الصورة الإيجابية للمستقبل (مقارنة بين الصومال ورواندا)(الأخير)

مقارنة اجتماعية

المتابع للشأن الرواندي يلاحظ القفزة الحضارية التي حققها المجتمع الرواندي خلال العشرين عاما التي تلت الأحداث التي مرّت بها البلاد، ورغم قرب العهد بالأحداث ووجود معظم الأطراف في تلك الأحداث على قيد الحياة إلا أن مظاهر الحياة في كيغالي عاصمة رواندا لا تشبه بأي حال من الأحوال تلك التي في معظم المدن الصومالية، فكلمة (القبلية) صارت غير مرغوب بها داخل المجتمع الرواندي، ومحظورة التلفظ حسب القوانين المحلية، وكنوع من التكفير–ربما– صار أي مواطن رواندي يرفض الانتساب سوى لوطنه الكبير، فنادرا ما يقول لك أحدهم اسم قبيلته، وربما كان ذلك نتيجةللضغط القانوني من قبل السلطة الدكتاتورية القائمة.

ومن خلال تعاطي المجتمع الرواندي مع أزمة الإبادة الجماعية، يتبين بوضوح مدى التوازن النفسيأوالعاطفي التي يتمتع بها شعب رواندا، فليس من السهل على البشر تجاوز الأحقاد خصوصا إذا كان الأمر متعلقا بالضحية أو المجني عليه،فقد كان المتوقّع من شعب التوتسي المنكوب أن يكيل بمكيالين ويردّ الصّفعة صفعتين على شعب الهوتو، سيّما وقد تمكّن من السيطرة على الحكم في البلاد، ولكنّ الذي حدث هو العكس، فقد بسطت الحكومة التي تسيطر عليها (الجبهة الوطنية الرواندية) -المنحدرة من التوتسي- عفوا شاملا للجميع، سوى من ثبت عليه الجرم واعترف بالذنب، وهذا من ضروريات العدالة، مما يسلّط الضوء على المرونة التي تعامل بها الشعب الرواندي مع الأحداث، بالمقارنة مع المجتمع الصومالي الذي تمكّن من إطالة أزمته بمهارة يضرب بها المثل، واستطاع رغم الظروف الاجتماعية المساعدة على إحداث التغير تعطيل تلك الظروف، بل تطوّر الأمر إلى سعي (البعض) للانفصال بشكل نهائي عن الخريطة الصومالية.

المثير للاستغراب عند المتابعين للشأن الصومالي فقدان الروابط المشتركة بين الصوماليين فاعليتها في إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم، ورغم تعدّد تلك الروابط وتنوّعها إلا أن المشاكل الأمنية والسياسية التي تعدّ من الآثار المباشرة للحرب الأهلية ما تزال قائمة، وهو ما لم يجد تفسيرا حتى الآن سوى أنها –تلك الروابط- تعطّلت عند ارتطامها بالقبلية التي تمكّنت من الانتشار، وتطوّرت لتسيطر على المؤسسات التعليمية والإدارية والتجارية لأول مرة، وقد بات الجميع يعرف ذلك.

إذا عرفنا بأن الرّوابط التي تجمع بين أفراد المجتمع الرواندي أقلّ من تلك التي تجمع بين الصوماليين، ربما فهمنا بأنّ المشكلة ليست في تحضّر المجتمع الرواندي بقدر ما هي في تخلّفنا وتأخُّرنا أشواطا عن مجتمعات العالم الثالث فضلا عما سواهم، ولعل الكثيرين منّا لن يعوا ذلك حتى تتجمع عليهم كل حقائق الدنيا.

مقارنة اقتصادية

للوهلة الأولى تبدوا المقارنة الاقتصادية بين الصومال ورواندا غريبة نظرا لامتلاك الصومال امتيازات اقتصادية رهيبة، وتواضع الإمكانيات الاقتصادية لرواندا، فليس هناك من موارد تعتمد عليها سوى قطاعات المزارع والسياحة، والضرائب، بينما تمتلك الصومال الإمكانيات الكافية لجعلها في مصافّ الدّول المتقدمة، ففضلا عن امتلاكها لأطول ساحل في إفريقيا، وما يحويه من معادن وخيرات لا تحصى، تمتلك الصّومال مخزونا نفطيا تقول بعض التقديرات أنه قد يجعل الصومال تحلّ في المرتبة السابعة دوليا، ومساحة زراعية تقدّر بـ 8 ملايين هكتار، وثروة حيوانية كبيرة جدا بمختلف أنواعها، إضافة إلى الكثافة البشرية الكبيرة، ورغم ذلك تعدّ رواندا اليوم أقوى اقتصاديا من الصومال، ولعلّ الغرابة تتبدّد عندما نعرف أن كيفية استغلال الموارد في كلا البلدين، والسياسة الاقتصادية التي تتبعها حكومات رواندا والصومال تختلف، ففي الوقت الذي تحرص فيه رواندا على استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق أقصى استفادة من مواردها الداخلية، وتحسين مستوى المعيشة لدى المواطن الرواندي، ينشغل الصومال بصراعاته الداخلية.

بحكم كون رواندا بلدا صغيرا وداخليا غير ساحلي فضلا عن كونه قليل الموارد والثروات المعدنية فإن من الطبيعي أن يكون اقتصادهمتواضعا، وهو ما يفسر كون الناتج المحلي القومي الرواندي في عام 1994م قبل أحداث الإبادة الجماعية (1.3 مليار دولار) في نفس الوقت الذي كان فيه الناتج المحليللصومال -والتي كانت تمرّ بعامها الثالث للحرب الأهلية- (3.3 مليار دولار)، ولا عجب في ذلك فالصومال يمتلك من الموارد الطبيعية والإمكانيات الاقتصادية ما لا تملكه كثير من الدّول الأوروبية والآسيوية فضلا عن الإفريقية، ورغم ذلك تتفاوت نِسب التطوّر الاقتصادي ما بين البلدين، كما تتفاوت نسب التطوّر العمراني لصالح رواندا لدرجة أنها حازت بجدارة تسمية (سنغافورة أفريقيا)، وذلك لاعتبارات تعود للاستقرار الأمني والسياسي في البلدين.

تشير التقارير والإحصائيات العالمية إلى تصدّر رواندا المرتبة الثالثة ضمن أفضل 3 وجهات استثمارية في كامل أرجاء القارة الأفريقية تسبقها جنوب إفريقيا وموريشيوس، ما يعني أنها الأولى في منطقة شرق أفريقيا، وتقدّر نسبة نموّ الاقتصاد الرواندي بـ 7% وذلك اعتمادا على المساعدات الدولية والقيمة التي تحققها قطاعات الزراعة والخدمات والسياحة، التي توفر قرابة 70% من مواطن الشغل في رواندا، وهذه النسبة تؤثر على انتعاش الاقتصاد في هذا البلد، وهو (ما لم يكن أبدا ثمرة الصدفة) وفقا للوزير الرواندي المكلف بشؤون أفريقيا فالنتان روغوابيزا.

بينما في المقابل تتخبط الصومال في تدهور اقتصادي رهيب منذ بداية التسعينات، فمنذ انهيار الحكومة ودمار البنية الاقتصادية التحتية للصومال لم تشهد البلاد حركة اقتصادية غير تجارة المواشي التي بقيت رائجة في الأسواق العالمية خصوصا في السوق الخليجي، باستثناء الحظر المؤقت الذي فرضته السعودية لسنوات قبل أن تتراجع عنه، وكذلك قطاعات الزراعة وإن لم تكن بنفس المستوى الذي كانت عليه تحت الحكم العسكري، وصيد الأسماك الذي ظل غير منتشر سوى في بعض المدن الساحلية في الصومال، أما فيما يتعلق بالقطاع الصناعي فيمثل 10% فقط من الناتج المحلي للصومال حاليا في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، ولعل الاستثمارات الصغيرة من جانب الجاليات الصومالية في الخارج وبعض الشركات المحلية صارت طوق النجاة للمجتمع الصومالي الذي خسر كل شيء في الحرب الأهلية.

إبراهيم عبد القادر محمد عبد الله

كاتب وباحث ، حاصل على الماجستير في الشريعة من الجامعة الإسلامية في أوغندا .. يعمل كأمين عام لجامعة شرق إفريقيا في بونتلاند .. ومحاضر في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة.
زر الذهاب إلى الأعلى