النمو السكاني في مقديشو

زيادة النمو السكاني والتوسع العمراني هما أول ما يلاحظه كل شخص ترك العاصمة الصومالية مقديشو بداية القرن الحالي فيزورها هذه الأيام.
شهدت مقديشو خلال الأعوام الثلاثة الماضية توسعا عمرانيا سريعا على مستوى الحجم والنشاط بسبب تحسن الوضع الأمني والاقتصادي.

بلغ نطاق المدينة العمراني مداه،حيث لم تعد توجد في المدينة أماكن لمزيد من الأبنية. لقد طال الإعمار جميع المساحات العامة المملوكة للدولة، كالحدائق العامة والأراضي المخصصة لبناء السفارات الأجنبية، والجامعات، والمقرارت الحكومية، فقد تم بناؤها من قبل المواطنين وعلى مرأى ومسمع الأجهزة الحكومية المختلفة.
وفق تقرير نشرته صحيفة دي غارديان البريطانية قبل أيام، تحتل مدينة مقديشو المرتبة الثانية من المدن الأكثر نموا في العالم وجاءت خلف مدينة باتام في أندونيسا . ويعيش في المدينة بحسب تقرير الصحيفة 2.1 مليون نسمة، فيما يقدر معدل نمو سكانها بـ 6.9%.. والسبب الرئيس للزيادة المطردة في عدد سكان مقديشو يرجع الي الهروب الجماعي من الجفاف الذي ضرب الأرياف والحرب الدائرة بين القوات المسلحة الصومالية ومسلحي حركة الشباب في المناطق الزاعية التي تعيش فيها غالبية سكان الصومال.
تواجه مدينة مقديشو مشكلة سكانية حادة بشكل يختل فيه التوازن بين عدد سكان المدينة والموارد الاقتصادية المتوفرة، حيث أصبحت المدينة عاجزة عن استيعاب مزيد من السكان، وتوفير مرافقها المحدودة أصلا، احتياجات السكان من الكهرباء، والمياه، ووسائل النقل، والصرف الصحي.
لا نغالي إذا قلنا إن مشكلة النمو السكاني في مقديشو ستترك آثارا واضحة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل إذ سيزيد في السنوات المقبلة صراع الصوماليين على المواد الغذائية والمياه في ظل انخفاض ملحوظ في الموارد والخدمات نتيجة الحروب والأزمات الراهنة في الصومال منذ أكثر من عقدين من الزمن . فالموارد الاقتصادية الحالية قاصرة حاليا على تلبية احياجات السكان فكيف يكون الأمر إذن خلال السنوات المقبلة؟!.
تتفاقم مشكلة زيادة النمو السكاني في مقديشو مع دخول أعداد كبيرة من الوافدين من الريف الي المدينة ويصعب تلبية مطالب السكان الذي تشكل غالبيته فئة الشباب من المسكن، والعمل، والخدمات العامة. يصعت توفر وحدات سكنية لاستيعاب الأسر الجديدة المهاجرة ويرتفع أسعار المنازل وإيجارها بشكل جنوني قد يؤثر سلبا على التعايش السلمي بين المواطنين في المدينة.
وكذلك في ظل ارتفاع نسبة الشباب المتخرجين من الجامعات والمعاهد، تصل معدلات البطالة في مقديشو الي حد فاق كل الخطوط التي وضعتها المنظمات المعنية لقياس البطالة . وبالتالي فان ارتفاع معدلات النمو السكاني في المدينة وزيادة نسبة المتخرجين العاطلين عن العمل تعقد الوضع وتؤدي الي هجرة الإدمغة والكفاءات العلمية الي الخارج للبحث عن فرص عمل وحياة أفضل.
زيادة عدد السكان في مقديشو تؤثر أيضا سلبا على قدرة المواطنين ولا سيما العاملين منهم على الإدخار والاستثمار، بسبب انخفاض الدخل الفردي، لأن ارتفاع عدد السكان يؤدي إلى ارتفاع عدد المواليد في المجتمع، وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض نصيب الفرد الواحد مما يمنع الأسر والأفراد على الادخار والاستثمار.
ومن الناحية الأمنية ، فبسبب التوسع العمراني وزيادة النمو السكاني، صارت مدينة مقديشو بحاجة ماسة إلى توفير المزيد من الجهود على المستوى الأمني لتغطية العمل الأمني في مختلف أحياء المدينة وخاصة بؤر الجرائم التي تقع دائما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية أو التي يعيش فيها المواطنون ذوو الدخل المحدود، وذلك من خلال إنشاء دوائر أمنية جديدة تضاف إلى الدوائر الحالية.
وفي الختام يجب أن ننوه أن وقف الحرب وتنمية المناطق الريفية والساحلية في البلاد يشكلان نقطة الانطلاق في ايحاد حلول سريعة للمشكلة السكانية في مقديشو ، ومواجة الآثار السيئة المترتبة منها. وما لم يتم البحث عن حلول لمشكلة زيادة السكان في مقديشو خلال السنوات القليلة القادمة، فان المدينة مقبلة على مشاكل كبيرة ستبقى عواقبها المدمرة لفترة طويلة.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى