عباقرة لهم أصول في منقطة القرن الإفريقي (46) الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الكدلي الزيلعي (6)

إنتاج الزيلعي العلمي و الثقافي:

وقد أشرنا فيما سبق بأن الشيخ  عبد الرحمن الجدلي الزيلعي قام بتدريس العلوم الشرعية وما له علاقة باللغة والأدب فترة طويلة وفي أكبر من موقع حتى أصبحت دروسه موضع الإعجاب، بل وذاع صيدها إلى الآفاق وبالتالي هرول إليه مجموعات من طلبة العلم لينهلوا من علومه الفياضة. كما قام الزيلعي بتربية جيل فريد حمل رسالة الإسلام يتجولون في المنطقة مثل ما  كان شيخهم الزيلعي الذي جال البلاد ، وكان الزيلعي يصطنع أحياناً  الأناشيد الدينية  ذات أوزان معينة عرف فيما بعدالأوزان الزيلعيةوكان هدف الشيخ لاستقطاب الناس إلى مراكز الدعوة ، لأنّ الزيلعي أحسّ بأن أهل الصومال يميلون إلى صناعة الشعر والطرب وما له القوافي الموزونة ومن هنا فكر في إبداع هذا المجال والمشاركة في موهبتهم ولكن في استخدام في الدعوة الإسلامية وصرف الناس إلى مراكز العلم والمعرفة، حتى لاقت صناعة الزيلعي وفكرته بالقبول ، و انقاد كثير من الناس إلى مراكزه وانضموا إلى طريقته، بل واعتبروه مجدداً دينياً ، وأصبحت الطريقة القادرية بفرعها الزيلعي موضع اهتمام الناس ، لأنها جمعت بين التصوف والتعليم والتربية في البلاد،  وعمت منطقة القرن الإفريقي.

ورغم أنّ الزيلعي أعطى جلّ جهده لاخراج جيل صالح لحمل الرسالة ويقوم بنشر العلم في المنطقة، إلا أنّ موهبته في الإبداع والتأليف لم تهدأ حتى أخرج إلينا مجموعة من الرسائل والكتب ذات صلة في مجال العلم وتربية النفس التي كان مشغولاً بها في حياته العلمية والدعوية. ويقال إنّ الزيلعي ألف على ما يربو علي خمسة وثلاثين كتاباً ، غير أنّه مما وصل إلينا لا يتعدّى إلى ثمانية كتب ما بين مطبوع ومخطوط. وتنقسم مؤلفات الزيلعي إلى ثلاثة أقسام ، قسم اضطر أن يضع إلى طلابه الذين ألزموا أنفسهم لحلقاته العلمية ، تسهيلا لهم بحيث وضع لهم بعض الرسائل وشروحها مثل كتابهحديقة التصريف في علم الصرف، غير أنه رآى بأنّ الكتاب يحتاح إلى تسهيل وشرح ببعض ألفاظه ، فألف كتابهفتح اللطيف شرح حديقة التصريف“. وقسم أخر من مؤلفات الزيلعي تهدف إلى تربية النفس وتزكيتها وهي من باب التخلية والتحلية ، فكان أن ألف كتابه إلقام الشكيمة لأرباب الغيبة والنميمة. أما القسم الثالث فجاءت على موهبته الأدبية وخاصة في مناحي الشعر والنظم ، وأغلبها قصائد وأشعار لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم. وجل مؤلفات الزيلعي تمّت عندما استقر في مستوطته قلنقول ، ولم نجد أي من مؤلفاته تمّ عندما كان في بلدته مبارك في محافظة بكول ، أو عندما كان موجوداً في مقديشو ، أو حتى في جكجكا. ومن بين مؤلفات الزيلعي:

حديقة التصريف في علم الصرف

وهو عبارة عن أرجوزة في علم الصرف وضعه الشيخ العلامة عبد الرحمن الكسلاني وهي مشهورة في القطر الصومالي وغيره من الأقطار الإسلامية المجاورة للصومال، مثل جيبوتي وإيثوبيا وكينيا وتنزانيا. ومهما  كان فإن الكتاب عبارة عن أرجوزة منظمة بالقوافي في أبواب علم الصرف وأبنيته، فجاءت جملة كافية لمقاصد هذا الفن حاوية، كما قال المؤلف نفسه، ولكنه استخدم بعض الألفاظ والأساليب القديمة. وهذا الكتيب الصغير متناول على أيدي طلبة العلم لاسيما القاصدين والراغبين في تعمق علم الصرف وضروبه ،كما الكتاب متداول أغلب أهل العلم الدارسين والقائمين على حلقات العلم في المساجد وأروقة العلم في المدن والأرياف معا، مما يدل على أهمية الكتاب ومؤلفه, وهي أي الأرجوزة سهلة في حفظها وقرائتها ، لكنها صبعة في فهمها وفك غموضها ، وهو مما لاحظ المؤلف قبل رحيله إلى رفيق الأعلى حتى شرع في وضع رسالة أخرى تكون شرحا للأرجوزة وتحل معانيها وتفك لغزها، وهو الكتاب الذي يأتي مباشرة. ويذكر بعض الباحثين أسباب لتأليف الكتاب، ومن بين هذه الأسباب أنّ الشيخ الزيلعي أراد أن يبرز عضلاته في اللغة العربية ومذى قدرته بالتأليف في اللسان العربي وقواعده في تصريف الكلمة وموازينها،فقد قيل: إن الزيلعي حينما انتهى من إنشاد قصيدتيه: جوهرة الوسيلة، وكنز الحقائق في غرض الابتهالات والتوسل واجه نقداً مراً لاذعاً من قبل بعض العلماء في المدن الصومالية الغربية؛ فقالوا: إنه لم يأت بجديد، بل قدم قائمة بأسماء أبرز الشخصيات الإسلامية في العالم الإسلامي في عصورهم المختلفة؛ فأراد الزيلعي أن يرّد خصومه رداً حاسماً، وأن يجيبهم إجابة عملية؛ فألف كتابهحديقة التصريفوأرسله إليهم دون شرح، وطلب منهم متحدياً أن يضعوا له شرحاً، ولكن ما كان من هؤلاء المنتقدين، بعد دراسة الكتاب، إلا الاعتراف بقيمة هذا الكتاب الأكاديمية، وفضل مؤلفه، وغزارة علمه ومعرفته.”

كتاب:”حديقة التصريفو شرحهفتح اللطيف في علم الصرفالذي يأتي الحديث عنه قد طبعا في مصر في مجلد واحد من الحجم المتوسط عام 1938م: أي قبل سبعين عاماً تقريباً، وهذان الكتابان قام بحقيقهما الدكتور الشريف علوي، حيث قام بدراسة  وتحقيق كتاب حديقة التصريف وشرحه فتح اللطيق.

فتح اللطيف شرح حديقة التصريف

وهو شرح لكتابحديقة التصريف في علم الصرفالسالف الذكر، ومن البديقي أنّ الكتاب في أبواب علم الصرف، والدافع وراء تأليفه هو كما ذكر المؤلف نفسه في مقدمته حيث قال: ( .. ولما وضعت الأرجوزة المسماة بحديقة التصريف في علم التصريف، فجاءت بحمد الله جملة كافية، ولمقاصد هذا الفن حاوية، سنح لي ،أي ظهر لي أن أضع عليها شرحا يحل ألفاظها ، ويبين مرادها ، فجاءت بحمد الله كتابا جامعا للمرام، مناسبا للمقام ، وسميته : فتح اللطيق شرح حديقة التصريف“. إذاً الكتاب شرح وتبسيط لكتا آخر وضعه المؤلف نفسه ، كما كان عادة أهل العلم المشغولين لتدريس ولإلقاء الدروس العلمية المنعقدة لحلقات العلم الذي يقصد إليها طلبة العلم من هنا جاء هذا الشرح مفيدا ونفيسا يتناول على أبواب علم الصرف من أبنية الفعل المجرد وتصاريفه ، وفي حكم اتصال تاء الضمير أو بون بالفعل الماضي الثلاثي المعتل العين وألقاب الأفعال، وأبنية المزيد فيه ، وفي المضارع والأمر، وأبنية أسماء  الفاعلين والمفعولين، وأبنية الكثرة والمبالغة والمصادر ،والمفعل والمِفعل ، وبناء المفعلى ونياء الآلة. وهذا الكتاب يقع في 88 صفحة ن ويعتبر من أروع شروح علم الصرف ، وطبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر في يوم الأربعاء 20 رجب سنة 1357هـ الموافق 14 سبتمبر سنة 1938م.

إلقام الشكيمة لأرباب الغيبة والنميمة

ألف هذا الكتاب نتيجة انزعاج الزيلعي من انتشار الظاهرة الغيبة والنميمة بين شرائح المجتمع المختلفة، وبخاصة بين طلبة العلم أدى إلى تأليف الكتاب، لأنّه كان يرى بأنّ مثل هذه الأمراض تفسد علاقة المجتمع، وتؤثر في إشاعة الإخاء والوئام والمحبة بين أفراده، وعلى رأسها الغيبة والنميمةكما سبق ذكر ذلكأما سبب تأليفه للكتاب قال الزيلعي في مقدمة كتابه ” .. أما بعد فلما عمت البلوى بالغيبة والنميمة، ولم ينج منهما إلا نزر ممن خصوا بصدور سليمة حتى صارت المجالس، بل المدارس بهما معمورة، ومقالة من أنكرهما هي المنكرة، واستوى فيهما الكبير والصغير، والجليل والحقير، أردت أن أكتب على هذه الأوراق ما أحذر به عنهما نفسي، وأجنب به عن سوء حدسي، وما يتعظ من تدبر فيه ممن أراد أن يتعظ ويتذكر؛ فجمعت ما التقطته؛ واستفدته من كتب الأعلام، موشحاً به بذكر ما ورد في هذا الباب من الآيات العظام، والأحاديث النبوية الشريفة …” وجاءهذاالكتاب

على مقدمة، وسبعة أبواب، وخاتمة. وهو كتيب صغير لم يزل مخطوطاً حتى الآن.

توضيح لباب المعاني شرح حرز الأماني

ويعتبر هذا الكتاب من أهم مؤلفاته المخطوطة، وأكثرها سمعة، وأكبرها حجماً؛ فهو يتكون من 216 صفحة من الحجم الكبير حيث يبلغ عدد  الأسطر في كل صفحة حوالي 40 سطراً، وعدد الكلمات في كل سطر حوالي 15 كلمة. وقد رأيتُ الكتاب مخطوطاً بخط الزيلعي في مكتبة فضيلة الشيخ عبد الله بن الشيخ علي جوهر الغدبيرسي العامرة برفقة مع أستاذين كبيرين هما عبد الرزاق الطويل المعروف بعيسى طيري، ومحمد عمر أحمد، وأخبرنا بأنّه طلب من الشيخ القارئ عبد الرشيد بن الشيخ علي عبد الرحمن المشهور بـالشيخ علي صوفيأن يقوم بتحقيق الكتاب، حفظ الله علمائنا جميعاً. ويبدو أن الزيلعي كان يدرّس المنظومة المسماة بحرز الأماني، والمشهورة بالشاطبية في علوم القراءات مدة طويلة، وأن طلابه الذين أعجبوا بقوة تمكنه من معرفة هذه المادة طلبوا منه أن يضع لها شرحاً جديداً حتى تعم به الفائدة. استجاب الزيلعي لطلبهم، وبدأ في الحال القيام بهذا الجهد الأكاديمي الكبير؛ واستعان بكتابين من أهم شروح هذه المنظومة؛ واختصرهما في كتاب واحد، ولكن بعد أن أضاف إليه الكثير من مسائل هذا العلم، وسماهتوضيح لباب المعاني، شرح حرز الأماني“. وها هو ذا الزيلعي يتحدث عن أهمية هذه المنظومة العلمية، وعن شرحه الذي يأمل أن يساهم في تسهيل صعوباتها وتبسيط قواعدها وتحليل رموزها؛ فقال: “إن الله قد سهّل هذا العلم (علم القراءات) على طالبيه بما قد نظمه الشيخ الإمام العالم الزاهد أبو محمد قاسم بن فيرة بن أبي القاسم، خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي، رحمه الله، في قصيدته اللامية، المنظومة على الضرب الثاني من بحر الطويل، والمنعوتةبحرز الأماني، والتي بلغت في آخر الدهر إعجاب أهل العصر حتى نبذ الناس ما سواها من مصنفات القراءات، وأقبلوا عليها وحدها لما حوت من ضبط المشكلات، وتقييد المعضلات مع صغر الحجم وكثرة العلم“. وأول شارح لها هو الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي الذي تلقاها من ناظمها مباشرة، ثم سألني بعض الإخوان ـ أصلح الله لي ولهم الحال والشأن أن أكتب على الشاطبية شرحاً جديداً يحل ألفاظها، ويفتح رموزها بعبارة سهلة يفهمها المبتدئ؛ فلم يكن لي بد من الاستجابة إلى طلبهم، وإن لم أكن من فحول ذلك الميدان، وقد قيل: إن التشبه بالكرام محمود، واستخرت الله في ذلك، واختصرت هذا الكتاب من شرح أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي الشافعي المعروف بأبي شامة وشرح الشيخ ابن القاصح عاملهما الله بلطفه الخفي، وزدت فيه كثيراً من الفوائد والمعاني الجيدة، وسميتهتوضيح لباب المعاني شرح حرز الأماني.

تلخيص المعاني

وهو عبارة عن أرجوزة طويلة تتكون من 275 بيتاً، تناول فيها المؤلف أقسام علوم البلاغة الثلاثة: المعاني، البيان، البديع. ولكن بعد مقدمة موجزة في فصاحة الكلمة، والكلام، والمتكلم. وعلى كل حال فإنّ كتابه هذا يُعدّث من كتبه اللغوية سيما في علوم البلاغة، ويبدو أن المؤلف كان يخطط لوضع شرح على هذه الأرجوزة تماماً كما فعل مع أرجوزته في علم الصرف (حديقة التصريف)، إلا أن عائقاً ماقد يكون المنية أو غيرهاقد حال دون تحقيق ذلك“. والزيلعي في أرجوزته هذه متأثر إلى حد كبير بكتابتلخيص المفتاحلأبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بالخطيب العزويني، وكتاب تلخيص المعاني جزء من المخطوطة الكبيرة التي تضم أهم كتب الزيلعي التي ما زالت مخطوطة.

المجموعة المشتملة

وهذا الكتاب عبارة عن مجلد كبير يشمل ثلاث رسائل طبع في مصر عام 1938م في مجلد واحد  وهم:

ربيع العشاق في ذكر مولد صاحب البراق، وهو كتاب يتناول في السيرة النبوية، والنجم الوهاج في قصة الإسراء والمعراج، والفيض الرحماني في ترجمة بعض العلماء.

.

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى