يتبنى المنتدى، صيغة 4,5 التي على أساسها أنتخب البرلمان الحالي، في حين كانت أطراف سياسية أخرى  تضغط من أجل الاتفاق على صيغة المحاصصة الإدارية والمناطقية، باعتبار أنها طريقة جديدة لم يتم تجربتها وتكون بديلا عن الصيغة القديمة.

تجادل تلك الأطراف أن الحكومة فشلت في تحقيق واحد من أبرز المهام الملقاة على عاتقها والمتمثل في إعداد مناخ سياسي يمكن من خلاله إجراء إنتخابات  عامة مباشرة  يختار الشعب ممثليه في البرلمان عبر تصويت شعبي وبالتالي لا يحق لها أن تجبر الشعب على تبني صيغة ثبت فشلها في جميع الأصعدة وأن البحث عن صيغة بديلة ضرورة وطنية.

ويضم فريق الرافض للصيغة الانتخابية 4,5 رؤساء إدارتي بونت لاند وجوبالاند، وزعماء سياسين، وشيوخ ينحدرون من عشائر هوية.

أما الفريق الآخر الذي يصر على الصيغة القديمة 4,5 يضم الرئيس حسن شيخ محمود،  ورؤساء إدارتي  جلمدغ وجنوب غرب الصومال بالاضافة الي عشائر صغيرة أخرى.

يبرر هذا الفريق تمسكه بهذا الصيغة باعتبارها الأسهل والأقل تكلفة ، ولأنها رغم ما لديها من عوار ونقاط ضعف، الأ أنها تمثل الآلية الوحيدة التي تضمن جزاء من حقوق العشائر المهمشة والمظلومة. إضافة الي ذلك لا تحتاج هذه الصيغة الي جهود كبيرة، ويمكن انجازها خلال الفترة المتبقية من الانتخابات المزمع اجراؤها في البلاد نهاية شهر أغسطس المقبل.

وبين هذا وذاك فريق ثالث من الأحزاب السياسية وقطاع عريض من الشعب لا يقتنع بهذين المقترحين ويقدم مقترحات أخرى بديلة  تجمع بين الاثنين وتمثل حلولا وسطا، لكن أصوات تلك الأطراف لا تصل الي مراكز صنع القرار، فالأحزاب السياسية أصدرت قبل أيام مقترحا شاملا عن النظام الانتخابي لعام ٢٠١٦ لكن فيما يبدوا لم يجد آذانا صاغية لدى صناع القرار، لأن مصير الصومال بات في يد الحكومة المركزية والإدارات الإقليمية- بحسب أعضاء من المعارضة- وأن تلك الأطراف بعد مشاورات نظمتها في عدد من المناطق الصومالية  توصلت الي أن تكون الانتخابات على أساس  أحدى الصيغتين 4,5 أو  الانتخاب بالمحاصصة المناطقية وبالتالي من الصعب التوافق على طريقة ثالثة  مغايرة ما لم تكن هناك ضغوطا من الخارج تقلب الأمور رأسا على عقب.

لماذا الاصرار على هاتين الصيغتين؟

يتمسك الفريقان هاتين الصيغتين من أجل تعزيز حظوظهما في الانتخابات المقبلة والحصول على أغلبية مقاعد البرلمان المقبلة ولإفشال كل طرف خطط الطرف الآخر. ويبدو أن عبد الولي غاس رئيس إدارة بونت لاند ومؤيدويه لا يشعرون بالارتياح حيال التطورات السياسية التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة ، بما فيها المساعي المتعلقة بتنظيم الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية وتقاسم السلطة والثروة، وبان له أن الوضع إذا ستمر على ما هو عليه  الآن فلا مكان له ولتحالفه في المستقبل السياسي في الصومال  على الأقل خلال السنوات المقبلة ؛ لأن الشواهد على الأرض مثل نتائج المشاورات حول آلية انتخابات عام 2016، التي أجريت في عدد من الاقاليم، وموقع إدارتي جنوب غرب الصومال وجلمدغ في الخريطة السياسية  مؤشر واضح  على أن البساط سحب من تحت أقدامهم، وأن هامش الحركة   في عام 2016 غير  رحب و باتت الفرص أمامهم محدودة ، ولم يبق لديهم سوى القبول على  الأمر الواقع وتقديم التهنئة لتحالف الرئيس حسن شيخ محمود.

فالمواجهات العسكرية  التي دارت بين  قوات بونت لاند وجلمدغ في مدينة جالكغيو مطلع الشهر الجاري، والتي أسفرت عن سقوط عشرات  من القتلى والجرحى ونزوح عشرات آخرين من المواطنين، لم تكن سوى نتاج هذا التفكير ، والتطورات التي شهدتها المنطقة في الشهور الماضية، وانعكاسات سلسلة قرارات سياسية، وعسكرية، وإقتصادية، اتخذتها الحكومة الفدرالية لإستفزاز إدارة بونت لاند الأمر الذي دفع الأخيرة إلي البحث عن الرد والردع لإعادة إعتبارها وتعزيز حضورها في الساحة السياسية.

ومن أبرز هذه القرارت المستفزة التي اتحذتها الحكومة :

  1. تعين قائد القوات المسلحة محمد آدم احمد  المنحدر من بونت لاند لكن من فريق معارض لإدارة الرئيس عبد الولي غاس
  2. وقف أعمال شركات لتنقيب البترول التي كانت تعمل في مناطق ببونت لا ند
  3. انشاء مطار في جنوب جالكغيو بديل عن المطار الذي تديره بونت لاند في شمال المدينة، أحد أهم مصادر الدخل للإدارة
  4. حشد التأييد للتصويت على مقترح 4,5 الذي تقدمت به إدارة جنوب غرب الصومال ورئيسها شريف حسن .. كل هذه الخطوات وغيرها عجلت اندلاع الحرب في جالكغيو ويبدو أن الهدف من وراء ذلك لا ستخدامها كورقة  سياسية في المؤتمر التشاوري الذي اختتم أمس في مقديشو.

وبناء على ذلك تتمسك بونت لاند وجوبالاند بمقترح توزيع مقاعد البرلمان المقبل على أساس مناطقي للاسباب التالية:

  1. إن عشيرة طارود التي ينحدر منها رئيسا جوبالاند وبونت لاند تقطن في عدد كبير من المناطق  الصومالية وبالتالي إذا تم انتخاب البرلمان على أساس مناطقي فإن ذلك يعني أن بونت لاند تحصل على مقاعد كثيرة في البرلمان المقبل تسمح لها أن تتحكم على من يكون الرئيس المقبل.
  2. تقليل حظوظ عشيرة رحنوين التي ينحدر منها شريف حسن رئيس إدارة جنوب غرب الصومال للفوز بمقاعد كثيرة في البرلمان المقبل؛ لأنه إذا تم اختيار أعضاء البرلمان بصيغة 4,5 بالتأكيد تحصل العشيرة على 60 مقعدا أو أكثر ما يضمن لشريف حسن دورا هاما في تحديد من سيكون الرئيس المقبل أو سيكون رئيس الوزراء. أما إذا تم اختيار أعضاء البرلمان بصيغة المناطقية فإن عشيرة شريف حسن  هي الخاسر الأكبر وتحصل على مقاعد قليلة مقارنة بمقاعدها في البرلمان الحالي.
  3. يسعى تحالف عبد الولي الي الحصول على وعود لضمان حصة كبيرة في النظام الذي ستشكل بعد الانتخابات المقبلة في حال تم التوافق على نظام 4,5  بصورة تمكنه من رفض أو قبول مشروعات قانونية يجيزها البرلمان أو الحكومة، وتخفف الضغط الذي تمارسه الحكومة على الشركات النفط التي تريد الاستثمار في حقول النفط والغاز باقليم  بونت بلاند.
  4. يبدو أن عبد الولي غاس لم يعترف بعد بشكل رسمي بإدارة جلمد مدغ برئاسة عبد الكريم جوليد، والتي يعتقد أنها  اليد الطولى للرئيس حسن شيخ محمود في المناطق الشرقية من البلاد  وبالتالي لا يفتأ يبحث عن الرد المناسب لتقليم أظافر عبد الكريم جوليد.

هل سينجح غاس في خطته؟

من المبكر الحديث عن نجاح خطة غاس، لأنه فيما يبدو يجب أن تمر بمراحل متعددة وتستمر حتى نهاية الانتخابات المقبلة، لكن هناك عدد من العوامل التي ستساهم على الأقل في المرحلة الراهنة في استمرار وصمود خطة  غاس أمام منافسيه، وفي حال فقدت خطته  تلك العوامل فإنها لاشك تفقد بريقها وتصل الي طريق مسدود. ومن أبرز هذه العوامل ما يلي:

  1. إدارة جوبالاند: تشكل إدارة جوبالاند العمود الفقري لتحالف عبد الولي غاس وتلعب دور بريطانيا بالنسبة للولايات المتحدة رغم قلة المصالح التي تربط بين الإدارتين وأن العدو  المشترك الذي يهم الجانبين هو شريف حسن الذي  يسعى الانتقام من إدارة جوبالاند بعد أن فشل في عرقلة انتخاب برلمانها. سعى شريف  أكثر من مرة الي التشكيك في شرعية البرلمان، وحتى أن أعضاء مؤيدين له في البرلمان الفيدرالي نجحت في تمرير مشروع قانوني يحل  برلمان جوبالاند باعتباره برلمانا غير شرعي.
  2. ولذلك  إذا فقد عبد الولي غاس تأييد رئيس إدارة جوبالاند أحمد اسلان مدوي- وهذا ليس أمرا مستبعدا -سيفقد عاملا مهما في جهوده لإعادة صياغة المشهد السياسي الصومالي في السنوات المقبلة.
  3. القوى الدولية والاقليمية : تحظى إدارتي بونت لاند وجوبا لاند تأييدا أو على الأقل تعاطفا من بعض قوى الدولية والاقليمية الفاعلة في الصومال، فإذا فقد تعاطف تلك القوى خلال الشهور المقبلة أو تقلص تأييدهم بناء على معطيات وتحولات سياسية على الأرض، فان فرص مشروعه نجاح مشروعه ستكون ضئيلة.
  4. زعماء سياسين من عشيرتي هوية ودر: هناك سياسيون ينتمون الي عشيرتي هوية ودر متحالفة مع عبد الولي غاس، أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق علي محمد جيدي الذي ينتمي الي عشيرة أبغال والذي يأمل العودة الي السلطة ويعرض نفسه كبديل قوي  للرئيس الحالي حسن شيخ محمود الذي ينتمي الي ذات العشيرة. فهذا عنصر مهم يجب أن يحسن عبد الولي غاس الاستغلال منه إذا أراد ان تككل جهوده بالنجاح.

ما هي خطة تحالف  الرئيس حسن شيخ – شريف حسن؟

تشكل هذا التحالف الذي يضم أيضا رئيس إدارة  جلمدغ عبد الكريم جوليد، ورئيس إدارة شبيلي الوسطى وهيران التي ستعلن قريبا، نهاية عام 2014 عندما شارك الرئيس حسن شيخ محمود بحماس في مهمة انتخاب شريف حسن رئيسا لإدارة جنوب غرب الصومال وفي المقابل ساهم شريف حسن بقوة في ترجيح كفة الرئيس أثناء الأزمة بين الرئيس ورئيس الوزارء السابق عبد الولي شيخ أحمد نهاية عام 2014 وبعدها توثقت أواصر الحلف، وهناك أنباء تتحدث عن اتفاق سري حول تقاسم المناصب إذا أعيد انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود خلال إنتخابات عام ٢٠١٦. وأن جزء من هذا الإتفاق ينص على ان يسعى التحالف إلى  اختيار رئيس البرلمان من شخص ينحدر من عشيرة طارود وعلى أن يكون شريف حسن رئيسا للوزراء.

ولتحقيق هذا الهدف يقوم التحالف بالخطوتين التاليتين:

  1. السعى بشكل جدي الي الاتفاق على آلية انتخابية تسهل له تشكيل برلمان يهيمنه مؤيدوا التحالف
  2. السعي الي تفكيك تحالف عبد الولي غاس- مدوي واقناع أحمد اسلان مدوي رئيس جوبالاند بالتخلي عن صديقه والانضمام الي صفوفهم أو على الأقل عدم تأييد سياسيات عبد الولي. وحتى ان تتطلب الأمر يتصل  التحالف بقوى داخلية أو خارجية ترتبط بعلاقات قوية مع اسلان مدوي لدعم  مسعاهم في ضم  الأخير الي تحالفهم أو تحييده.

الخلاصة

ومن خلال قراءة البيان الختامي لمنتدى التشاور الوطني الـ 2 في مقديشو  نجد أن ممثلي الدول الراعية لعملية السلام في الصومال والمشاركة في المؤتمر  تمسكوا العصى من الوسط وضغطوا على القوى السياسية الصومالية الي التوصل الي حل وسط يحفظ ماء وجه الطرفين ويحقق لكل طرف جزاء من طموحاته ، لكن الشيطان يكمن في التفاصل.

 فيما يبدو حقق تحالف غاس- مدوبي انجازا  مهما وهو قبول انتخاب الغرفة العليا (مجلس الشيوخ) من البرلمان على أساس المحاصصة المناطقية ما يضمن له هيمنة على الغرفة  التي تتمتع بصلاحيات مهمة أبرزها رفض المشروعات القانونية التي يجيزها البرلمان( مجلس الشعب). وفي المقابل تمكن تحالف الرئيس – شريف من انتزاع شرط انتخاب الغرفة السلفى  من البرلمان  على أساس  صيغة 4,5  وبالتالي يتوقع أن يحصل على أغلبية مقاعد الغرفة  وهو الأمر الذي يعبّد له الطريق نحو القصر الرئاسي (فيلاصوماليا).

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى