مقومات الابداع العلمي

كنت قد قرأت الابداع العلمي للدكتور أحمد القرني وقد وصل الي تعريف الابداع بأنه: ملكة تأتي من خلالها اكتشاف شيء جديد لم يسبق اليه المبدع، واشار الي وجوب اتصافه بثلاثة صفات هي: الجدية، وتكون في انتاج عمل ابداعي يختلف عن المألوف .والفاعلية: وهي تحقيق هدف على أرض الواقع يكون جماليا أوفنيا أو ماديا . والأخلاقية ، وهي الالتزام بقواعد الأخلاق.

وقسم الابداع الي أقسام عدة هي: ابتكار لم يسبق له مثييل، أو تطوير شيئ وتوسيع دائرته أو تفسير شيئ غامض ، أو ايجاد حل شيئ معقد، أو ترتيب عناصر معروفة بطريقة معينة، فيتنج عنها شيئ جديد أو ينظر الي شيئ معروف من زاوية معينة ابداعية، واستبدال باختراع ( نيوتن) لقانون الجادبية عن طريق مشاهدة سقوط تفاحة من الشجرة، فهذا منظر مألوف لكنه نظر له من زاوية معينة؛ فدله ذلك على شيئ مختلف وهو قانون الجاذبية.

ولا يشترط أن يكون مبدعا في جميع حياته، بل في شيئ معين، ويخطئ في جوانب كثيرة، ولا يشترط للميدع أت يكون ذلك في بداية حياته، وقد يكافأ المبدع ويعاقب في آن واحد مثل مافعل الخليفة العباسي عندما دخل عليه رجل ووضع ابرة  في الأرض، ابتعد واخذ يرمي إبرة تلو إبرة فتسقط الأولى سم الإبرة السابقة حتى بلغت مائة، فتعجب الحاضرون واندهشوا ، فما كان من الخليفة الا أن قال : يعطى مائة دينار ويجلد مائة جلدة، فسأله الرجل متعجبا، فقال له مائة دينار عرفناها ولكن لماذا الجلد ؟ فقال : أما الدنانير فلبراعتك ، وأما الجلد فلأنك ضيعت وقتك فيما لا ينفع.

إن اسس الإبداع العلمي تكون في القدرات العقلية والمعرفية التي تنال بالتحصيل والممارسة والجد والاجتهاد والمثابرة على طلب العلم ومجالسة العلماء وتأمل سيرهم وأحوالهم والقوة النفسية: وهي قوة الثبات والإرادة والتصميم والمثابرة والنزوع الي الكمال.قال ابن التيمية رحمه الله “ النفس لها قوتان: قوة علمية نظرية ، وقوة إرادة علمية، فلابد لهما من كمال القوتين لمعرفة الله وعبادته”.

وأي عملي إبداعي يحتاج منا الي علو الهمة؛ لأنه المحرك الداخلي القوي للجد والمثابرة  وتتفاوت الطاقة في هذا الأمر بين البشر، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالي : همتي همة الملوك ونفسي    نفس حرة ترى المذلة كفرا.

فكلما كنا حريصين على ديننا ونشره؛ كنا مبدعين في الابتكارات ، وقوة الايمان مرتبطة بقوة الجسد على بذل العطاء، “ المؤمن القوي خير وأحب الي الله من المؤمن الضعيف ..” 

ومن أهم مكونات الإبداع العلمي:

أولا: التمكن بالعلم والإحاطة بقضاياه وتصوراته على الوجه الصحيح، ويساعد في ذلك : التخصص في الفن والاتقان والكل يكمل بعضا، قال الحميدي : صحبت الشافعي من مكة الي مصر، فكنت استفيذ منه المسائل، وكان يستفيذ مني الحديث. 

ومما يساعد في ذلك : أخذ العلم من أهله البارعين فيه لتستخرج  ما لديهم من دقائق ذلك العلم، ومما يساعد أيضا : الإطلاع الواسع والمتابعة الحثيثة للجديد حتى تنمو وتزداد علما. قال حمدون بن مجاهد الكلبي: ( كتبت بيدي ثلاثة آلاف وخمسمائة كتاب ولعل الكتاب الذي ادخل به الجنة لم أكتبه بعد…) 

ومما يساعد أيضا:  أخذ العلم في الكليات والجزئيات والتدقيق فيها، قال الزهري ناصحا أحد تلامذته : ( يا يونس، لا تكابد العلم؛ فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة؛ فإنه من رام أخذه جملة، ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الليالي والأيام.) 

ومما يساعد في التمكين تقديم الأهم على المهم؛ قال سلمان لحذيفة رضي الله عنهما: ” يا أخا بني عبس إن العلم كثير والعمر قصير، فخذ من العلم ما تحتاج اليه من أمر دينك، ودع ما سواه فلا تعانه”.

ثانيا : حب الفن “التخصص” والإقتناع به، قال الشافعي : “ فقر العلماء فقر اختيار، فقر الجهال فقر اضطرار.

ثالثا:  الصبر وعدم استعجال النتائج؛ فلا يستعجل لصعود منصة الفتاوى والخوض في كل مسألة بل يجب الصبر، ففي حديث سهل بن سعد الساعدي: “ الأناة من الله، والعجلة من الشيطان”. وقال الإمام مالك : “ إني لأفكر في مسألة منذ بضعة عشرة سنة، فما اتفق لي فيها الرأي إلي الآن” . والإمام أحمد يقول : “ ربما مكثت في المسألة ثلاث سنين قبل أن أعتقد فيها شيئا”. 

رابعا الانصراف الكلي للعلم ومواصلة البحث فيه بحيث يكون وقت الطالب  مستفيذا كله في البحث والنظر والتقيد والدرس والقراءة والحفظ.

خامسا: التصور الصحيح للفن والتخطيط السليم له.

 سادسا: بقاء المبدع في أجواء علمي كامل. 

 التقصي في البحث والاستفاذة ما أمكن من الآخرين، والبداية من حيث إنتهى الآخر، والإمساك بتلابيبه، وتملك ناصيته. فقد كان ابن تيمية ـ رحمه الله ـ  يقرأ في تفسير الأية الواحدة مائة تفسير قبل أن يدلي فيها بدوله. 

إخترت تلك المادة حتى تعلو الهمة مع بداية فصل دراسي جديد. 

 

زر الذهاب إلى الأعلى