الجدار العازل بين الصومال وكينيا وأثره على العلاقة بين البلدين

لتحميل الملف على صيغة pdf الجدار العازل بين كينيا والصومال

مقدمة عامة:

أثار اعتزام الحكومة الكينية بناء جدار عازل في حدودها مع الصومال في يونيو الماضي بعد هجمات دامية على أراضيها وتغييرها لمعالم الحدود بين البلدين جدلا واسعا في كل من مقديشو ونيروبي، حيث طالبت الحكومة الصومالية من كينيا إعادة النظر  في هذا القرار الذي وصفته بأنه غير مشروع.

وقد وجد الصومال دعما إقليميا حيث أدان البرلمان العربي سياسية الأمر الواقع التي تريد الحكومة الكينية فرضها على سيادة الصومال من خلال بناء جدار عازل على الحدود الصومالية الكينية غير الرسمية وسعيها أيضا على قطع مساحة من المياه الإقليمية للصومال وترسيم خريطة جديدة لتحقيق اطماع إقتصادية حول نهب الخيرات البحرية والثروات الطبيعية لجمهورية الصومال.

وعلى الرغم من أن اللجنة المشتركة من البرلمان ومجلس الوزراء برئاسة وزير الدفاع الصومالي  لتقصّي الحقائق حول انتهاكات كينيا في الحدود وذلك بإزالة المعالم الحدودية بين الدولتين وبناء جدار داخل الأراضي الصومالية أصدرت تقريرها حول نتائج تقييمها، وذلك في بيان صحفي مساء أمس حيث ذكرت أنها لم تلاحظ أي نشاط لبدء بناء جدار عازل بين البلدين، أو إزالة لمعالم الحدود بين البلدين.

جذورأزمة الحدود بين البلدين:

كانت الحدود بين البلدين محل نزاع قبل استقلال كينيا بثلاث سنوات حيث طالبت الحكومة الصومالية الفتية من بريطانيا التي كانت تستعمر كينيا بتقرير مصير  الصوماليين في مقاطعة (NFD) الكينية، وعدم اعترافها بحدود المستعمر، وبعد استقلال كينيا عام 1963م ورفض بريطانيا بطلب الصوماليين قامت ثورة في المقاطعة استخدمت فيها كينيا أشد أنواع التعذيب ضد الصوماليين، حتى تم الاتفاق بين البلدين في ظل حكومة محمد إبراهيم عقال على الاعتراف بالحدود الحالية وإنهاء أزمة (NFD) بالطرق السلمية عام 1967م، حتى انهارت الدولة الصومالية ولم تحدث أي مشاكل في الحدود.

ومنذ عام 2010م بسطت حركة الشباب سيطرتها على الحدود الكينية، وقامت باختطاف عمال إغاثة وسيَّاح داخل الأراضي الكينية، الأمر الذي حتم كينيا على إرسال جنودها إلى الصومال لأول مرة في أكتوبر 2011م لمطاردة عناصر حركة الشباب، وسيطرتها على مدن في محافظة جوبا السفلى مثل طوبلي وأفمدوبي وقوقن، وفي عام 2012م سيطرت على مدينة كيسمايو من أكبر معاقل حركة الشباب في الجنوب، إلا أن انتقام الحركة من كينيا بلغ حدا الهجوم على مركز تجاري مهم في وسط نيروبي في سبتمبر 2014م وقتلها العشرات، تلتها هجمات دامية داخل الأراضي الكينية.

وكانت أكثر الهجمات دموية تلك التي حدثت في جامعة غاريسا في ابريل من العام الجاري وراح ضحيتها أكثر من148 معظم من طلاب الجامعة،ومنذ ذلك التاريخ ظلت الحكومة الكنية تعتدى على مواطنها والمسلمين منهم بصفة خاصة حسب ما ذكر التقرير التمهيدي الذي اصدرته اللجنة الوطنية الكينية للحقوق الإنسان المعنون ب”خطأ مكافحة الإرهاب بالارهاب”وخلص هذا التقرير الي وجود انتهاكات صارخة للحقوق الانسان.

مبررات كينيا على بناء الجدار:

وتقول كينيا بأن غرض بناء الجدار هو وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين والتهديدات الأمنية من قبل حركة الشباب التي اقتحمت جامعة غاريسا في أبريل 2015م وقتلت 147 شخصا على الأقل، وفي يوليو قتلت حركة الشباب  14 شخصا من عمال المحاجر معظمهم مسيحيون بالقرب من بلدة مانديرا في الحدود مع الصومال، وبالتالي فإن بإمكان الجدار وقف الهجمات وتدفق المهاجرين غير الشرعيين على كينيا، وأن لها الحق في حماية مصالحها.

غير أن كينيا – حسب بعض المراقبين – تحاول من خلال تحركاتها الأخيرة اقتطاع أجزاء من الأراضي الصومالية بالتزامن مع إجراتها الرامية إلى استحواذ مساحات من أملاك البحرية الصومالية المتوقع أن تحتوي على كميات كبيرة من النفط والمعادن الثمينة الأخرى، وهذه الايام تتحدث عن عدم نيتها عن سحب قواتها من الصومال مما يثير  غضب واشمئزاز لدى الشعب ودوائر صنع القرار السياسي على السواء.

رد فعل الحكومة الصومالية:

وقد رفضت رئاسة الجمهورية وئاسة البرلمان ووزارتا الأمن والداخلية قرار كينيا في بناء الجدار، وقالت الحكومة الصومالية بأن الجدار العازل لن يكون حلا لوقف هجمات حركة الشباب ضد كينيا، بل قد يؤدى إلى مشاكل لكلا البلدين، ودعت كينيا إلى العدول عن القرار.

وترى مقديشو أن الجدار المزمع بناءه بين الحدود الصومالية الكينية لايؤدى إلا إلى مزيد من الاحتقان بين الشعبين ، وتوتر العلاقات المتوترة أصلا في عدة ملفات متمثلة بقضية الخلافات الحدود البحرية، والوجود العسكرى لكينيا في الصومال، وقضية اللاجئين وغيرها، ويعمق من الشعور القائم بأن كينيا لديها أجندات خفية تجاه الصومال.

ولا تملك الحكومة الصومالية مزيدا من الأوراق للضغط على كينيا غير البحث عن مساندة وحلفاء من القوى الإقليمية والدولية كي يتم ممارسة الضغط على كينيا، مع أن الحكومة الكينية تمتلك مزيدا من الأوراق من بينها اللاجئين ووجود القوات العسكرية والعلاقة مع الكيانات الإقليمية الأخرى.

 

الهشاشة الأمنية في كينيا:

في السنوات القليلة الماضية عانت كينيا من فراغ أمني نتيجة لاستشراء الفساد في أروقة الحكومة الكينية مما أدى إلى تعرضها إلى هجمات دامية بداء من الهجوم على مركز ويست غيت التجاري في سبتمبر 2014م وانتهاء بمجزرة جامعة غاريسا وقتل العديد من الكينيين المسيحيين.

وقد أثارت نوعية ردة الفعل الحكومي تجاه المسلمين في الساحل الكيني وشمال شرق البلاد إلى توترات عرقية وطائفية، وتنفيذ اغتيالات من كلا الطرفين وهجمات انتقامية، واعتقالات تعسفية أدانتها منظمات حقوقية دولية، حيث اغتيل عدد من شيوخ مسلمين في الساحل، مقابل قتل العديد من المسيحيين في قرى مثل لامو وغيرها.

وتضرر القطاع السياحي – وهو من أهم الناتج الاقتصادي القومي – جراء الهشاشة الأمنية إثر الهجوم على قرى ساحلية واختطاف وقتل العديد من السائحين.وهذه القضية ليست جديدة في الساحة،فالمسلمون مهمشون في كينيا،ومشاركتهم السياسية ضعيفة،رغم تولي سيد مسلمة من أصل صومالية حقيبة الخارجية في حكومة رئيس اهورو كينياتا الا انها مشاركة صورية بالنسبة لما يدور على الارض

العلاقة بين بناء الجدار وملف الحدود البحرية:

ويرى بعض المراقبين بأنه ليس هناك نوايا جدّية لبناء الجدار العازل بقدر ما يكون عبارة عن ممارسة ضغط على الصومال حول ملف الحدود البحرية التي شكت الصومال إلى محكمة العدل الدولية، ومن المحتمل جدا أن ينتهى التحكيم لصالح الصومال بعد سنوات قليلة قادمة، وترفض كينيا ردة فعل حكومة الصومال وذهابها إلى المحكمة، وتريد أن يتم ذلك عبر التفاوض.

غير أن الكاتب والمحلل السياسي عبد الرحمن سهل لا يرى ذلك، بل ينبغي أخذ نوايا كينيا في بناء الجدار محمل الجدّ، وأن هذا التحرك الكيني مرتبط بهجمات حركة الشباب على المصالح الكينية وعلى مؤسساتها المدنية ومواطنيها داخل كينيا، وبالتالي فإن الرد الكيني لايختلف عن ردود الدول بإغلاق الحدود.

هل بناء الجدار يمنع هجمات حركة الشباب:

حسب مبررات كينيا فإن من أهم أهداف بناء الجدار هو وقف هجمات حركة الشباب على المصالح الكينية داخل الأراضي الكينية، والحفاظ على أمن المواطنين الكينيين من تهديدات حركة الشباب، ولكن السؤوال هل هل لدى الكينيين أجهزة مراقبة على السياج الأمني الممتدد على طول الحدود مع الصومال التي تقدر بـ 800 كلم.

 

غير أن بناء جدار في الشريط الحدودي لن يوقف هجمات الحركة حسب ما يرى الكاتب والمحلل عبد الرحمن سهل ، وله أيضا آثار اقتصادية اجتماعية على السكان الصوماليين الذين فرقتهم الحدود سابقا، وبالتالي فإن الوسيلة الوحيدة المناسبة لمواجهة المسلحين هو المواجهة المباشرة معها داخل الأراضي الصومالية.

ويرى محلل آخر فضل عدم ذكر اسمه أنه إذا تم بناء الجدار فسيعجّل من ردة فعل الطرف الصومالي بشقَّيه الشعبي والرسمي – وهو ماحدث حاليا مما نسمع من نداءت القوم من إعلان جهاد ونحوه – إضافة إلى النية المبيَّتة لبعض القبائل التى إذا شعرت تهديدات كينيا فمن شأنها ان تساعد المتطرفين، ويجدوا منها حاضنة شعبية لتكثيف الهجمات ضد كينيا بشتى الوسائل.

أثر بناء الجدار على العلاقة بين البلدين.

كانت العلاقات الصومالية الكينية متوترة منذ أن فاز حسن شيخ محمود بالرئاسة في سبتمبر 2012م، وخاصة بعد مساندة كينيا لأحمد مدوبي في صراعه مع الفصائل الأخرى، وحسم الصراع لصالحه، والوجود العسكري الكيني أيضا، وقد زادت مسألة الحدود البحرية بين البلدين التوتر في العلاقات الثنائية.

ويرى الكاتب والباحث الصومالي مهدي حاشي أن تحسن العلاقة أو توتّرها يمكن تقييمها عندما تكون بين بلدين متكافئين في القوة واالنفوذ، أما وضع الصومال الحالي فلا يمكن التنبؤ بقرارات مسؤوليه، لأن الأمور ليست بيدهم.

وقال مهدي لموقع مركز مقديشو: “إشكالية دول الجوار مع الصومال ستبقى قائمة ليست مع كينيا وحدها وإنما إثيوبيا أيضا، لأن الفرقاء الصوماليين أيضا غير متفقين على استراتيجية موحَّدة للتعاطي مع تلك الدول بما يخدم مصالح الصومال خاصة مع الدول التي لها قوة عسكرية على الأرض، لأنها هي صاحبة السطوة على الأرض بعيدا عن الخطابات البلاغية والبيانات النارية التي لا تسمن ولا تغني من جوع”.

وتعتبر إدارة جوبالاند بزعامة أحمد إسلام مدوبي من أقوى حلفاء كينيا، وحث أحمد مدوبي في تصريح له تناقلته بعض وسائل الإعلام السياسيين والمواطنين الصوماليين على التحاشي من كل ما يثير أزمة سياسية بين بين الصومال وكينيا، مشددا على ضرورة تسوية الخلافات بالطرق الدبلوماسية.

وقال أحمد مدوبي إن كينيا تحتضن آلافا من اللاجئين الصوماليين في مخيمات اللاجئين، كما يعيش آلاف صوماليون آخرون في العاصمة نيروبي، مشيرا إلى أن كينيا جديرة بالشكر على استقبالها المواطنين الصوماليين في بلادها، وأشار إلى أن إدارته جوبا التي تدير المناطق الحدودية مع كينيا لن تقبل إقتطاع شبر من أراضيها”.وهذا التصريح يحمل في طياته مبشرات خاصة وان المحارب القديم ورئيس ادارة جوبا المؤقتية يعرف نويا كينيا أكثر من سياسي آخر في البلاد،وانه وان جاء الي سدة الحكم وهو محمول على ظهر دبابة كينية الا ان الرجل معروف عنه مواقفه الوطنية والتي يحسب لها.

ويرى المحلل عبد الرحمن سهل أن هناك ترويجا لمعلومات غير صحيحة من سياسيين صوماليين مقيمين في مقديشو العاصمة حول نهب أرض الصومال إلا أن اللجنة المشتركة أنهت هذا الجدل الذي استمر لفترة، ومن الأهمية بمكان إبعاد المؤثرات القبلية عن هذه القضية، وإن الجميع مسؤولون عن حماية البلد وسيادته.صحيح ان هناك تحركات كينية على طول الحدود بين البلدين،لكن قضية ازالة المعالم الحدودية بين البلدين تبقي القضية الساخنة التي يدور حولها جدالا واسعا بين السياسيين وقادة الرأي كما الشعب وقادة المجتمع المدني.

مصير اللاجئين الصوماليين بعد بناء الجدار:

منذ أن زادت الهجمات على كينيا قررت كينيا ترحيل اللاجئين الصومالين، وإغلاق مخيم داداب الكبير ، وقد أدانت منظمات دولية والحكومة الصومالية هذا القرار المفاجئ، وبدأت الصومال بمساعدات دولية في إعادة مئات من اللاجئين إلى الصومال.

ولا شك أن بناء الجدار العازل سيأزّم مسألة وجود اللاجئين الصوماليين على الأراضي الكينية، خاصة اللاجئين المقيمين في معسكر داداب  الذي يتكون من ثلاث مخيمات هم إيفو وحكرطير ودكحلي، ويعيش فيه نصف مليون لاجئ، وهو من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم، ويقترب من الحدود الصومالية الكينية، وكان المخيم في السنوات الأخيرة يعاني من حالات إنسانية صعبة.

وتعجز المنظمات الدولية والحكومة الصومالية عن إعادة هذه الأعداد الغفيرة من اللاجئين في الفترة القليلة القادمة وإعادة دمجهم مع المجتمع في الصومال، و قد أشار أحمد إسلام مدوبي رئيس إدارة جوبالاند في أثناء زيارته الأخيرة في تلك المخيمات مع وفد يضم  رئيس الوزراء الصومالي أن إدارته ستستقبل اللاجئين الصوماليين وتوفر لهم مأوي في داخل إدارته، ومن ملاحظ أن عودتهم الى الوطن ليست بالأمر السهل كما تتصورها دولة كينيا، وأن بناء الجدار سيساهم أزمة اللاجئين الصوماليين مما يجعل عودتهم غير ممكنة في الوقت القريب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى