قراءة تحليلية حول قرار اللجنة المالية للبرلمان

لم يكن قرار اللجنة المالية للبرلمان الاتحادي يوم أمس تجاه الفساد المالي للوزارات، ومطالبة اللجنة من المدقق العام إحالة ملفات 19 وزراة متورطة بالفساد إلىالمدَّعي العام في غضون 30 يوما لاتخاذ الاجراءت القانونية اللازمة ومن ثم توجيه التهمة لهم رسميا ومحاسبتهم أمام القضاء، لم يكن مفاجئا بالنسبة للمتابعين لهذه لمسألة عن كثب كحال كثير من المواطنين المهتمين بالشأن العام بما في ذلك قضايا المحسوبية والفساد واختلاس أموال الدولة وإسناد المناصب العليا الحساسة في البلاد إلي ضعفاء النفوس غير المؤهلين وغيرها من المضحكات المبكيات التي تزخر بها السياسة الصومالية ، بالنسبة الي هذا الكلام المعسول والعبارات المنمقة ربما ليس جديدا في اسماع الشعب الصومالي،كما ان القضة هذه نفسها ليست جديدة في المشهد السياسي الهازل، إذ أعلن المدقق العام اثناء الازمة السياسية التي أطاحت بحكومة عبدالولي شيخ احمد محمد – وجود فساد مالي مستحكم في الوزارات السالفة الذكر،وما تلا ذلك من إعلان منع السفر من وزراء الحكومة ريثما تتم محاسبة المتورطين بالفساد ولكن سرعان ما اختفت تلك الدعوات وانتهت القضية بانتهاء العاصفة السياسية، وبات من الواضح أن الفرقعات الكلامية تلك لم تكن الا جزأ يسيرا من الزوبعة السياسية العاتية الهدف من وراءها بث الرعب في نفوس المعارضين لسحب الثقة من رئيس الوزراء وكسب المعركة ولو علي حساب القانون والتاريخ..

الجدل لا يدور حول وجود الفساد من عدمه ولكن!!

فقضية وجود الفساد المستشري في أجهزة الدولة عموما لا الوازارات فحسب قضية ثابتة ومبرهنة وغير قابلة لإثبات العكس كما يقول القانونيون،فالحكومة غارقة بالفساد الاداري والمالي من اخمص قدميها الي مفرقة رأسها إن جاز لنا استخدام تعبير”مفرقة الرأس”فالضرائب التي تؤخذ من الطبقات الكادحة لاتذهب إلي خزينة الدولة بل الي جيوب الطبقات المترفة المتخمة بتراكمات  الأرصدة في البنوك الأوروبية من الاموال العام المختلسة من بلد يعتمد علي المعونات والمساعادات الخارجية في دفع رواتب موظفيه وعماله، فالنائب أحمد دعالي كان صادقا يوم أمس عندما قال بلهجة موحية:”إن ضرائب مقديشو وحدها كافية بدفع رواتب الموظفين والعمال،ولكن أكثر من نصفها تنتهي الي جيوب خاصة”.

لكن السؤال الأبرز والذي يحتاج إلى قراءة متأنية قبل الخوض في الجواب عنه هو لماذا يثار هذا الموضوع بهذا التوقيت بالذات ؟ فالمتابع للمشهد السياسي الصومالي يدرك تماما بأن  القضية لاتخلو من تسيس كالمعتاد، ولكن من يحرك هذه الحبال ويلعب بهذه الأوتار المعطلة الا في في أوقات الازمات السياسة؟فالاجابة على هذا السؤال تتوقف على مدى فهمنا لسلوك صناع القرار السياسيي في بلادنا وخاصة القيادة العليا المتمثلة  في الرئيس وزمرته.

لماذا وكيف؟

واضح تماما أن الهدف من وراء هذا القرار هو زعزعة بعض الوزارء وتخويفهم قبل الإقدام علي التعديل الوزاري المرتقب،وتهيئة الأجواء المناسبة للإستعادة بعض الوجوه غير المرحبة بها الي الأضواء من جديد، وتشغيل البرلمانيين الرافضين لتعيين فارح عبد القادر المقرب للرئيس في منصب وزير العدل الدستور والشوؤن الفيدرالية استعدادا للانتخابات القادمة ويوظف كل القطاعات الفاعلة في الدولة بما فيها اللجان البرلمانية،كما أن القضية تهدف فيما تهدف الي صرف أنظار النواب عن قضايا الفساد الكبري.

إن قضية الفساد منتشرة في أجهزة الدولة والمتهمون المتورطون الكبار فيها يتمتعون بحصانة أبدية من الرئيس وجماعته، وجود هذا النوع من الفساد الرفيع المستوى المستعصي في الدولة عبرت عنه السيدة يسر أبرار محافظة البنك المركزي السابق في خطاب استقالتها الذي أرسلته الي الرئيس حسن شيخ محمود، حيث قالت بوضوح شديد: “ان قدرتي علي العمل لمصلحة الشعب الصومالي قد قوضت وسوف تستمر في التقويض من قبل أطراف في الادارة”، كما صرحت انها طلب منها بتوقيع صفقات تتعارض مع قيمها الشخصية وتنتهك مسؤليتها الائتمانية للشعب الصومالي”وهذا التعبير الصريح من هذه السيدة النزيهة يكشف لك مدى تغلغل الفساد في الطبقة الحاكمة في البلاد.

وقبل أن أنهي قرائتي لهذا القرار أود أن أشير إلى نقطة مهمة تستوجب التوقف عندها طويلا وهي اذا كانت الحكومة جادة في محاربة الفساد فلماذا لم تشكل اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد؟ فالجواب واضح، وأن هذه القرارات الصادرة من الجنة المالية للبرلمان تذهب كسابقتها في أدراج الرياح وأن الأوضاع ستعود الي سابق عهدها بعد إجراء التعديل الوزاري المرتقب، ويتبوء السيد فارح شيخ عبد القادر بمنصب وزير العدل والدستور والشؤون الفدرالية،فالأيام كفيلة بكشف المزيد من الحقائق.

 

زر الذهاب إلى الأعلى