بعد فشل مساعي إيغاد، مؤتمر  تشكيل إدارة هيران وشبيلي إلي إين؟

سعت الهيئة الحكومية إيغاد من خلال زيارات مكوكية قام بها وفد منها بقياد محمد عبدي أفي وكيل المنظمة لدى الصومال  والجنرال غبرا وكيل الخارجية الإثيوبية للصومال إلى مدينة بلدوين حاضرة محافظة هيران لفتح قنوات التواصل مع شيوخ القبائل هناك لإقناعهم بالانضمام لمؤتمر تشكيل الإدارة الإقليمية المنعقد في مدينة جوهر,  إلا أن مساعي الهيئة  انتهت كسوابقها بالفشل وانتهت إلى طريق مسدود.

كان يعلق الكثير  آمالهم في نجاح هذه المشاورات  والوصول إلى حل للقضية المعقدة التي طال أمد استعصائها, إلا أنها كالعادة انتهت بدون جدوى, وباتت أشد تأزماً مما كانت عليه. الأمر الذي يثير  تساؤلات كثيرة عن لغز هذه الأزمة المستعصية, ودوافع تصلّب أطرافها الدائم ؟

يرجع المتابعون استمرار الأزمة وفشل المشاورات الأخيرة، التي كانت تحركها إيغاد  إلى جملة من الأمور أهمها :

1- تقاطع المصالح بين أطراف الأزمة : بعد علاقات حميمة في السنتين الأولى من فترة حكم الرئيس حسن شيخ  مع مشايخ القبائل في محافظة هيران وخصوصا قبيلة حوادلى كبرى القبائل في المحافظة, سرعان ما تغيرت هذه العلاقات عند الشروع في مساعي تأسيس الإدارة الإقليمية لمحافظتي هيران وشبيلي. وذلك نتيجة الأطماع فوق الزائدة للرئيس في المحافظتين والتي لم تستسغها بعض القبائل بل رأت فيها على مصالحها. الأمر الذي أدى إلى التصادم بين الرئيس وعموم القبائل في محافظة هيران في الانطلاقة الأولى لهذه المساعي، وإن كان نجح أخيرا في تفكيك المنظومة القبلية للمحافظة بعد أن أقنع جل القبائل بشكل أحادي بعد تفاهمات المشاركة في مؤتمر جوهر, إلا أنه ظل من الصعب عليه ومع المحاولات المستميته إقناع زعيم قبيلة حوادلى الجديد أغاس حسن أغاس خليف الذي خلف أخاه أغاس عبد الرحمن أغاس خليف إثر موته بنوبة قلبية, حيث يشترط الزعيم الجديد لمشاركته في المؤتمر شروطاً وصف بعضها بالتعجيزية كـ” تقسيم هيران إلى محافظتين, الأمر المستبعد في الوقت الحاضر والذي جعل الرئيس حسن شيخ يائسا في إقناعه, وأدّى به إلى خلط كثير في أوراقه واتخاذ إجراءات تعسفيّة في حقّه، وذلك حينما تعمد الرئيس تجاهل الأغاس حسن أغاس خليف وحذف اسمه من قائمة شيوخ القبائل ال 135 الموكّلين بعملية انتخاب أعضاء النواب في البرلمان القادم, مما عمق جذور الأزمة بين قطاع واسع من القبيلة وبين الرئيس, بحيث أدّت إلى حالة الغضب والاحتقان التي يعتقد أنها السبب في عدم نجاح الوسيط ” إيغاد ” في مشاوراته الأخيرة مع الشيوخ الرافضين للمشاركة في مؤتمر جوهر،  وفي مقدمتهم زعيم حوادلي, الذي أدلى بتصريحات غاضبة بعد أن انتهت المشاورات مع وفد إيغاد، فضلا عن نقطة المشادّات الرئيسة في مشهد محافظة هيران وشبيلي الوسطى والتي أدت إلى تقاطع مصلحة أقرباء أمس، والمتمثّلة في تنافس القبائل في من يظفر بنصيب الأسد من القسمة ويحصل على  منصب الرئاسة في إدارة الإقليم المزمع تشكيلها.

2- التشبث بالمواقف وعدم الاقتراح بحلول وسطية : بدل النزول إلى حلّ وسطي ينهي الأزمة الراهنة يطغى طابع التمادي و التشبث بالمواقف على أطراف الأزمة, وبطبيعة الحال يعمق هذا الأمر الأزمة الراهنة والتي لا يمكن حلحلتها إلاّ بوجود نوايا حسنة، وشيء من التنازل بين أطرافها عن مواقفهم الحالية, بحيث يمكن أن يتنازل الشيوخ في محافظة هيران عن مطلبهم التعجيزي في تقسيم هيران إلى محافظتين, ويتنازل الطرف الحكومي في المقابل عن موقفه المتمثل في انعقاد المؤتمر   في مدينة جوهر , كأن يتم نقل المؤتمر إلى  إحد المدن الأخرى المتوافق عليها في المحافظتين كمدينة بولوبردي مثلا  أو حتّى إلى العاصمة مقديشو, كل هذه حلول وسطيّة لو تمّ طرحها في أجواء ودّيّة يتوقع منها أن تساهم في إنهاء الأزمة التي طال أمدها، بسبب اعتماد أسلوب الإرغام والضغط على الشيوخ المعارضين للمؤتمر للإذعان لشروط وأوامر الحكومة, حيث لا يكون دائما الضغط حلا ناجحا, خاصة مع مثل هذه الأزمات التي يكون  طرفا منها زعماء القبائل الذين هم في موقف أقوى لغلبة الطابع الأنانيّ القبلي عليهم مع توفر الطاعة العمياء لهم من رعاياهم وخلوّ طرفهم من مصالح خارجية  يمكن استخدامها كأوراق ضغط عليهم من الأطراف الدوليّة.

السيناريوهات المحتملة : بعد فشل مساعي إيغاد في إقناع الشيوخ المعارضين للانضمام لمؤتمر تشكيل الإدارة المنعقد في جوهر ,  ومع الاقتراب الوشيك لموعد الانتخابات, يتساءل المتابعون للمشهد في محافظتي هيران وشبيلي الوسطى:  إلى أين ستؤول الأمور  في المحافظتين, وماهي الخطوات التالية        بعد تعثر المشاورات ؟

هناك عدة سيناريوهات محتملة يمكن أن تؤول إليها الأمور:

السيناريو الأول : تشكيل الإدارة الإقليمية للمحافظتين مع غياب الأطراف الرافضة, وهذا السيناريو  وإن كانت له تبعات خطيرة إلا أنه هو الأبرز حتى الآن حسب المعطيات الحالية, وخاصة مع فشل المحاولة الأخيرة والتي قامت بها منظمة إيغاد التي هي الحكم الأخير  الذي يصدر القرار النهائي في السياسة الصوماليّة الراهنة حين تصل الأمور إلى طريق مسدود كما هو الحال الآن, خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات وعدم وجود وقت إضافي لإجراء مشاورات أخرى .

السيناريو الثاني : إجراء مشاورات أخرى مع الشيوخ كمحاولة أخيرة, هذه المرّة بتعزيزها بمشاركة الأمم المتحدّة ممثلة في مبعوثها الخاص إلى الصومال ميشل كينتج، والتي غابت عن كلّ المحاولات الماضية. وليس من المستبعد أن ينجح المبعوث الأممي في إقناع  الشيوخ المعارضين بالمشاركة في المؤتمر , خاصة مع امتلاكه وسائل ضغط كثيرة قد ترعب الأطراف الرافضة, كإحالتهم إلى القوائم السوداء لمجلس الأمن باعتبارهم معرقلين لمسار العملية السياسية الصومالية .

السيناريو الثالث : بقاء الأوضاع كما هي الآن, وخصوصا في ظل الأجواء المشحونة بمشاغل الإجراءات الانتخابية والاستعداد لها, وعدم توفر وقت إضافي لدى الحكومة لأعمال جانبيّة, مما يجعل المحافظتين تشاركان في الانتخابات منفردتين إن آلت الأمور إلى هذا التصور . 

وعلى العموم فإن مما لا يحتمل الجدال أن  أية محاولة لتشكيل الإدارة في المحافظتين خالية عن توافق المنظومة القبلية في هذه المنطقة تجعل الإدارة المنبثقة هشة غير قادرة على الاستجابة لتطلعات القبائل في المحافظتين .

زر الذهاب إلى الأعلى