المدن الصومالية [5]

مدينة مقديشو [3]

الحالة السياسية لمقديشو تاريخيا [القسم الثاني]:

5- الحكومة الشيرازية:

لم يجد الشيرازيون الفرسُ في الساحل سوى قوة عسكرية ضعيفة، ومشيخة مزقتها الخلافات فضلاً عن عدم اتحاد إمارات المشيخة ووقوفها قوة واحدة ضد الشيرازيين الذين وصلوا إلى مقدشو ومركة وبراوة.

وقامت حكومة الشيرازي بقيادة علي بن حسن الشيرازي في أواخر القرن الخامس الهجري بالهجوم على بنادر، واستطاعوا إحكام السيطرة على سلطنة مقدشو وملحقاتها بدون مقاومة، وبعد تمكنهم من الاستيلاء عليها أصبحوا الجهاز العسكري حيث طوروا ووضعوا حاميات عسكرية قوية، وقد كان هؤلاءالحكام الجدد يمتازون بأنهم حافظوا على الإنجازات التي تحققت في البلاد على أيدي من كان قبلهم في النواحي السياسية والتنظيمية حيث أبقوها وتركوها على حالها.

وعلى الرغم من ذلك إلا أن زعيم حكومة الشيراز لم يكن أحسن ممن كان قبله من حكام دولة زوزن، وخاصة فيما يتعلق بسياساته الاقتصادية الظالمة من تطبيق نظام الاحتكار، حيث كان يشتري القوت الضروري من الأسواق في أوقات توفره بثمن بخس زهيد ثم يدخر ويحتكر.[1]

6- دولة المفظريين:

استولت أسرة المظفر على مقاليد الحكم في مقديشو في القرن الرابع عشر، وأسرة (المظفر) هي من قبيلة بني نبهان العربية التي كانت تحكم عُمَان وعاصمتها مَسْقَط، وقد أصابها الاضمحلال والتفكك، وذلك عندما قامت بعض القبائل العربية الأخرى بطردها عن حكم مسقط فأدَّى ذلك إلى فرار سليمان بن المظفر إلى ساحل شرقي إفريقيا، حيث أسس إمارة عربية في (بيت Pate) عام 601هـ (1203م)، واستطاعت هذه الإمارة أن تبسط سيطرتها على (مقديشو) حوالي 740هـ (1331م) وأَنْ تَخلُف أسرة فخر الدين التي خضعت لسلطان الشيرازيين منذ عام 976م.

وكان الرحالة ابن بطوطة قد زار (مقديشو) في عام 1330م/ وذلك في أثناء حكم أبي بكر بن الشيخ عمر بن المظفر، وذكر وصفاً ضافياً لأحوال (مقديشو) الاجتماعية والسياسية.[2]

كذا ذكره غيثان بن جريس في بحثه، وفي ” بغية الآمال في تاريخ الصومال” للشريف عيدروس أن ابن بطوطة زار مقديشو في سنة 738هـ الموافق 1237م، ولعل فيه تحريف، لأن ابن بطوطة ولد بدايات 1304م.

إلا أن السلطان الذي ذكره ابن بطوطة وصفه بأنه من البربر ولم يكن عربيا، فضلا يكون مظفريا عُمانيا، وبالتالي ما ذكره غيثان غير صحيح، بل ابن بطوطة زار مقديشو أيام حكم الشورى الذي اقتسم فيه العرب والصوماليين حكم مقديشو، والشيخ كان صوماليا.

6- محاولة احتلال مقديشو من قبل البرتغال:

وفي عام 1499م سيطر البرتغاليون على ساحل شرق إفريقيا، بما في ذلك براوه ومركا بالقرب من مقديشو، وحاول فاسكو دي جاما قائد قوة البرتغاليين السيطرة على مقديشو، إلا أن (مقديشو) قاومت كل محاولات اليائسة للبرتغاليين بفضل وجود العنصر العربي، الذي ساعد على المقاومة، بالإضافة إلى أنها تمتعت بمناعة أسوارها وحصونها، واشتهرت بثروتها الضخمة وكثرة عدد سكانها، فلذا كانت مركزاً للمقاومة طيلة المئتي سنة التي قضاها البرتغاليون في هذا الساحل.

وفي المرات القليلة التي حاول فيها (البرتغاليون) ضرب مينائها بالمدافع والنزول بها، صمدت هذه المدينة الباسلة، وكان دفاعها قوياً وصامداً،وذكرت المصادر البرتغالية بأن (مقديشو) من أقوى إمارات الساحل، وتدعمها قوات ضخمة من الفرسان، لذلك كانت (مقديشو) هي المشيخة الوحيدة التي لم يستطع (البرتغاليون) إخضاعها، بل كانت تناصبهم العداء طوال مدة إقامتهم على الساحل.

وكان شيوخ (مقديشو) ورؤساء القبائل فيها قد بعثوا برسائل منهم إلى سلطان (عُمَان) صاحب أقوى بحرية في مياه البحار الشرقية يطلبون منه حق الإسلام والجوار، وذلك عندما تزايد الضغط البرتغالي على (مقديشو) فكانت استجابة سلطان (عُمان) سريعة وحازمة. [3]

يقول الشريف عيدروس: وفي سنة 1076هـ انتهى حكم البرتغال بواسطة الأمير الذي أتى من قبل عمان يسمى سالم الصارمي ومعه جيوش لا عداد لها، وطاف جميع إفريقية وأحرج جميع البرلغاليين من مقديشو ونواحيها ودامت هذه الحروب خمسين سنة، كان البرلغاليون يفعلون أمورا مكروهة لن ترض بها الإنسانية، وعندما ملك الأمير سالم الصارمي مقديشو جعل لكل قبيلة حاكما من شيوخهم.[4]

7- دولة برغش :

استولى السلطان برغش جميع البنادر في الساحل (مقديشو، ومركا، وملحقاتهما)، وكان حكومة برغش طوَّرت الحياة في مقديشو، وأنشاءت سورا كبيرا له عدة أبواب، وعندما تدخل قبائل البادية تضع سلاحها عند السدة التي يدخلون منها، وكان هذا قانونا مفروضا من قبل حاكم البرغش، واهتمت الحكومة بالأمن في البلاد.[5]

مقديشو في عهد الاستعمار الإيطالي:

بعد انتهاء دولة برغش استولت إيطاليا على سواحل الصومال بما في ذلك مقديشو  وذلك بتازُل عن السلطان برغش، وبرضاء الأهالي وعقدهم في عام 1889م، بعد ذلك بدأت إيطاليا تعقد مع الزعماء الصوماليين معاهدات حماية، وواصلت توسعها فى المناطق الداخلية بعد ان كانت مسيطرة على السواحل والمدن السواحلية.

ويبدو من المعاهدات الإيطالية مع شيوخ وزعماء القبائل أن هؤلاء الزعماء يضعون أنفسهم تحت رحمة الإيطاليين ويستسلمون استسلاما نهائيا.[6]

يقول الشريف عيدروس: “في عهد إيطاليا اتسعت العاصمة وكثر بها العمران وتباعدت بها المساكن، وأصبح بها عدة أحياء”، وقامت السلطات الإيطالية هناك تحسينات في نوع المباني وتعبيد الطرق وتأسيس المؤسسات والمصانع.

ومنذ بداية الخمسينات أصبحت مقديشو من أكبر المدن الصّومالية وأكثرها أهمية خاصة بعد ظهور  النوادي والأحزاب الوطنية المطالبة للاستقلال، بعد هزيمة إيطاليا ووضع الصومال تحت الوصاية الدولية في الفترة ما بين 1950-1960؛ وتمّ إعلانها عاصمة للصومال بعد الاستقلال عام 1960م.

ونستفيد من تعاقب السلطنات والمشيخات على مقديشو على مرّ العصور والأزمان وصراعات القوى المختلفة من العرب والفرس والإفرنجيين والصومالين في السيطرة عليها نستفيد من ذلك أهمية هذه المدينة من الناحية السياسية والاقتصادية والدينية ، وأن زيارة الرحَّالة ابن بطوطة لها في القرن السابع الهجري تدل على هذه الأهمَّية.

مقديشو رائدة العلوم الشرعية:

أصبحت مقديشو من أهم المركز الدينية في شرق إفريقيا حيث كان طلاب العلم يفدون إليها من كل جهة، ويشد العلماء الرحلة إليها، ، ويذكر الشريف عيدروس أنه كانت وفود من بلدان عربية بعيدة تأتي إلى مقديشو لتقلي العلم الشريف.

وكان لمقديشو مقرا لعلماء صوفيين أجلاء كان عندهم حلقات علمية، ومن هؤلاء العلماء:

1-الشيخ أبي بكر المحضار.

2- الشيخ محي معلم مكرم.

3- الشيخ عبد الرحمن الصوفي.

4- الشيخ الشيخ محمد فقيه يوسف الشاشي.

5- الشيخ قاسم البراوي.

6- الشيخ علي مؤمن.

7- الشيخ معلم محمد بيمالو.

8- الشيخ حسين عدي.

9-وغيرهم الكثير.

في القرن السابع الهجري سجلت بعض المصادر رحلات جموع غفيرة من طلبة العلم إلى الصومال؛ لينهلوا المعارف على أيدي علماء جهابذة كانوا يقيمون حلقاتهم العلمية في مساجد مقديشو التاريخية التي من أهمها مسجد (حمروين) الذي يعود تاريخ بنائه إلى أول محرم من عام 630هـ، وكذلك مسجد عبد العزيز، ومسجد فخر الدين، ومسجد أربع ركن، ومسجد الأحناف الذي بناه الشيرازيون في القرن السابع الهجري في مقديشو.

وفي وقت لاحق بدأ العلماء الصوماليين يرتحلون إلى أقطار العالم العربي وخصوصا مصر والحجاز والعراق واليمن للتزود من العلوم الشرعية والعربية، وقد أصبحت تلك الرحلات هي الأخرى روافد غذت الحلقات الشرعية بفنون ومعارف أضيفت إلى رصيد العلماء الصوماليين من العلوم العربية والفقه والدراسات الشرعية المتنوعة.[7]

المراجع:

[1] د.محمد حسين معلم، “السلطنات الإسلامية فـي منطقة القرن الإفريقـي”، بحث نشر في شبكة الشاهد.

[2] غيثان بن علي بن جريس ” مقديشو … حضارة ضاربة في العمق”، مجلة العرب، العدد 3، السنة 30، ص 185-202، وعنها موقع الشاهد.

[3] المرجع نفسه.

[4] بغية الآمال في تاريخ الصومال، ص:98.

[5] المرجع نفسه ص:104

[6] حسن البصري شيخ عبد القادر، “الصومال في القرن العشرين” الحلقة السادسة، موقع مركز مقديشو.

[7] عبد الفتاح نور أشكر، مساجد الصومال.. معاهد علمية في مواجهة الانحراف، نشر في موقع إسلام أولاين، http://islamonline.net/3435

أنور أحمد ميو

كاتب وباحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى