الحرب الأهلية الإعلامية

مقديشو (مركز مقديشو)- فرقة فنية مكونة من فنانات وفنانين من الفئات العمرية الشابة، يتم إلقاء القبض عليها في مطار “هرجيسا” فور وصولها إلى هرجيسا، لقيام الفرقة بحفل فني في “مقديشو”، والسبب اعتبار سلوكهم هذا “خطرًا” على وجود جمهورية صوماليلاند التي لم تحصل على الاعتراف الدولي على مدى ربع قرنٍ تقريبًا، الكثير من الكلام قيل والكثر من الماء جرى خلال الحديث عن الأسباب التفصيلية لإلقاء القبض عليهم، إنما ما حدث بالفعل كان أن تفتح أبواب الجحيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في حرب من عيار “داحس والغبراء”، بين أبناء الجزء المنفصل “صوماليلاند” وأبناء المناطق الصومالية الأخرى، في مزايدة كل من الطرفين على الوطنية “الانفصالية” والوطنية “الوحدوية”، والضحية: لا شيء سوى الأخلاق والقيم، ناهيك عن تعزيز حالة عدم الثقة، وازدياد العداء لدرجة من المرشّح أن تفاقم الأمراض النفسية المتفشية في شعب عانى كثيرًا من الصراع العبثي على أرضه وعبر كل بقاع الالتقاء الواقعية والافتراضية، تمامًا مثلما حدث منذ خمسة أشهر تقريبًا.

ماذا حدث منذ خمسة أشهر؟

كشف تسجيل مرئي سرّبه مواطن مقيم في مدينة “بربرة” المأساة التي تعرّض لها العائدون “الصوماليون” من اليمن في التاسع والعشرين من مايو الماضي، بالغًا عددهم 29 شخصا معظمهم من النساء والأطفال، لدى امتناع سلطات ميناء “بربرة” في جمهورية أرض الصومال “صوماليلاند” المعلنة من طرف واحد على خليج عدن، عن السماح لهم بالنزول من السفينة التي أقلّتهم في رحلة فرارهم من جحيم القصف والمعارك باليمن، بعد السماح للاجئين اليمنيين والإثيوبيين بالنزول، بصورة تسببت بصدمة كبيرة لدى الجميع، بدءًا بسكّان المدينة الساحلية، محدثًا حالة من الشدّ بين سلطة الميناء المطبقة للقرار، وسلطة المدينة الرافضة له، مما أوقع حكومة “هرجيسا” في وضع حرج، قادها إلى إبطالها القرار الذي أعلن عنه وزير الداخلية في “صوماليلاند”، خلال ساعات من بدء تطبيقه، مما أتاح استقبال العائدين الصوماليين، لحين تسهيل وصولهم إلى مناطق استقرارهم خارج حدود “صوماليلاند”، وفي محاولة من الحكومة لحفظ ماء وجهها، تم حبس نائب مدير سلطة الميناء بحجة تسببه في أزمة لم يكن هناك داعٍ لافتعالها، وقام رئيس حكومة “هرجيسا” بزيارة تفقدية لأوضاع أولئك النازحين!.

الخلفيات السياسية

كالعادة استغل عدد من الساسة في “مقديشو” الحادثتين، وعبّروا عن صدمتهم واستيائهم من القرارات غير الإنسانية، في حبس الفنانين وعرقلة اللاجئين، الذين اتخذتهما حكومة “هرجيسا”، مما أدى للمزيد من الاستنكار والشجب لذلك القرار، والذي كما يبدو فإنه جاء في ظل محاولة أرض الصومال الردّ على ادعاءات حكومة جمهورية الصومال الفيدرالية والتأكيد على سيادة “جمهورية صوماليلاند” على كافة أراضيها وخضوع كل مواطنيها لقوانينها.

مبررات أرض الصومال

قد بررت حكومة صوماليلاند، حبسها للفنانين عبر وزير إعلامها بكونهم موظفين حكوميين لديها، ولا يحقُّ لهم العمل في “مقديشو” التي تم الانفصال عنها، كما تم تبرير امتناعها عن استقبال اللاجئين العائدين المنحدرين من المناطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة بامتناع الهيئات الدولية عن تغطية نفقات المساعدات التي يحتاجها العائدون خلال مكثهم وما يجب تقديمه لهم لتسهيل عودتهم للأقليم التي ينتمون إليها خارج “صوماليلاند”. وإدعاء المسؤولين في “صوماليلاند” أن المساعدات تصب في “مقديشو” لهذا الغرض ولا يصل منها شيء إلى “هرجيسا” لتوجيهه إلى العائدين الذين ينزلون في ميناء “بربرة” التابع لها قبل “مقديشو”، إضافة إلى إبداء وزير الداخلية مخاوف من تسلل أفراد من المتطرفين التابعين لـ”حركة الشباب” المشاركين في أعمال قتالية باليمن، وقد قام القادة القبليون بتذكير حكومتهم في “هرجيسا”، بقدرة الشعب على تحمل تلك الأعباء، حتى يتم حل الإشكال مع الهيئات، في إشارة للتبرعات التي تم جمعها وحملها إلى “مقديشو” فترة الأزمة الغذائية الأخيرة سنة 2013م بالغة عدّة ملايين من الدولارات!

الدوافع الحكومية لإثارة البلبلة والتصعيد:

كما تكشف لنا الأحداث التي تلت أزمة اللاجئين في ميناء بربرة، فإن الحكومة في صوماليلاند شأن بقية الكيانات السياسية القائمة في البلاد، تحاول اختلاق أزمة، تثير بها الرأي العام قبيل تمرير أعمال مخالفة للدستور والقوانين، فما بين الأزمة السابقة والحالية، تم تمرير تأجيل الانتخابات، وتكشّفت صفقة مريبة لتأجير/استثمار ميناء بربرة لصالح بلد عربي نفطي، إضافة لمحاولة خصخصة وحدات تخزين الوقود في ميناء بربرة بصورة خلت من الشفافية بما يوحي بوجود خروقات للقانون، اختتمها الحزب الحاكم بمحاولة تجاوز صلاحيات رئيس البرلمان، بما دفع الأخير لاستخدام قبضته لاستعادة النظام من قبل نائبه الذي حاول تجاوزه لصالح تمرير مشروع الخصخصة الحكومي المريب.

رد الفعل الشعبي، حرب أهلية إلكترونية:

أشعلت الحادثتان رغم تداركهما حربًا إلكترونية، بدأت بصدور سيل من مقاطع الفيديو القصيرة لمواطنين صوماليين من خارج “صوماليلاند” يقومون بالتنديد بالتصرّف الحكومي الأرعن مع الفنانين والنازحين، ما قاد إلى اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بضخ من التسجيلات والإدراجات، والتعليقات المناهضة والرد عليها من الموالين للحكومة في هرجيسا.

إلّا أن السّمة العامة للطرفين المنخرطين في السجال الالكتروني كانت أنهم “في الغالب مغتربون”، وأن دافع معظمهم من خلال أساليبب تعبيرهم العنصرية في الهجوم والرد، انتماؤهم القبلي أو السياسي لمناطق “صوماليلاند” أو “خارجها” في حين أن الهدف الأساسي من تلك الأزمات المفتعلة هو إلهاء جميع الأطراف الشعبية الصومالية عن العنصرية القبلية الحكومية في كل المناطق وما تؤدي إليه من استمرار ممارسة الإجحاف والمحاباة والرشوة، بما يفسد حياة جميع المواطنين في الداخل ويحيلها إلى جحيم لا يطاق، والملفت أن هذا الهدف السياسيي غير المعلن لازال يتحقق دائمًا وبنجاح باهر على عكس معظم المشاريع التي يعلن عنها الساسة الصوماليون.

زر الذهاب إلى الأعلى