جلسة مسائية جمعتني بمجموعة من طلاب الصومالين بالجامعات السودانية في خرطوم فقال أحد الطلاب الخرجين بأنه سوف يعود للسودان يوماً ولوطال به الزمان ، ولو وجدا فرصة للإستثمار فالسودان برأيه أحق بألإستثمار من غيره ، فتعالت الأصوات بين مؤيد ومستنكر ، إلى السودان من جديد يعني متاعب الموصلات ، والإنتظار تحت أشعة الشمس الحارقة في الجوازات ، وتأخر عن المحاضرات ، والدوران في الحوالات ، وطال الحوار وإنتهى بقول أحد الشباب والله سودان ياجماعة ما مثله بلد ، فعلاً لو نكتب عن متاعب التي يواجهها الطلاب في السودان تطول وتطول ولكنها لا تساوي شياً أمام ما قدمة السودان للصومال ، وإن كان ما قدمة لم يلمس في أول أمره بيوم وضُحاها كما إعتادت الطبيعة الصومالية التي تحب إن تستعجل النتائج ، فهو لم يبني لنا مطاراً ، ولم يشيد لنا طريقاً ، ولم يقدم لخزانتنا الملايين من الدولارات ، ولم يفتح في قنواته حملات إستعراضية لنجدة الشعب الصومالي المنكوب ، ولم يعقد المؤتمرات التمثيلية لحل أزمة الصومال.
فهو في الحقيقة مغلوب على أمره ، على عنقه عقوبات تمتد لسنوات ، وعلى ثقوريه الخارجية كم هائل من المعضلات ، و في داخل حدوده جروح تحتاج إلى مُعالاجات و مُعالاجات ، ولكنه رغم الأهوال التي تحيط به وتتربصه صابر على عسكنا تماماً ، أو كما يقولون باللهجة الدارجة ” زول رايق ” يأخذ كل الأمور بروية ، دعم الشعب الصومالي بهدؤ ، و أستقبل العراقي بتحفظ ، وفتح جميع أبوابه الحكومية والأهلية الخاصة والعامة للشعب السوري ، لم يمُن ولم ينافق ، ولم يقراء على لتلك الشعوب معاني الغربة ، ومتطلبات الوطن الجديد ، بل في السودان تُدفن الغربة ، أذكر أول يوم لي في جامعة الجزيرة لدراسة الماجستير قال لي الدكتور الأخت الأنصارية من فين ؟ “والأنصارية هو يلفظ يُشير لجماعة أنصار السنة في السودان التي من مظاهرها لبس النقاب ” قلت من الصومال ، قال مباشرة أهلاً بيك ، ما الصومال ناسناً يابنتي ،
من أهلاً بيك بناء السودان البنية التحتية للصومال ، فإذا كان في سابقاً الإمتياز الوظيفي والمعرفي والسياسي يُقدم لحامل الجواز الأجنبي ، فاليوم وغداً يكون الإمتياز للشهادات وبشكل الخاص الشهادة السودانية ، والتعليم السوداني ، و التدريب السوداني ، وليس هذا فقط ، بل السودان أعطى للشعب الصومالي فرصة نجاة التعليم من الزوال ، فبعد إنهيار كل المؤسسات وما فيها التعليم قدم السودان فرص المنح الدراسية لا محدوده التي كانت بمثابة القشة التي تعلق بها الغريق ، فلا جامعة حكومية ولا خاصة إلا تجد من بينها طلابها طالباً صومالياً يكتب وينقل ما سمع ، فلاعجب إذاً أن يكون للحضور السوداني في الصومال حضوراً ممتداً لاتوقفه حدود دويلات اللاند ، ولا تجاذبات العناد، بل أصبح أثره يلازم عادتنا اليومية البيسطة من الجبنه ، وفطور ساعة أحدى عشر ، ولبس الثوب ، وحتى تصرفاتنا العاطفية والسلوكية تلمس السودانية من بينها ، في السودان تعلمنا المعنى الحقيقي للمنظمات وتجمعات وكيف نحترم بعضنا ونسمع بحب لأصوات الأخرين ، في السودان رأينا بأن النهضة يمكن أن تقوم إذا تكاتفت الأيادي.
قال لي أخي بعد ما أستقبلني في المطار خرطوم الدولي : دراسة مرة آخرة ! وهذه المرة دكتوراة في جامعة إفريقا العالمية ! متى سوف تنتهي علاقتك بالسودان يا فاطمة ؟ قلت له ببساطة لا تنتهي لأني شربت من نيلها .