حركة ” الأهل” تفك رموزها لأول مرة (2-5)

حركة ” الأهل” كان من حسناتها تنشيط الدعوة ، والتصدي لطغيان العلمانية بدأت تسمم الأجواء فنشأت حركة ” وحدة الشباب” تمثل اتجاها عكسيا يتصدى لهذه الأفكار الموبوءة، ويربطهم بالمساجد والدروس الشرعية، وفي الحلقة السابقة أشرت إلى أهمية هذه المذكرات التي صمدنا لعرض أجزاء منها وهذا نابع من إجابتها الصريحة عن أسئلة كثيرة تشغل بال المتابع لأحداث بداية الصحوة الإسلامية في الصومال، فهي تكشف عن طبيعة الحركة، وعلاقتها بالأفكار الإسلامية السائدة في ذلك الوقت، ورؤيتها وقياداتها، ثم انهيار الحركة وتفككها، وتعطي صورة عن الواقع الذي نشأت فيه وتحركت في خطواتها الأولى.

التأسيس والمنطلقات

كان تأسيس حركة اتحاد الشباب المسلمين المعروفة بالأهل عام 1968م تحديدا، وكانت الشخصية القوية ذات التأثير الكبير والتي مهدت لظهورها –إضافة إلى التحديات الحضارية والبحث عن الانتماء- هو أحد الشيوخ المشهورين آنذاك لكنه الآن مجهول لدى معظم الدعاة، وكان الشيخ محمد عيسى جُدُري ( من عشيرة عثمان محمود المجيرتينية) وكان عالما باللغة والأدب والتفسير والفقه، وقد من الله عليه بغريزة الشجاعة، وبسببها قاوم القوانين الإفرنجية، ودعا بقوة إلى تطبيق الشريعة السماوية فكان هو المحرك الأول لهذه الحركة في زمن كان من يطالب بالعودة إلى الشريعة يتعرض للازدراء، ويتهم بالرجعية والتخلف ،ولم يكن الشيخ محمد وحده في المقاومة، بل كان كثير من علماء الصومال وبعض التجمعات الإسلامية  آنذاك ينتقدون ويعادون القوانين الإفرنجية.. وكان تطبيق الشريعة بعد نيل الاستقلال من الأمور التي كانت قيادات “SYL ” تعتبره من أهداف الحركة، وكانت توعد للأمة بتطبيق الشريعة، فكان العلماء يستندون أيضا بهذا الوعد وبهذا المطلب. وفي عام 1961م قاد مقاومة جريئة، واستطاع جمع خمسمائة توقيع من العلماء والأعيان، وأقنع عبد الله جامع غالب رئيس البرلمان آنذاك، أن يعرض المشروع على البرلمان، فعقد اجتماعا طارئا للمشروع في البرلمان ” تطبيق الشريعة الإسلامية وإلغاء القوانين الغربية” أو تبديل القوانين المعمول بها حاليا وإحلال محلها الشريعة. كان عدد البرلمانيين في ذلك الوقت حوالي 124 نائبا، صوَّت اثنان فقط لصالح المشروع. الأول: الشيخ علي إسماعيل (رير عينانشى-من هبر يونس) كان عالما متخرجا من الأزهر، يقرأ التفسير في مسجد مرواس، واعتبر التصويت ذاته كفرا ، وصرَّح أن القضية مقطوعة وليس من القضايا الاختيارية حتى يصوَّت[ لها]… والثاني: سمعت – والكلام لصاحب المذكرات- أنه كان حاج بشير إسماعيل (عثمان محمود) بينما صوَّت الباقون 122 ضد المشروع (رفض الشريعة) ..قال: والغريب أن أن البرلمان في ذلك الوقت 1961م كان جل النواب من العلماء التقليديين الذين اختارهم الشعب بالفاتحة التي كانت علامة ضغط لإجبار الشخص بالعضوية إذ لم يكن من بينهم من يهتم بها..- وذلك بعد أن تمدنوا وتأقلموا وتفرنجوا وتذوقوا المال الحرام فاشتروا بأيات الله ثمنا قليلا..” ( مذكرات أو موسى،ص45 مخطوط).

أهداف الحركة

وتحت عنوان ” أهداف الحركة” يذكر أنه لم يكن لدى الحركة أهداف مكتوبة في الأوراق، وبدأت دعوتها بقول ” لا إله إلا الله ” نفيا وإثباتا، كانت تتوقف كثيرا على معنى النفي المذكور، مطالبة من كل أحد الكفر بالطاغوت والتمرد عليه مهما كان شكله، وكنا نعني الكفر بالطاغوت ” الملوك والرؤساء” الذين لم يستسلموا لله الواحد الأحدا، كما نعني كل من طغى وتكبَّر وتجاوز حد العبودية، كالدول المستعمرة، وهيئات ما يسمى بالأمم المتحدة وجمعياتها – والكلام لصاحب المذكرات- وما عرف في ذلك الزمن بالقوتين العظيمتين شرقها وغربها، والحكومات الموالية لهذه الدول، والقبائل التي تحكم بسوالفها وأهوائها، وحتى في أنفسنا وهوانا، كنا نقول إن هؤلاء ادعوا الربوبية، فعلى الموحدين أن يكفروا بها علنا، وإلا لن تنعقد لهم عقيدة، فالتزكية قبل التحلية ضرورة شرعية، والقوة العظمى الوحيدة هي القوة الربانية (ص:61- المخطوط).

اسم “الأهل” مجرد شفرة

يقول كاتب المذكرات: أما اسم ” الأهل” الذي شاع فيما بعد، لم يكن يوما من الأيام اسما للحركة، بل كان يستخدم كشيفرة غامضة “كود” بمعنى عندما يدور الحديث حول أمر يتعلق بانشطة الدعوة أو الإخوة،كان يستخدم مصطلح ” الأهل” كشيفرة لتضليل المخابرات، فعندما يريد الواحد منهم أن يستفسر أخبارا تتعلق بالنشاط أو الأخوة شاع بينهم استخدام” الأهل” أي ما أخبار العائلة بدل الجماعة أو الحركة، لكن كثرة استخدامه، وخروج الرعيل الأول من البلاد أوهم البعض أنه كان اسما للحركة، فشاع بين المتأخرين بهذه الطريقة، وصادف المصطلح فراغا ( نشاطا بلا اسم) فتمكن وشاع.أهـ

 الكفر بالطاغوت

   كانت مسألة الحكم بكتاب الله من العناوين البارزة في كل خطابها، وأن الحاكم الذي لم يحكم بكتاب الله يكون كافرا أصليا…و” لم يكن لدى هذه الجماعة أي فرق بين فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، وبين أي رئيس في دولة عربية أو أعجمية، ما لم يؤمن بالله العظيم، وما لم يحكم بكتابه الحكيم قضائيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وما لم يعادي الكفر ويوالي المؤمنين “( مذكرات أو موسى ص 62 مخطوط) وقد تجسدت هذه الرؤية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في يوم 26 مارس 1969م حيث” قدمت الجماعة خطباءها في كل المناطق، وألقت خطابها الناري الرافض للمشاركة في الهيئات التشريعية التي تشرع للناس ما لم يأذن به الله واصفة إياهم ب(المشركين الحقيقيين)..وكان ذلك أمام الجماهير، في المساجد، وفي المدارس، والمراكز العامة وفي الشوارع وعلى مسامع الناس” كذلك رفضت الجماعة المشاركة في صلاة جنازة  الغائب على الرئيس جمال عبد الناصر ووصفته بأنه ” كلب عقور مخلص للغرب الكافر “بعد أن اتشحت الأجواء بالتعازي والبكاء، وأقيم عليه مأتم وعويل وصلاة الغائب في كل أنحاء جمهورية الصومال بل إنها رفضت مشاركة صلاة الغائب على الرئيس الصومالي عبد الرشيد علي شرمأركي حين قتل في 13 أكتوبر 1969م في لاسعانود ، ولم يقل أحد من الحركة (رحمه الله) بل كانت العبارة الدارجة عندهم (عامله الله بما يستحق) ، لأن الاعتقاد كان جازما في كفر أي حاكم لم يحكم بكتاب الله كائنا من كان مهما صلى وصام وزعم أنه مسلم، وبما أن رئيس الجمهورية لم يحكم بكتاب الله، معنى ذلك أنه رفض كتاب الله ورماه وراء ظهره، وبهذا الاعتقاد لم يتردد أحد عن هذا الحكم-على الرغم من أنه كان من المترددين على أماكن العبادة، وأنه أخذ عهدا بتطبيق الشريعة إذا نجح في الرئاسة- (مذكرات أو موسى، ص 141مخطوط) بخلاف الشعب الصومالي فقد كان الشعور السائد هو أنه مسلم 100% وبعد قيام ثورة أكتوبر عام 1969م التي وصفها بأنها ” دولة ملحدة يقودها قيادة عساكر ملحدة متهورة ” وحظر نشاط الأحزاب وتكميم الأفواه تحولت إلى العمل السري التام في أواخر عام 1971م  أما حكومة الثورة العسكرية التي قامت 1969م فيصفها بأنها ” دولة ملحدة يقودها قيادة عساكر ملحدة متهورة ” ( ص: 253 مخطوط)

وما سبق دليل جلي على تبني حزب “اتحاد الشباب” الفكر التكفيري -جزئيا- وإضافة إلى ذلك فقد صرَّح صاحب المذكرات بأن ” اتحاد شباب المسلمين” رفض الوحدة مع منظمة النهضة التي كان يقودها الشيخ عبد الغني ومن أعضائها الشيخ غريرى والشيخ محمد أحمد غريري وقال:” نحن الذين تراجعنا عن الوحدة، وكان من الأمور التي سببت التراجع أن جل أعضاء النهضة، كانوا يعملون في وزارة العدل التي يتفرع منه قسم القضاء، وهي الوزارة التي كانت تنفذ القوانين الغربية التي اعتبرناها قوانين كافرة ظالمة، وأننا رفضنا أن يقود الحركة من يرتزق من هذه المحاكم المشاقة للشريعة كي لا تهتز مصداقيتنا الدعوية التي تكفر الطاغوت اي الحاكم بغير ما أنزل الله “.

ويقول في موضع آخر:” وكنا نتحفظ على الكبار من علماء (النهضة) لقبولهم أي منصب من الحكومات، وقد استغربنا قبول الشيخ عبد الغني وزير العدالة في دولة ملحدة يقودها قيادة عساكر ملحدة ومتهورة”.

 فظهر من هذا أن قادة الحزب كانوا يعتبرون الدولة كافرة بما أنها تحكم بالقوانين الكفرية بخلاف المجتمع الذي يبدو أن الجماعة لم تقرر بعده حكمه بشكل صريح.

لماذا لم تشارك في انتفاضة العلماء؟!

وكان من آثار هذا التوجه أن الجماعة لم تشارك في انتفاضة العلماء في يناير1975م إثر قانون الأحوال الشخصية حيث إنها حسمت القضية بتكفير الدولة وقوانينها، ولهذا لم تنزعج لقرار الثورة حسبما يقول صاحب المذكرات ” أما أعضاء الجماعة فلم تشارك في الخطب إذ كانت الحركة تنطلق من ثوابت فكرية، فلم تنخدع بالأسماء والأفعال، فالفئة الحاكمة هي التي رفضت الحكم بكتاب الله، وهي نفسها التي أعلنت العلمانية الإلحادية، هي نفسها التي ألغت الأحوال الشخصية، فالفئة لم تكفر اليوم كما ظن بعض العلماء المخلصين.. فهؤلاء هم كفار مجرمون ملعونون؛ لأنهم لم يكفروا فقط بل عادوا الدين وصدوا عن سبيل الله قال تعالى :” إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا” [ النساء/176]. …إذن لا جديد في الموضوع، ولا داعي للقلق، وأن الأحوال الشخصية فقط لم تكن يوما من الأيام تمثل الحكم الإسلامي، ولا تعبر عن مقاصد الشريعة، فوجوده وإلغاؤه بالنسبة لهذه الحركة وبالنسبة لرؤيتها في الدين سواء ” اهـ. ( مذكرات أو موسى، مخطوط، ص: 208].

– يتبع-

 

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى