الوضع الإعلامي في إثيوبيا

يُعدّ الإعلام سواء أكان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا من أهم المصادر التي تزود المجتمع بما يجري في داخله وفي ما حوله من الأحداث ، وهو السبب الواصل بين الفرد ودولته، والرابط بين المرء ومجتمعه، وهو المنبع الذي يُوفّر للحكومات والسُّلطات وسائر أصحاب القرارات المعلومات التي يبني عليها القرار.

ويشارك الإعلام بقوة في تنمية الاقتصاد  وترقية الثقافة  مع كونه – أي الإعلام – آلة حادة ذات شقَّين ، يمكن أن يعطل عجلة مسير الحكومة ، ويعكر صفوة إدارة البلاد  ؛ لذا أصبح الإعلام من السلطة الرابعة، ولا شك أن له من السلبيات ما يلزم الحذر  منه ، كما أن له من الإيجابيات ما يجعله مرغوبا فيه لدى الجميع، وليست الشاشة ولا الصحيفة هي المشكلة بل المذيع والمخبر والكاتب هو من يسيء الاستخدام أو يحسنه، والدول باعتبار مصالحها وبنظامها الخاص بها تختلف في إعطاء الحرية الكاملة للإعلام وطاقمه لكن بإشراف ومراقبة،  أو التقييد الكامل وإغلاق باب حريَّة الرأي ، وإن لزمت الحيادة، فيتم الفرض على الإعلام  التعتيم والحصار المطبق.

فبموجب الميثاق الإفريقي والدولي لحقوق الإنسان حماية الصحفي ورعاية حقوق التعبير والرأي الآخر أمر متأصل ، ومع هذا فلا تزال الصحافة المستقلَّة وصحفيوها  في القارة السمراء  تواجه التهديد والمخاطر  عند ممارسة مهامها وأداء واجبها.

وتعتبر إثيوبيا من تلك الدول التي تُشدِّد الخناق وتفرض القيود على الصحفي والصحافة  ولوكان يتحرى الحقائق ويجمعها ولا يجاوز اللباقة وأسلوبها  مع أن الدستور الإثيوبي الجديد والذي أجيز  بعد سقوط النظام السابق (منجستو)   ينص في القسم الثاني من مادة التاسع والعشرون في فقرته الواحدة  إلى الرابعة أن حرية الرأي والتعبير واستقلالية الصحافة  هي من أساس الحريات التي لاينبغي المساس بها سواء عبر  برأيه شفويا أو كتابة أوصورة يدوية أو غيرها.

ولكنها حبر على ورق ، ووعد بلا تحقيق ، ودعوة بلا أفق.

وأجاز البرلمان الإثيوبي عام 2006م قانونا جديدا يسمح للمدعي العام بمراقبة وسائل الإعلام تحت ذريعة “حماية الأمن الوطني” وفرض غرامات ضخمة على منظمات وسائل الإعلام المستقلة التي  تنتهك القانون، والقيود المشددة على حصول  المعلومات من جانب  وسائل الإعلام ، فمهما كانت المعلومات متوفرة ، والحاجة إلي إيصالها إلي المجتمع ماسّة ، فإن الإسكات الإرجباري ، والقمع العملي يعطلان الرغبة، ويجبران الصمت  إيثارا لسلامة النفس.

انتقادات وتنديدات:

ورغم محاولة الحكومة الإثيوبية بكل طاقتها كتمان الحقيقة إلا أن المنظمات الدولية والحقوقية تتابع عن كثب ممارسات إثيوبيا  نحو حرية التعبير واستقلالية الإعلام، غير أن الخبر استفاض وانتشر، وحينها تسارعت الدول الصديقة والهيئات الحقوقية  في توجيه التنديدات والإنتقادات  إلي الحكومة الإثيوبية بشأن تشديدها القيود على الصحافة وحرية التعبير.

وكان التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية الصادر في حزيران/ يونيو من هذا العام أشار  وانتقد القيود المفروضة على حرية الرأي و التعبير، والتهديدات للصحفيين ، وانتهاك حقوق الإنسان في إثيوبيا.

وكذلك أشارت منظمة العفو الدولية في بعض تقاريرها في عام 2014م  أن هذا العام شهدت فيه إثيوبيا مزيدا من العنف والتعديات المتزايدة على وسائل الإعلام المستقلة ، وأنه تمّ اعتقال عدد من الصحفيين بسبب آرائهم ، وأحيلوا إلي المحكمة بتهمة تحريضهم على العنف والإرهاب ، وإشاعتهم أخبارا تملؤها الفرية والزور والبهتان .

واتهمت منظمة “هيومان رايتس ووتش” – في تقريرها الصادر  من جوهانسبيرج يوم الخميس الثاني والعشرون من يناير في هذا العام – الحكومة الإثيوبية بقمع حرية الصحافة وأن السلطات الإثيوبية تتعمد بإغلاق الصحف ووسائل الإعلام الحرة، وأنها قد أغلقت منذ العام الماضي ست قنوات إعلامية مستقلة، ولاحقت ما لا يقل عن اثنين وعشرين صحفيا ومدونا وناشرا ملاحقة قضائية، وأوضح التقرير أن هناك أكثر من  ثلاثين شخصا آخرين  قد غادروا البلاد بعد التهديدات المستمرة  تجاههم خوفا على أنفسهم من الاعتقال.

وأشار التقرير  إلى أن معظم وسائل الإعلام تخضع منذ فترة للرقابة المشدَّدة من قبل  الحكومة، مما أدَّى إلى قيام القنوات القليلة الخاصة التي لم يتمَّ إغلاقها بعدُ باتباع رقابة ذاتية خوفا من الملاحقة القضائية .أهـ.

فالإعلام الحرّ في إثيوبيا شبه معدوم لا بسبب قانون يضايقه ولا عدم وجود طاقم متدرب ينقصه، ولكن يفقد تطبيقًا فعَّالا من قِبَل الحكومة في التزامها بموجب القانون الثابت في الدستور ، وبموجب المواثيق الدولية.

أسباب محاربة الإعلام:

مع أن بعض الدول الجارة لإثيوبيا مثل كينيا تتمتع الصحافة بحرية كاملة واستقلالية تامة إلا أن كثيرا من هذه الدول لا تبعد كثيرا منها حيث تصنف أريتريا من أسوء الحكومات معاملة مع الصحافة والصحفيين،  وأعربت لجنة حماية الصحفيين ( التي تتخذ من نيويورك مقرا لها)  بترتيبها الدولي من حيث قمع الصحفيين واعتقالهم بتبريرات غير قانونية  أن إثيوبيا تحتل المرتبة الرابعة  وأرتيريا تحتل المرتبة الثالثة.

ويمكن أن نرجع سبب مضايقة الصحافة إلي هذا الحد إلي سببين رئيسيين:

أولها : الحكم العسكري : فمنذ سقوط النظام الدكتاتوري منجستو هيلي مريم كان من المتوقع من الحكومة والجبهات التي استولت على زمام النظام إعادة الحريات وحقوق الإنسان، لكن أمسى الأمل يقِلُ ويضمحِل تدريجيا حتى وصل إلي ما لا يمكن وصفه، لأن الحكم كما دخل على أيدي العسكر والجبهات لم يزل على أيديهم ، وكان من المفترض أن يتحوَّل الحكم من العسكر إلى المدني، والمعلوم أن الأنشطة العسكرية مبنية على الكتمان والسرية،وحرية الصحافة تتطلب التدخل في الأمور الدقيقة وعرضها على المجتمع الدولي والمحلي ، ولعدم تطابق الطلبين أدى إلي اعتام جميع وسائل الإعلام .

ثانيها : الإغتصاب المالي : استغلال الحكم بالمآرب الشخصية ، ونهب  الأموال العامة واستخدامها في رغبات فردية أصبح عادة لا ينكر ، ومعروفا يستخدمه جميع مسؤولي الحكومات والهيئات ، بل بدل أن يُرى مسؤولية يعتبر هبة ومكافأة حباه العلم والجهد والسهر في المكتبات. وما من أحد يعيّن له مكتبا إلا سرعان ما يبني قصورا ودورا ،  وينسى أو يتناسى من كان  ينبغي له أن يولي الأهمية  والإعتبار .

وأخيرا فوسائل الإعلام الحرة هنا في إثيوبيا  تعاني من صعوبات متراكمة ، وتتقاسر المراقبة كالشبح اللازمة ، مما يؤدي  إلي تردد النفس بين اليأس عن العمل الصحفي والطمع فيه . فهناك مالا يقل عن عشرين صحفيا في السجون ،وبعضهم اختاروا الهرب والعزلة عن الوطن ، وآخرون آثروا الصموت وإطباق الشفتين إلى حين من الزمن .

زر الذهاب إلى الأعلى