المولد النبوي بنكهة سياسية!

على خلفية سخونة المعارك الميدانية والفكرية في طول وعرض العالم الإسلامي، تلونت مناسبة المولد النبوي في هذا العام بلون خاص، حيث أصبحت ساحة لتصفية الحسابات الفكرية، وفرصة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأتباع.

  ففي المجال الفقهي اشتعل السجال بين النشطاء حيث اشتغل كل فريق بإيراد أقوال الفقهاء المؤيدة لما ذهب إليه ،هذا كان حال المولد في العالم الإسلامي بشكل عام بيد أن الجديد في هذا العام هو احتدام المعارك والاصطفافات نتيجة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تولت كبر اشتداد المعارك الحامية الوطيس من مؤيد ومعارض.

وحسبما جرت العادة فقد احتفل المسلمون في جميع أنحاء العالم بمناسبة المولد النبوي، وقد تناقل نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي صور وفعاليات الاحتفالات وحضور المسئولين في أنحاء العالم الإسلامي .

هذا، وقد شهدت معظم المدن الصومالية الكبيرة وتجمعات الشتات الصومالي في المهجر الغربي والسودان وشرق إفريقيا مناسبات احتفالات حسنة التنظيم والتصميم احتفاء بالمولد النبوي وقد احتضنت الميادين العامة والمساجد التابعة للطرق الصوفية مناسبات الاحتفال المصحوبة بتظاهرات شعبية واستضافات حيث تنحر الإبل عادة، ويتم قراءة مقاطع من البردة للإمام البوصيري وإقامة حلقات الذكر التي يشارك فيها الأطفال والصغار ويسمح للنساء بمشاهدة حلقات الذكر الصوفية والتي تقام في الميادين العامة.

زيادة إقبال

يقول الصحافي عبد الفتاح أشكر في صفحته بالفيسبوك ” شهدت مدن صومالية كثيرة -هذا العام- احتفالات المولد النبوي الشريف،ما يؤشر على تحولات فكرية إيجابية، وخفوت الأصوات الرافضة للاحتفال،وهي خطوة لها ما بعدها نحو استقرار الصومال،ونهاية عصر المذابح الدينية،اللهم صل على خير الأنام” ويقول أيضا الناشط الصوفي حسن يوسف في صفحته في الفيسبوك ردا على المانعين للاحتفال قائلا:” إذا فرضنا أن الفاطميين هم أول من ابتدع للاحتفال بالمولد النبوي فاعلم أن هذا لا يكون حجة في منع الاحتفال، ولا يكون دليلا على تحريمه ولا علة لمنعه، فقد يخترع الفاسق والمبتدع بل والكافر شيئا لم يسبق إليه، ويكون ذلك الشيء مستحسنا شرعا، ألا ترى أن الحجاج بن يوسف أحدث الشكل والنُّقَطَ في كتابة القرآن الكريم واستحسن ذلك أهل العلم”

  وفي مدينة جالكعيو حضر رئيس ولاية بونتلاند الصومالية حفل المولد النبوي مع علماء الطرق الصوفية بل أظهرت التسجيلات إنشاد الرئيس قصائد صوفية في ميدان بجالكعيو وقد اعتبر المؤيدون للمولد تلك الخطوة من الرئيس عبد الولي تستحق الإشادة والتقدير.

وفي جكجكا حاضرة الإقليم الصومالي في إثيوبيا أظهرت الصور بالحضور الكبير في قاعة السيد محمد عبد الله حسن بمناسبة المولد النبوي الشريف الذي أقيم في قاعة السيد محمد عبد الله حسن بحضور  رئيس الإقليم الصومالي عبد محمود عمر وعلماء الصوفية وشرائح من المجتمع المدني.

المولد عيد وطني!

في العاصمة الصومالية أعلن رئيس البرلمان الصومالي السيد محمد عثمان جواري اعتراف الدولة الصومالية يوم المولد النبوي عيدا وطنيا . جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في احتفال موسع أقيم بمناسبة المولد النبوي بمقديشو في 24 من شهر ديسيمبر2015م داعيا الصوماليين إلى تعظيم هذا اليوم.

  من جانبه تساءل الناشط والكاتب أبوسلمان عمر معلم حسين في تغريدة له على الفيسبوك عما إذا كان السيد جواري مسئولا للمحتفلين بالمولد فقط أم للمواطنين جميعا على اختلاف توجهاتهم، وهل عرض هذا القرار على أعضاء البرلمان وعلماء الدين قبل الإعلان؟ حيث توجد يوجد شريحة كبيرة من الشعب الصومالي يستنكرون هذه البدعة الشنيعة –على حد قول أبي سلمان- التي ألصقت بالدين الإسلامي السمح، والتي أحدثها ضلال من الروافض بعد أربعة قرون من تاريخ الإسلام، فهل يستهين السيد الرئيس بهذه الشريحة الكبيرة من الأمة والتي تستند لرأيها لدلائل الشريعة الإسلامية ، وإذا كان المسئولون عندنا يظنون أن 90% من الشعب الصومالي صوفية فهذه إحصائية ربما تصدق ما قبل التسعينات، أما الآن وبعد الصحوات الإسلامية المباركة والتي لقيت صداها في كثير من أنحاء العالم ومنها الصومال فقد تغير الوضع”

هل حدث تغير في السعودية؟

تداولت صحف ومواقع عربية ( اليوم السابع المصرية 14 ديسمبر 2015 على سبيل المثال) صور حزم الأضواء الخضراء المطلقة من برج الساعة في مكة ( على ارتفاع 400 متر) إيذانا بالاحتفاء بالمولد النبوي ،وتداول نشطاء بسرعة كبيرة هذه الصور وبإعجاب واهتمام كبيرين ، والملفت للنظر أنه لم يشتهر تداول هذا التحول في الإعلام الرسمي في السعودية فلم تورد الصحف التي تناولت الخبر عن مصدر رسمي سعودي يفيد ما نسب إلى السعودية، وقد جرت عادة السعودية بمنع مثل هذه الحفلات والمناسبات المتعلقة بالموالد، فحسب موقع (عرب نيوز 3 January 2015 ) ففي مناسبة المولد في العام الماضي 1436 حذر المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ من الاحتفال بمولد الرسول -صلي الله عليه وسلم -قائلا انه بدعة تسللت إلى الإسلام بعد القرون الثلاثة الأولى لم يعرفها الصحابة ولا التابعون.

  وقد فسر الكاتب محمد عمر أحمد في مقال له في موقع مركز مقديشو للدراسات أن قرار السعودية يهدف- إذا صح الخبر- ازالة الاحتقان وتسكين ثائرة الطوائف الصوفية التي تناصب العداء للسعودية ومستعدة حتى التحالف مع ايران وبوتين روسيا ومع كل الشياطين لأزالتها مما يدل تصدع كبير داخل البيت السني الكبير حول المسائل المصيرية.

مركز مقديشو للدراسات

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى