هكذا حققت حلمي

كانت تعيش في كوخٍ صغير في وسط العاصمة الصومالية مقديشوا، مع أمّها المصابة با الشلل و أبيها الأعمي، وكانت هي الإبنة الوحيدة التي رزقهما الله بعد عشرون عامًا من العقم، لم تعرف طعم الحلوي والسكاكر كباقي الأطفال في طفولتها البائسة، وكانت تطعم أبويها بقطع من الخبز الجاف كما تطعم الأمّهات أطفالهن، وكانت تنام ليلا وفي خاطرها أمل بأن تكون تلك الشخصية التي تغيّر مسيرة حياتهما إلي الأفضل.

في يومٍ، سألتها أمها “إسرى ماهو حلمك في الحياة؟”، فردّت إسرى سريعاً “أريد أن أكون أفضل طبيبة في العالم لكي أخرجكما من هذه الحياة المظلمة” فقالت الأم “بإعتقادك وإصرارك ستصلين إن شاء الله ما تريدين”.

مرت الأيام وكبرت إسري، وأصبح عمرها خمسة عشر عاما، إستطاعت من خلالها أن تنال شهادتها الثانوية، ووجدت منحة دراسية من جامعة مقديشوا، بسبب تفوقها ونجاحها الباهر في الثانوية. وطبعا إلتحقت با الجامعة وقد حصرت حلمها كله بأن تكون أفضل طبيبة في العالم لكي تعالج أبويها وتنوّر لهما حياتهما.

وفي يوم من الأيام، عندما كانت في طريق رجوعها من الجامعة، كانت القوّات الإفريقية المتواجدة في الصومال “أميصوم” قد أقبضتها بتهمة أنها عمِيلة(جاسوسة) لحركة الشباب، وأخذوها إلي السجن ووضعوها في غرفة مظلمة من غرف السجن، وأغلقوا عليها الباب ثم تركوها، فصاحت بأعلي صوتها “أتركوني فإن لي أُمّا مصابة باالشلل وأبا أعمي أطعمهما –باالله عليكم- دعوني أطعمهما وأرجع اليكم” ولكن للأسف كان صوتها مجرد صدى يتردد من حولها دون أن يسمعه أحد، وظلت في السجن ثلاثة أيام، وبعدها أطلقوا سراحها بعد أن تحققوا أنها بريئة.

وعلي الفور أسرعت إلى أبويها، وبعد دقائق قليلة وصلت إليهما، وكانت المفاجئة أنهما قد فارقوا الحياة!! كانو قد ماتوا جوعا بعد أن فقدوا من يطعمهما الخبز الجاف التي اعتادوا عليها. ووجدت على فراش أمها خطابا مكتوبا فيه “قد بقيت وحدي هنا 40 عاما أتجرع مرارة الوحدة ومرارة العقم، وكنت أدعوالله – سبحانه وتعالي- أن يرزقني بأحد أحبه و يحبني، ورزقني الله إيّاكِ بعد صبر طويل ودعاء مستمر، وأحببتكِ من كل قلبي، وليس لي في الدنيا أحد سوى أنتِ، لذا أردت أن أكتب لكِ آخر نصيحتي. –ياابنتي- مهما كانت الظروف والتحديات، ومهما كانت الصعوبات والعقبات، فلا تيأسي عن تحقيق حلمك. وتذكري دائما أنه ليس هناك أصلا مكان لليأس في قلب المؤمن”. “آه آه لومتُّ قبلهما” هكذا قالت عندما أنهت قراءة الخطاب، وقد ملئت عينيها دموع الحزن.

جلست وحيدة تحت شجرة تفكر وتتألم، وبينما هي في حزنها وألمها، فإذا بنملة تمر أمامها وتحمل شيئا أكبر منها، فجلست قرب النملة، و بدأت تسد عليها طريقها، لم تتحطم النملة بل بدأت تشق طريقا أخر بكل سهولة، فسدت عليها الطريق الآخر، ثم وجدت النملة طريقا ثالثا، فسدت عليها الطريق الثالث ووجدت طريقا آخر. وأخيرا حطمت حفرة النملة ومسحت من على الأرض، ولكن النملة لم تستسلم إلي اليأس، بل بدأت تحفر حفرة أخري باالقرب من الأول.

من هنا تعلمت إسري من النملة شيئا عظيما، وهو عدم اليأس والإلتزام باالطريق وإصرار عجيب علي الإنضباط. ومن هنا بدأت إسري حياتها من جديد، وبذلت كلّ جهدها لكي تكمل مسيرتها وتحقق حلمها. وبعد أن شعرت الكثير من الضيق والحزن والوحدة والألم، وعانت الكثير من الحروب الأهلية والفوضى السائدة في بلدها الحبيب. حققت حلمها، وأصبحت من أعظم أطباء العالم، وأسست أكبر مستشفي للمجانين في مقديشوا. وكتبت في جدرانه هذه الكلمات “هنا في أخطر عاصمة في العالم، حققت حلمي”. كانت تحب الفقراء وتُداويهم مجانا لمعرفتها لحياتهم الصعبة. أحبت وتزوجت ورزقها الله الكثير من الأولاد، وعاشت طيلة حياتها با السعادة.

والآن. أنت وأنا ونحن جميعا نستطيع أن نحقق أحلامنا الجميلة كما فعلت الطفلة إسري، فهيا جميعا نجعل الآلام والأحزان مقدمة لأحلامنا، ونجعل الصعوبات والعقبات سلما توصلنا الي النجاح، فما تأخر من بدأ. وأخيرا إخواني وأخواتي أقول لكم: دائما تذكروا أن مرارة الفشل مهما طال وقتها سوف تنتهي يوما من الأيام، ولكن لذة النجاح ليست لها نهاية.

بقلم: مهد إبراهيم يوسف. كاتب ومدون صومالي مقيم في الخرطوم. يدرس في جامعة افريقيا العالمية. كلية النفط والمعادن. قسم النفط.

مهد إبراهيم يوسف

كاتب ومدون صومالي مقيم في الخرطوم. يدرس في جامعة افريقيا العالمية. كلية النفط والمعادن. قسم النفط.
زر الذهاب إلى الأعلى