البعد العربي في القضية الصومالية

كانت وستبقى جمهورية الصومال عربية، ولن تنجح أي محاولة لعزلها عن محيطها العربي، نحن والشعب العربي أمة واحدة يجمعها التاريخ والمصير، فالدول العربية كانت ولا تزال من أكبر الدول المانحة للصومال، وأن الصومال عمق استراتيجي وحزام أمني  للدول العريية بحكم موقعها في ملتقى الحضارات، وكونها مطلة على  خليج عدن ومضيق باب المندب الذي يعد أحد أهم الممرات البحرية في العالم، والشريان الرئيسي لسفن النفظ والغاز العملاقة المتوجهة إلي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية .

فمثل هذا الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به الصومال  من الطبيعي أن تتداعى الدول الاقليمة والدولية  المؤثرة عليها، وتحاول هيمنة سياساتها الخارجية، وتطويعها لما يخدم اطماعها التوسعية ، وأن تصرّ  على عزل الصومال عن  محيطها العربي، ومنع توثق عرى علاقتها مع الدول  العربية وخاصة مصر والدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية والإمارات، خوفا من أن تشكل تلك العلاقة بديلا عن دورها في الصومال أو لما لها من تأثير على الأدوار الاقليمية  والدولية المتعددة الأهداف في المسرح الصومالي.

أن الروابط الازلية تحتم الأمة العربية مؤازة الشعب الصومالي في قضاياه العادلة لما يربط بينهما من أواصر القربى، ووحدة الهدف والمصير. فقبل أن تنزلق الصومال في  أتون الحرب، فان ممثليها الذين عملوا  في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، كانوا دائما داعمين للقضايا العربية من خلال تقديم الاقتراحات التي تدين الاعتداءات المستمرة الاسرائيلية ضد مصر وسوريا والاردن ولبنان إلى جانب مواضيع أخرى. وفي  نفس الوقت فان حكومة الصومال اخذت باستمرار ان تتصدر تدعيم القضايا العربية في منظمة الوحدة الافريقية ( الاتحاد الافريقي) وفي مؤتمر عدم الانحياز.

وتدعيما للعلاقات  الأخوية بين الصومال والدول العربية واستمرارها قامت الصومال بافتتاح سفارات لها في جميع الدول العربية ، وكان هناك زيارات رسمية متبادلة على مستوى رؤساء الدول والحكومات ، وأن الرئيس  الصومالي الأسبق محمد سياد بري الذي حكم الصومال لأطول فترة، قد قام خلال فترة حكمه بزيارات رسمية إلى معظم الدول العربية . في نوفمبر 1971 زار جميع الدول العربية تقريبا وأن هذه الزيارات التي قام بها الرئيس سياد بري قد أدت غرضها لتقوية العلاقات. وفي بداية عام 1974 قاد سياد بري وفدا كبيرا للمملكة العربية السعودية  لأداء فريضة الحج ولمواصلة السفر الى زيارة امارات، والكويت وعمان . وقام ايضا بزيارة لليمن الديمقراطية. وفي اثناء هذه الجولة الطويلة على البلدان العربية أعلن عن قرار دخول الصومال في الجامعة العربية.

وشارك سياد بري  في جميع القمم العربية التي كانت تعقد في الدول العربية رغم الضغوط التي كان يتلقاها من نظرائه في الدول الافريقية التي كانت تحاول ابعاد الصومال عن  الحضن العربي ومنعها من ممارسة حقها في التعبير عن هويتها العربية وانتمائها إلى العالمين العربي والاسلامي. وفي يونيو  من عام 1972 حضر الرئيس محمد سياد القمة الأفريقية  الرباط عندما اعلن ميثاق مقديشو كما اشترك في مؤتمر عدم الانحياز في الجزائر عام 1973.

 وبعد سقوط نظام سياد بري وفي الفترة ما بين 1991 -2012، بالرغم من وجود مساع عربية لدعم الصوماليين، وحل أزمتهم الا أن تلك الجهود لم ترتق إلى المستوى الذي كان يتطلعها الشعب الصومالي، وأنها تعثرت أمام جهود الدول الأقليمة غير العربية التي قررت الوقوف إلى جانب الصوماليين ومساعدتهم عسكريا لانهاء الازمة في بلادهم، وتحولت الجهود العربية فيما بعد إلي تقديم مساعدات انسانية للمنكوبين جراء الكوارث الطبيعية، ودعم القطاعات الاجتماعية، كالمستشفيات والمدارس، أما الجانب السياسي فيما يبدو تركت هذا المهام لمنظمة الإيقاد والاتحاد الافريقي.

لكن البعد العربي في القضية الصومالية يشهد منذ عام 2012  تحولا كبيرا، وبدأت الدول العربية من موريتانيا والمغرب غربا  إلي اليمن شرقا مرورا بمصر وفلسطين، تهتم بالقضية الصومالية على المستوى الحكومي والشعبي، وتساهم بشكل فعال في القرارات الدولية والاقليمية تجاه مستقبل العملية السياسية والأمنية في  الصومال، غير أن الشعب الصومالي ما زال يتطلع إلى مزيد من الانخراط، ومضاعفة مشاركة تلك الدول  في جهود بناء المؤسسات الوطنية وخاصة المؤسسات الأمنية ، وزيادة البرامج المشتركة لتوعية الشباب الصومالي من مخاطر التطرف والانزلاق نحو أتون الحرب الأهلية بالاضافة إلي الاستثمار في القطاعات الاستثمارية الواعدة في الصومال، وفتح اسواقها للمنتجات الصومالية.

 

 

 

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى