الملك سلمان والمولد النبوي!

تداولت صحف ومواقع عربية ( اليوم السابع المصرية 14 ديسمبر 2015 على سبيل المثال) بأن الدولة السعودية أطلقت حزم الأضواء الخضراء من برج الساعة في مكة إيذانا بالاحتفاء بالمولد النبوي فان ذلك أمارة على الحكمة السياسية والتصالح.
فمع أنني حسمت موقفي من هذه البدعة الدينية التي لم يعرفها العالم الاسلامي خلال ست قرون أولى من تاريخه (ليس ثلاثة المفضلة فقط) بشهادة المدافعين عنها (ذكر أبو شامة وتبعه السيوطي في حسن المقصد في عمل المولد بأن ملك اربيل ابتدأه في عام 630 من الهجرة) ومع هذا فأرى -والله أعلم- أنه يصعب على أية حكومة في العالم اهمال رغبات قطاعات كبيرة داخل المجتمع الواحد درءا للاحتقان وتخلخل النسيج الاجتماعي الذي يمهد للهيجان ودفع بعضهم كرها نحو التحالف مع الأعداء ، وتقويض كيان الدولة التي لا تمثلهم ،وهذا ما يحدث حين يفشل السياسي في تحقيق الاستيعاب الاجتماعي بالتجمد على ما يراه صوابا في الأمور الدينية الخلافية أو غير الخلافية أو ما يراه المشايخ الرسميون.
ثم ان هذه ليست هي حتى المرة المليون التى تتعامل الحكومة السعودية بالمصلحة والبراجماتية.
تعاملت بالبراجماتية مع علاقتها بامريكا وبريطانيا ودول الغرب وهي تمس عقيدة الولاء والبراء مما سبب من هيجان الشباب ونشأة القاعدة بقيادة الراحل أسامة بن لادن .
وتعاملت نفس البراجماتية مع أصناف اللهو والأغاني في وسائل اعلامها، وتعاملت نفس البرغماتية في اقناعها للتيار الليبرالي ودعاويه في حقوق المرأة السياسية. وتعاملت نفس البراجماتية مع مسألة خطيرة جدا وهي التعامل بالربا في البنوك
فأيهما اكثر ضررا في الدين السماح بمسألة المولد أم الربا التي توعد الله بقتال المتعاملين فيها مع مسألة قال بها الكثير من العلماء ويمكن تقليل اثارها السيئة بل ويشارك في ذلك المعتدلون من التيار الصوفي.
سيجد الملك سلمان أن قراره هذا سيضيف عمر الدولة السعودية لمائة سنة اخرى، لأن ازالة الاحتقان وتسكين ثائرة الطوائف الصوفية وهي أغلبية كبيرة في العالم الاسلامي، سيكون له أثر كبير في ازالة الاحتقان وتسكين الحرب المستعرة في كل الأصعدة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي.
واليوم التيار الصوفي منقسم الى ثلاث أقسام تجاه الدولة السعودية:
القسم الاول يؤيد الموقف العام للدولة نظرا لأنها تواجه أعداء خطرين مثل ايران ولأنها تتحالف مع تركيا التي تعتبرها حامية كرامة المسلمين في هذا العصر.
القسم الثاني: يتعامل سياساتها باللامبالاة ويضمر لها العداء.
والقسم الثالث يناصبها العداء الفاحش الصارخ ومستعد حتى التحالف مع ايران وبوتين روسيا ومع كل الشياطين لأزالتها. وهذا واضح من الحرب القائمة في وسائل التواصل الاجتماعي، وتباين آراء المسلمين في المسائل المصيرية يدل على خلل خطير في العلاقة بين داخل البيت السني الكبير.
اذا شعر التيار الصوفي الانتماء الوطني والمساواة في الدفاع عن ارائه وتزول عنه المظلومية فان العافية ستنتشر في خلايا وأنسجة العالم الاسلامي وشعوبه في نظري حين لا يعتقد فريق الاضطهاد ويشعر فريق بالانتصار بل يتحقق الانتصار بعد اتاحة فرص متساوية للجميع.
ولا خوف على الاسلام من مسألة واحدة -مثل الاحتفال بالمولد-مع أن الغاية واحدة وهي تعظيم الرسول واشاعة محبته بين من يرى شرعيته، ودرء البدع والمحدثات من دين الرسول ( ويكفي في ذلك توقيرا وتعظيما للرسول صلى الله عليه وسلم )
وما زالت كلمة العلماء المسلمين ورأيهم غير ملتئم في المسألة بعد انتشار امرها ، وسيستمر الجدل ما بقى المسلمون على ظهر هذه البسيطة، والاسلام فيه خاصية مقاومة الانحرافات بما أبقى فيه فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوافر العلماء الصادعين بالحق الذابين عنه غير خائفين في الله لومة لائم.

محمد عمر أحمد

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى