الإنتاج الزراعي فى الصومال(1)

مدخل عام

وإذا نظرنا إلى تاريخ الإنسان عبر مراحل تطوره الطويلة على هذا الكوكب نجد – حسب بعض الروايات- أنه لم يكن يعرف الزراعة والفلاحة،بل كان يعيش حياة بسيطة قوامها التنقل والترحال من منطقة لأخرى جريا وراء حيوان يمكن إصطياده،أو ثمار يمكن اقتطافها لسد رقمق العيش، لضمان بقاءه على قيد الحياة ، وكانت تعرف هذه المرحلة من التاريخ البشري العتيق بمرحلة الجمع والإلتقاط.

ويعيد علماء التاريخ نشوء الزراعة  إلى نحو9000سنة قبل الميلاد، وهي تقريبا تاريخ بداية الحضارة الإنسانية،ذلك عندما اكتشف الإنسان أن بعض النباتات البرية التي كانوا يأكلونها يمكن زراعتها فى أوقات مناسبة، وأن النباتات التي تنتج منها توفر لهم الغذاء الصالح ،وكان هذا الإكتشاف بالغ الأهمية بالنسبة للإنسان الأول  حيث جنبه كثيرا من عناء البحث والجمع عن الثمار،كما  اكتشفوا ايضا امكانية تربية  بعض الحيونات والاستئناس بها وأن يعيش داخل الأسر،فكانت تلك البداية الحقيقية لزراعة المحاصيل وتدجين الحيونات. (1)

العلاقة بين الزراعة والحضارة

العلاقة بين الحضارة والزراعة علاقة وثيقة،فلا يمكن تصور حضارة بدون وجود زراعة،ولازراعة بدون استقرار،فالاستقرار كان البوابة الاولى التى دخل عبرها البشر الى عالم الحضارة والتمدن،فمعظم الحضارات العالمية نشأت على ضفاف الأنهار وخاصة تلك التى نشأت فى وداي النيل فى السودان ومصر، ومنطقة الهلال الخصيب أو بلاد الرافدين الذي يضم المناطق الواقعة بين نهري دجلة والفرات فى كل من العراق و وسوريا وبلاد الشام ،وبدأ المزارعون يسفيدون من مياه الأنهار والأراضي الخصبة، نتيجة لترسبات الطمي بعد الفيضانات الموسمية لتلك الانهار، واستحدثوا أنظمة الري المختلفة،والمحاريث التي تجرها الثئران لجرف التربة، وبعد الانتقال والتطور من  المحاريث اليدوية البدائية التي كانو يستعملونها من قبل.

وبدأت زراعة القمح والشعير فى بلاد الشام والعراق،كما بدأت زراعة الدخن والأرز فى الصين وجنوب شرق آسيا،والقرع فى المكسيك والبقوليات فى اليونان،وقامت بفضل الزراعة  قيام الحضارة البشرة فى العالم.( 2)
تعريف الزراعة

وهناك عدة تعاريف للزراعة، لكننا نميل إلى التعريفات الآتية لكونها أقرب الى المعنى المقصود وأشمل.

من هذه التعريفات،  تعريف الجمعية الاقتصادية الريفية في فرنسا حيث عرفت الزراعة “بأنها العمل الذي به تستخدم القوى الطبيعية لانتاج النبات والحيوان بغية تأمين الحاجات البشرية”.

ويمكن تعريف الزراعة أيضا بأنها”علم وفن وصناعة إنتاج المحاصيل النباتية والحيوانية النافعة للإنسان”

تعريف الزراعة بأنها علم تعريف حديث نسبيا،نظرا لأن الزراعة كانت مجرد عملية بذر البذور فى الأرض ثم تركها لتنموا تحت الظروف الطبيعية، إلى أن يحين موسم حصاد المحاصيل فتحصد،كما أنها عملية متوارثة بين الأجيال المتعاقبة يرث الولد من الوالد واللاحق من السابق،إلى أن تطورت العلوم والمعارف والتجارب والبحوث العديدة التي أجريت على الطرق المختلفة للزراعة والتسميد ومقاومة الآفات وغيرها حتى أصبحت الزراعة علم من العلوم المستقلة(3)

الزراعة فى الصومال

الشعب الصومالي شعب رعوي،يحترف الرعي ويفتخر بمهنته تلك،بينما يحتقر ويزدري الحرف الاخري لاسيما اليدوية منها،ومن بين تلك حرف التي كان البدوي الرحل صاحب الابل والاغنام يتأفف منها الى وقت غير بعيد حرفة الزراعة،بحيث كان وصف”قودتو” والتي تعني الفلاح مرادفا بالفقير والضعيف وبؤس الحال وكد العيش،وأن الفلاح مهما تجمع عنه من الثروة لم يكن عند اصحاب الأنعام إلا فلاحا،إلا أن هذا الوضع تغير الان، وأصبح السكان يتجهون تدريجيا نحو الزراعة واستصلاح الأراضي،وخاصة بعد ثورة اكتوبر  1969م وانتشار التعليم في البلاد، واصبحت الزراعة من أهم أعمال السكان وتأتي في المرتبة الثانية بعد الرعي،حيث ما لايقل عن 40%من سكان البلاد البالغ عددهم12 مليون نسمة يعملون في الزراعة،وبالرغم من نزوح  بعض المزارعيين الي المدن وهجران البعض الآخر الى مخيمات النزوح في كينيا واليمن واثيوبيا،بسبب ىسوء الأوضاع الأمنية والمعيشية،  ومع هذا وذاك كله لاتزال الزراعة (القطاع الزاعي)تحتل المرتبة الثانية،وينتج هذا القطاع من الغلال والحبوب والثمار والخضراوت والفواكه ما يكفي(يلبي) حاجات الأسواق المحلية،ويصدر الفائض في بعض الأحيان الي الاسواق العالمية،ومما يجد ذكره في هذا المقام،هو أن الصومال لايزال يحتل المرتبة الرابعة في تصدير السمسم.

المناطق الزراعية فى الصومال

تقدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الصومال 12% أي ما يزيد على 8ملايين هكتار، ولكن هذه المساحة لايستفاد منها إلا لقليل لأسباب يعود بعضها إلى الظروف الأمنية الراهنة في بعض المناطق الزراعية بينما يعود بعضها الآخر إلى غياب التوجيه والارشاد والسياسة المنظمة للانتاج.  والانتاجية نتعرض لها عند حديثنا عن العقبات التي تواجه الانتاج الزراعي في البلاد في الجزء الثاني من هذا المقال.

ينبغي الإشارة هنا إلى أن جيمع مناطق الصومال صالحة للزراعة،وتختلف صالحيتها من منطقة إلى أخرى، كما يقول المتخصص في الزراعة الدكتور عبد الكريم حرسي وبعض المناطق تحتاج الى جهود جبارة لاستخراج المياه و تخصيب التربة،ونحوها،وهذه معناه أن جميع سكان البلاد بإمكانهم ممارسة نوع من أنواع الزراعة سواء كانت مطرية أو مروية إذا ماتوفرت عندهم العزيمة والإرادة، ومن المؤكد أن جميع المناطق ليست على نفس المستوى في جودة التربة ووفرة المياه،لأن الزراعة في مايخص بالأرض تعتمد على شيئين اثنين، وهما أراضي صالحة من حيث التربية ووفرة المياه،ون أهم المناطق الزراعية في الصومال، شبيلى الوسطي والسفلي ومنطقة وادى جوبا والتي تضم جوبا الوسطى والسفلى وجدو، ومنطقة هيران وباي وبكول، فهذه المناطق من أكثر المناطق الزراعية في الصومال. (3)

أنواع الزارعة

هناك عدة تصنيفات للزراعة عند ذوي الاختصاص بمعارفها،مثل الزراعة العالمية وزراعة متقدمة والزراعة التقليدية والزراعة النامية،ولسنا بصدد هذا التصنيف المتخصص،لكنا نذكر وبصورة مقتضبة أنواع الزراعة المعروفة في بلادنا ونجملها في نوعين وهما:

1-الزراعة المطرية

هذا النوع من أنواع الزراعة مرتبط بمواسم هطول الأمطار،ويمارس هذا النوع من أنواع الزراعة الموسمية كثير من صغار  الفلاحين المزارعين والقرويين في المناطق البعدة عن ممر الأنهار في البلاد، وهناك مزارعون  يعتمدون على مياه الأمطار في انتاجهم وحتي في المناطق المنخفضة القريبة من ممر الأنهار في مناطق جوبا ووادي شبيلى،إضافة إلى منطقة باي وبكول والتي لاتمرهما الأنهار  أصلا،فقد ينتج الفلاحون والمزارعون الصغار كفايتهم من الذرة البيضاء والذرة الشامية،والسمسم، والفول البلدي،وأنواعا أخري من البقوليات والخضروات اثناء مواسم الأمطار وخاصة موسم الربيع والصيف والخريف،وقد يستخدمون المحاريث اليدوية، وهذه الطريقة وإن كانت بدائية نوعا ما إلا أنها كفيلة بانتاج قدر من الغذاء الكافى  الذي يغطى الاستهلاك المحلي.

والزراعة المطرية إذا ما تم تدريب الفلاحين والمزارعين بطرق الزراعة الحديثة وتم تزويدهم بالوسائل الضامنة للإنتاج الفعال مثل الآليات الزراعية الحديثة وما يحتاجون إليه من وسائل الإنتاج المساعدة من الأسمدة والمبيدات الحشرية وبذور المحاصيل ذات الجودة عالية فإنها لاشك  تكون من القاطعات الإنتاجة الأكثر فعالا في البلاد.

الزراعة المروية

هي إحدى أنواع الزراعة وتعتمد على مياه الأنهار والمياه الجوفية ،والمسطحات المائية،وينتشر هذا النوع من الزراعة في المناطق القريبة من ممر النهرين(جوبا وشبيلى)،وتعتبر هذه المناطق من أكثر المناطق الزراعية انتاجا في البلاد،وتعتمد الزراعة في هذه المناطق على مياه الأنهار عبر وسائل الري المتوفرة هنا وهي غالبا ماتكون على شكلين اساسيين:

الشكل الاول: هو حفر قنوات الري من النهر إلى اتجاه المزارع وشق قنوات فرعية صغيرة من جانبي القناة الرئيسة ليتسنى لجميع المزارعين المشتركين من ري مزارعهم،وتتم هذه العملية وفق حصص وجداول معروفة ومتفق عليها مسبقا من قبل اللجان المنظمة للري والمسؤولة عن القناة،وتسير العملية بسلاسة دون تدخل السلطات المحلية غالبا،وهذا النوع لايحتاج الى محركات الديزل لضخ الميا من النهر الى المزارع.

الشكل الثاني: هو استخدام مضخات ديزل ويتمّ اللجوء إلى استعمال الموتورات في الاماكن التى ينخفض فيها مستوى النهر ،كما يستخدمها بعض المزارعين بشكل اعتيادي وخاصة مزارعو الموز وبعض الخضروات والفواكه،الزراعة المروية تنتشر هذه الايام بشكل متزايد،كما تتسع مساحات الاراضي الزراعية،وقبل أن أنهي هذا الجزء أود أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن المزاعين في بلادنا لايستفيدون من المياه الجوفية ،كما لايستفيدون من مياه الأمطار والتي يمكن تخزينها والاستفادة منها بعد انتهاء موسم الأمطار.

 

المـــــــــــــــــراجع

 http://www.startimes.com/f.aspx1-

2-نفس المصدر

3- http://faculty.ksu.edu.sa/shenaif

4- مقابلة مع الدكتور عبد الكريم حرسي في مركز مقديشو للبحوث والدراسات في20/من نوفمبر2015م.

عبد النور معلم محمد

كاتب وباحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى