الصومال في القرن العشرين ( الحلقة التاسعة)

نظام الحكم الإستعماري فى الصومال

من البديهي أن يتصور كل امرء حالة من فقد حريته، والتى يمكن أن تساوى “فقدان الحياة” لأن الحياة يكون لها معنى إذا تمتع الشخص بحريته ويفعل بها ما يراه يحقق مصلحته، ويعبر عن رأيه بالأسلوب الذى يراه، ويتصرف حسبما تقتضى مصلحته، أما فى غياب الحرية فإن الحياة نفسها تفقد مقوماتها.

والإستعمار أينما حل بسلب الحرية من الشعب ويجعله كالحيوان يسوقه إلى أي مكان يشاء، ويوجهه حسب ما تقتضى مصلحته، هكذا كانت حالة الشعب الصومالب بعد سيطرة الإستعمار عليه.

فعلى سبيل المثال كان من خصائص المستعمر الإنجليزيي تشجيع القبيلة ، حيث قسم السكان إدارييا حسب أصولهم القبلية إلى دارود، ودر، وإسحاق على ست مناطق إدارية، كما استشت الإدارة الإنجليزية المحاكم الشرعية للفتوى فى قضايا الأحوال الشخصية، ولكن السلطات الحقيقية الأخرى – مالية، سياسية، عسكرية، قانونية – ظلت فى أيادى مفتشى المراكز ومعاونيهم لثقة الإدارة فيهم. [1]

وبالنسبة للسياسة الإيطالية فى الجنوب أقامت نظاما إداريا على نمط الفاشية تحت إدارة الحاكم العام الإيطالي مباشرة، وقسمت المستعمرة إلى سبع مديريات والمديرية إلى ثلاثين وحدة إدارية أو منطقة، وفى كل منطقة مسؤول إيطالي مقيم ، وجعلت البلاد خاضعة لثلاثة أنماط من القوانين هي: قانون الشريعة والعرف وتحكم بها على الأهالى المسلمين فى الأحوال الشخصية (فقط)، وقانون مدنى وجنائي يخصع له الإيطاليون والأوربيون فقط، وقانون مدني وجنائي لمحاكمة الصوماليين. [2]

كذلك كانت طبيعة الاستعمار أن يستخدم السلاطين المحليين ورؤساء القبائل لتحقيق مصالحه، ففى البداية عقد معهم معاهدات حتى يجعل للإحتلال صيغة قانونية كانت نصوصها تحمل أكثر من معنى وتفسر هذه النصوص عند التنازع لمصلحة الإستعمار. [3]

ومن حيث الإقتصاد أصبحت البلاد متخلفة إلى أبعد الحدود رغم توفر  خيراتها، وما تنتجه البلاد سواء كان تجاريا أم زراعيا كان يقع فى أيدى المستعمر، فبريطانيا جعلت شمال الصومال مركزا رخيصا لإمداد عدن بالغذاء والأعنام. [4]

وإيطاليا كانت تذهب أبعد من ذلك حيث تقوم بزراعة الأراضي وحرثها باستخدام المواطنين كعبيد، ويقال : أنه إذا أراد أحد الإيطاليين أن يتخذ مزرعة لنفسه سواء كانت ملكا لأحد المواطنين أو لم تكن يقدم طلبه إلى حكومته الإستعمارية لتسهل له الأيدى العاملة، فترسل الجنود الذين يجمعون الفلاحين من القرى والبوادى ويسوقونهم إلى المزارعة ويأمرونهم بالعمل فيها ولا يسمح لهم بالإستراحة وحتى للإستسقاء، ولا فرق بين الرجل والمرأة. [5]

كما سنت القوانين التى تبعد أهل البلاد من أية حقوق لممارسة التجارة وتجعل جهاز الدولة يخدم طبقة العسكريين الإداريين الإيطاليين فقط. [6]

وبالنسبة للتعليم فقد أهمله الإيطاليون بل يمكن القول بأنهم أغلقوا أبواب المعرفة والتقدم أمام المواطنين، وحرصوا على ألا يخطو الصومالي إلى الأمام تجاه التعليم والثقافة. [7]

أما بريطانيا فلم تكن أحسن من سابقتها إلا أنها لم تكن متشددة إلى حد إيطاليا ولذلك تم فتح بعض المدارس على أيدى الصوماليين أنفسهم، وباشروا تدريس موضوعات مثل اللغة العربية، إضافة إلى مبادئ الرياضيات وبعض المعارف المفيدة فى التجارة، كما أن بريطانيا فتحت مدارس نظامية كانت من وراءها التنصير إلا أنها أغلقت فى النهاية.[8]

ومن تلك المدارس التبشيرية: مدرسة بربرة، التى كانت تحتوى على صومعة داخلية، ومدرسة “طايمولى” الواقعة بين “بربرة” و مدينة “شيخ” وكانت عبارة عن كنيسة كبيرة فيها أقسام داخلية، أعطت أهتمامها سكان البوادى، وإيواء الأيتام والفقراء ليعيشوا داخل الكنيسة، ويتعلموا المسيحية، إلى جانب أدائهم للطقوس الدينية المسيحية.[9]

كان هناك بعض أبناء العملاء والزعماء الذين كانوا تحت إمرة المستعمرين الذين يتلقون بعض العلوم الأساسية مع التركيز على حب المستعمر والغرس فى نفوسهم أفكار الاستعمار وأهدافه مما جعلهم يتحولون إلى مستعمر من نوع آخر، أشد وقعا من الإستعمار المعروف، فى الوقت الذى ينتظر الشعب نفعا منهم، ومثال ذلك: وجود صومالي باسم “أدموند” بينمااسمه الحقيقي”محمد شيخ عثمان” دخل منذ أن كان صبيا فى مدارس التبشير وعندما كبر أسست الإدارة الإيطالية حزبا سمته” “الحزب الديمقراطي” وعينته سكرتيرا عاما له، وأرسلته إلى روما ليتمرن فى وزارة الخارجية الإيطالية، وقد كان يدا تستخدمها إيطاليا فى عهد الوصاية. [10]

وإشارة إلى مساوئ الحكم الإستعماري، فإن المستعمرة الإيطالية كانت تديرها شركات إيطالية، مثلا شركة فيلونا ردى، ثم شركة بنادر التجارية والتى تأسست عام 1895م. وقد باشرت حكمها بعد عام من قيامها، وقد تولى قيادتها أولا الحاكم “دوليو” والذى وُجه إليه الاتهام بتورطه فى تجارة الرقيق، مما أدى إلى تغييره وتبديله بحاكم آخر هو: “بادلو” ولم يكن أفضل من الأول.،وعند ما عرف القنصل العام فى زنجبار “ميركاتيللى” بشخصية الحاكم الجديد فى المستعمرة احتج على ذلك قائلا: “إن بادولو يعاقب الصوماليين دون أي محاكمة بأن يربطهم إلى مدفع ويضربهم خمسين جلدة حتى مات بعضهم من أثر الشرب، وهذا العقاب الفظيع خلق آثارا مضادة حتى  فى المستعمرة البريطانية المجاورة ” ويدل كلام “ميركاتيللى” هذا على جانب من جوانب الحكم الإستعماري فى البلاد، وقد قيل قديما” الحق ما شهده الأعداء، فهذا حاكم أفسد البلاد ثم يجيء ويغيره حاكم آخر أفسد منه و بشهادة أحدهم. ويقول أيضا تقرير أعده مبعوثون من قبل إيطاليا عن المستعمرة الإيطالية فى الصومال: “أن من عادة بادولو استيراد الخمور والمشروبات الروحية، وأن تقام الحفلات الماجنة كل ليلة تقريبا وتجلب النساء بالقوة ، ويقول التقرير تعليقا لهذا الفساد: “كل هذا مما ساهم فى إقصاء الشعب عنا… وعدم ثقتهم بنا وفي انحطاط مركزنا وضياع مهابتنا فى نظرهم”. [11]

ولم تكن بريطانيا بأقل من إيطاليا من حيث سياستها الإستعمارية والعدوانية، فيقول أحد المواطينين الصوماليين فى خطاب كتبه إلى أحد زعماء بريطانيا بعد تحرير إيطاليا من الصومال وتسلم بريطانيا زمام الحكم فى البلاد “أردت أن أسترعى  انتباهكم إلى المحن التى ينوء بها الشعب الصومالي فى عهد حكومتكم… لقد سمعنا أن بريطانيا العظمى قد ضحت بدماء بنيها وبناتها وبأرواحهم وأنها كرست كل موارد ثروتها وجهود أبنائها ضد قوات المحور لكي تنشر السلام فى الأرض فتعم الحرية… وواضح تماما أن الشعب الصومالي من اليوم الذى تحرر فيه من الإيطاليين يعانى قصورا فى الإعتبارات الإنسانية من اضطهاد وحرمان من حقوقه… فاليوم يخشى الشعب من الإدارة العسكرية البريطانية ويكرهها كما كان يخشى الحكم الفاشي الغاشم ويكرهه..”[12]

ويواصل هذا المواطن واسمه: السيد عبدالقادر شيخ أوادين كلامه مشيرا إلى ما يعانى منه الشعب من العذاب والكبت فى ظل الإدارة البريطانية حيث هناك التجنيد الإجباري لأعمال السخرة وإهانة الشيوخ والعلماء.  وأخيرا طلب من الحكومة البريطانية الكف عن هذه الأعمال الشنيعة التى ترتكبها ضد الشعب المسكين.   وقد كان لهذا الخطاب صدى حيث ناقش مجلس العموم ما يحدث فى الصومال مما أدى إلى تخفيف حدة الإضطهاد والعذاب الذى كانت تقوم به بريطانيا. [13]

المراجع والهوامش

[1] . د. حسن مكى محمد، المرجع السابق، ص:86-87.

[2] .  المرجع نفسه،ص: 91.

[3] . جامع عمر عيسى، تاريخ الصومال فى العصور الوسطى والحديثة، المرجع السابق، ص: 131.

[4] . د. حسن مكى محمد، المرجع السابق، ص: 87.

[5] . جامع عمر عيسى، المرجع  السابق، ص: 175 – 176.

[6] . حسن مكى محمد، المرجع السابق، ص: 91؟

[7] . جامع عمر عيسى، المرجع السابق، 176.

[8] . حسن مكى محمد، المرجع السابق، ص: 87-89.

[9] . محمد على عبدالكريم، وآخرون ، تاريخ التعليم فى الصومال، وزارة التربية والتعليم، جمهورية الصومال، مقديشو، 1978، ص: 60.

[10] . أحمد بهاء الدين، مؤامرة فى إفريقيا، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1957م، ص: 113 – 114.

[11] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص: 182\ – 184.

[12] . نفس المرجع: ص: 221.

[13] . نفس المرجع، ص: 222.

الدكتور حسن البصري

رئيس جامعة إمام، حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة بحر الغزال - الخرطوم ، عام 2011م، ودرحة الماجستير في التاريخ الحديث من جامعة النيلين - الخرطوم، السودان عام 2006م، وحصل البكالوريوس من جامعة مقديشو كلية الآداب، قسم التاريخ. عام 2001م
زر الذهاب إلى الأعلى