نظرة الفقه الإسلامى للمواطنة

كانت المواطنة قبل الإسلام وفي العصر الجاهلى قائمة على أساس القبلية والعشيرة؛ وبعد بزوغ فجر الإسلام جعل صفة المواطنة تتم بطريقتين: إماعقيدةً بحيث يكون الفرد بمجرد اعتناقه للإسلام مواطناً للدولة الإسلامية أو دار الإسلام، وإما عقد الذمة والمعاهدة، ويتمتع بكافة الحقوق والواجبات على هذا الأساس، أما الأخيرين (الذمى، والمعاهد) فقضيتهم وضع الإسلام أحكاماً واضحة وبيّن ماعليهم ومالديهم من حقوق وواجبات مما هو متوفر ومفصل  في تراثنا الفقهى.

فهذا هو الأصل في ما يتعلق بالمواطنة في الإسلام في العصور القديمة، أما تنزيل ذلك في ظل الدولة القطرية والنظم السياسية المختلفة والأطر الجغرافية المتباعدة، وفي ظل إنقسام العالم الإسلامى إلى دويلات كلٌ تتمتع بنظامها ومؤسساتها وشكلها الخاص، وفي ظل قواعد القانون الدولى وما يصاحبه من قيودات وفروضات يجب للدول إحترامها والالتزام بها بحيث يترتب الجزاء للدولة الخارقة؛ كل ذلك يشكل مجموعة من الصعوبات والعقبات التي تقف أمام تطبيق وتنزيل الشكل المنصوص في الفقه الإسلام.

ومن هنا نرى أن بعض العلماء المعاصرين قد اجتهدوا وذهبوا إلى إمكانية قيام النظام الفدرالى أو الكونفدرالى – مثل أوروباوأمريكا- مقام الخلافة أو الدولة الإسلامية الشاملة، نقول: هذا اجتهاد مشكور ومعتبر وممكن اذا اتفق العالم الإسلامى ذلك، لكن ليس بسديد أن نسمّى باسم الخلافة لأن نظام الخلافة نظام سياسى إسلامى وله طرق وأساليب خاصة يجب توافرها لقيامه؛ وهناك تقييدات وشروط يجب استيفائها لمن يريد رأس الخلافة ومن دونه من المناصب.

ومنهم _ أي علماء العصر_ من يرى بأنه لو اختفى لفظ “الخلافة والخليفة” من حياة المسلمين إلى الأبد، ما نقص ذلك من دينهم مثقالَ ذرة ولا أصغرَ منها، ولكن إذا اختفى العدل، واختفت الشورى، وشرعية الحكم ليوم واحد، فتلك طامة كبرى. ( نقلاً عن الفقيه الجزائرى أحمد الريسونى) .

 بقي أن نشير فيما أثير بأن أصحاب المشروع الإسلامي والإسلاميين لايؤمنون المواطنة والوطنية، ونعلم أن منهج الإسلاميين “المعتدلين” ماهو إلا منهج النبوى الشريف والخلفاء الراشدين، وإذا تعرجنا قليلاً ونظرنا نظرة خاطفة لأسوتنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم وموقفه في المواطنة وحب الوطن، نراه  يوم أن أوذي وأرغم على الخروج من مسقط رأسه وأحب البقاع اليه  وبحثه إلى ملاذ آمن هو وأصحابه يمنكه التحرك والدعوة الى الله بحرية مطلقة يقول بحب وحنين “ولولا أن قومى أخرجونى منك ما خرجتك” ، وبعد هجرته الى المدينة وعك أبا بكر وبلال واستوخم الصحابة جو المهجر الذي آواهم ثم أخذت تستيقظ غرائز الحنين إلى الوطن المفقود، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبّر أصحابه على إحتمال الشدائد والتضحية لنصرة الاسلام، ودعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بأن يحبب اليهم المدينة كحبهم مكة أو أشد حباً.

 ونجد أن ” بلالاً” ينشد لحنين مكة فيقول:

 ألاليت شعرى هل أبيتن ليلة   بواد، وحولى إذخر وجليل.

وهل أردن يوماً مياه مجنة    وهل يبدوَن شامة وطفيل. ( نقلاً عن فقه السيرة ، لمحمد الغزالى).

أما إذا نظرنا موقف الحركات الإسلامية المعاصرة في ذلك؛ نرى مؤسس كبرى حركات الإسلامية في عالمنا اليوم نجده يوضح رأيه في المواطنة والوطنية وحب الوطن فيقول – وهو حسن البنا- (1949-1906م) رحمه الله في رسالته “دعوتنا” :” إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها إليها والانعطاف نحوها، فذلك أمر مركوز في فطرة النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى … ولقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف مكة من (أصيل) فجرى دمعه حنيناً إليها وقال: يا أصيل، دع القلوب تقرّ.

وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه فنحن معهم في ذلك… وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد إرشادهم إلى طريق استخدامه هذه التقوية في مصالحهم فذلك نوافقهم عليه أيضاً”.

ثم يستطرد ويوضح بأن هذا الإنتماء الصادق للوطن لايتناقض مع الإنتماء للوطن الأكبر وهو العالم فيقول: ” فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره” ( نقلاً عن موقع “مقالاتي” للكاتب محمود حسن جناحى).

ويقول الأستاد مصطفى الطحان في كتابه ( تحديات سياسية تواجه الحركة الإسلامية) ” لانعتقد أن عالمية الإسلام تصادم وتحظر المشاعر الوطنية مادامت لاتتجاوز الحدود إلى الاستعلاء الأرضي أو العرقي_ أي الفاشية”. ( المرجع السابق).

عبد الرحمن أدم حسين

خريج كلية الشريعة والقانون ، جامعة افريقيا العالمية والآن يحضر الماجستير في نفس التخصص بجامعة القرآن الكريم، الخرطوم - السودان
زر الذهاب إلى الأعلى