قراءة رسالة ماجستير في السياسة الشرعية بعنوان:فقهُ مُناصحة ولاةُ الأمر في الدّولة الإسِلاميّة” (الأخير).

الفصل الرابع: كيفية مواجهة الولاة لمناصحتهم والمعوقات التي تحول دونها:

وركز هذا الفصل على مواجهة الولاة لمناصحتهم ومعوقاتها.قدمت الدراسة منهج السلف الصالح وهم المصلحون الأوّلون، وهم الأئمة المهتدون، هم ورثة الأنبياء والمرسلين، ونورٌ لمن يمشي في الظلماء فالسَّيرُ على طريقهم أمرٌ حميد ورأيٌ سديد؛ لأنه طريق الأنبياء الذي يرضاه الله عز وجل فطريقة السلف أعلم وأسلم وأحكم.

وأوردت الدراسة عشرات الأدلة من الكتاب والسنة والأثار وأقوال أئمة الهدي ومصابيح الدرجي،وإن من مقتضيات البيعة النصح لولاة الأمر،قال الله تعالى: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ سورة الأعراف ،الآية 68 .

قال ابن عبدالبر – رحمه الله-:” مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها “.

قال النووي- رحمه الله-: “أما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحقّ، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين, وترك الخروج عليهم, وتألف قلوب الناس لطاعتهم.

 قال الخطابي – رحمه الله-: “ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات اليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح”.

قال أبونعيم الأصبهاني:” من نصحَ الولاة والأمراء اهتدى ومن غشهم غوى واعتدى “، وهذا تأكيد لقول النبي [إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم: أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ].

كيفية النصيحة للولاة:

فإن النصح يجب أن يكون سراً وقد وردت في ذلك عشرات من الأدلة حوله، فعن عياض بن غنم رضي الله عنه قال : قال رسول الله: [من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده، فإن قبل منه فذاك، وإلاّ كان قد أدى الذي عليه].

و عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال : قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟ ” فقال: أترون أني لا أكلمه إلاّ أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه”.

قال النووي رحمه الله موضحا قصد أسامة قوله ” أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من افتتحه” يعنى المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ”.

عن سعيد بن جبير- رحمه الله- قال:” قال رجل لابن عباس- رضي الله عنهما-: آمر أميري بالمعروف؟ قال: إن خفت أن يقتلك، فلا تؤنب الإمام، فإن كنت لا بدّ فاعلا فيما بينك وبينه”.

النصيحة لولي الأمر لها أربع صور:

الصورة الأولى: النصيحة لولي الأمر فيما بينه وبين الناصح سراً.

النصيحة لولي الأمر سراً أصل من أصول منهج السلف الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج،إذ الأصل في النصح لولي الأمر الإسرار بالنصيحة وعدم العلن بها، ويدل عليه ما أخرجه أحمد في المسند عن عِيَاض قال قال رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم -:[ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّاّ كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ] .

ففي هذا الأثر أن النصيحة علانية أمر مُنكر تنتج عنه الفتنة، وأن الإسرار هو الأصل الذي تتم فيه النصيحة دون فتنة أو تهييج للرعية على الراعي لقوله – رضي الله عنه -: ” والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ” وقوله – رضي الله عنه” دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أوّل من فتحه… “.

قال النووي: ” يعني المجاهرة بالإنكار على الأُمراء في الملأ كما جرى لقتلة عثمان، وفيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم، ووعظهم سراً وتبليغهم ما يقول الناس فيهم ليكفوا عنه وهذا كله إذا أمكن ذلك، فإن لم يمكن الوعظ سراً والإنكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق “.

قال ابن النحاس رحمه الله: ” يختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد “.

وقال الشوكاني:” ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه ولايُظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله “.

الصورة الثانية: نصيحة السلطان أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً.

وهذه الصورة محرمة لا تجوز للأمور التالية:

1-   مخالفتها لحديث عياض بن غَنْم المتقدم الذي فيه الأمر بالإسرار.

2-   مخالفتها لآثار السلف ومنهجهم كأسامة بن زيد وعبدالله بن أبي أوفى وغيرهما.

3-   لقوله صلى الله عليه وسلم: [ من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله ].

الصورة الثالثة: نصيحة السلطان فيما بينه وبين الناصح سراً ثم ينشرها بين الناس، وهذه الصورة محرمة لما يلي:

1-   مخالفتها لحديث عياض بن غَنْم إذ الغرض والمقصود عدم إطلاع الناس عليها لما يترتب عليها من مفاسد.

2-   مخالفتها لهدي السلف مع ولي الأمر.

3-   لما فيها من الرياء وعلامة ضعف الإخلاص.

4-   لما فيها من الفتنة والبلبلة في الجبهة الداخلية.

5-   لما فيها من إهانة السلطان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله ] .

الصورة الرابعة: نصيحة ولي الأمر في غيبته من خلال المجالس والمواعظ والخطب ونحوها،وهذه الصورة محرمة لما يلي:

لأنها غيبة وبهتان على ولي الأمر قال تعالى ﴿وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًاسورة الحجرات ،الآية 12وأخرج مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ؟ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ” فنهى الله عز وجل ورسوله – صلى الله عليه وسلم – عن الغيبة ولا شك أن الكلام في ولي الأمر من الغيبة في غيبته إن كان حقاً فهو كذب،فإن كان كذباً فهو بهتان].

وقال ابن القيم- رحمه الله- : “مخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وعرفاً ، ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه” .

وقال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ” فِي الْإِنْكَار عَلَى السُّلْطَان وَالْفَرْق بَيْنَ الْبُغَاة وَالْإِمَام وَلَا يُنْكِر أَحَد عَلَى سُلْطَان إلاّ وَعْظًا لَهُ وَتَخْوِيفًا أَوْ تَحْذِيرًا مِنْ الْعَاقِبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإِنَّهُ يَجِب وَيَحْرُم بِغَيْرِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْره وَالْمُرَاد وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ بِالتَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِير وَإِلَّا سَقَطَ وَكَانَ حُكْم ذَلِكَ كَغَيْرِهِ “.

قَالَ أحمد حَنْبَلٌ رحمه الله: “اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ إلَى أَبِي عَبْدِ الله وَقَالُوا لَهُ: إنَّ الْأَمْرَ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا يَعْنُونَ إظْهَار الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْر ذَلِكَ وَلَا نَرْضَى بِإِمْرَتِهِ وَلَا سُلْطَانه، فَنَاظَرَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْإِنْكَارِ بِقُلُوبِكُمْ وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَة وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمْ، وَانْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيح بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاح مِنْ فَاجِر وَقَالَ لَيْسَ هَذَا صَوَاب، هَذَا خِلَاف الْآثَار.

وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ رحمه الله: ” سَمِعْتُ أبَا عبدِ اللَّهِ يَأْمُر بِكفِّ الدِّمَاء وَيُنكِر الْخُروج إنْكَارًا شَدِيدًا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الْكَفُّ؛ لِأَنَّا نَجِدُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَلَّوْا فَلَا خِلَافًا لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي جَوَاز قِتَالِهِمْ كَالْبُغَاةِ قَالَ الْقَاضِي: وَالْفَرْق بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَة الظَّاهِر وَالْمَعْنَى، أَمَّا الظَّاهِر فَإِنَّ الله تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِ الْبُغَاة بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَمْرٌ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَئِمَّة بِالْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَة، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ الْخَوَارِج يُقَاتَلُونَ بِالْإِمَامِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا يَحْصُل قِتَالهمْ بِغَيْرِ إمَام فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَمْ يَجُزْ الْجِهَاد بِغَيْرِ إمَام انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ رحمه الله: ” إنَّ الْجَمَاعَةَ حَبْلُ الله فَاعْتَصِمُوا مِنْهُ بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى لِمَنْ دَانَا كَمْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً فِي دِينِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَدُنْيَانَا لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَمْ تُؤْمَنْ لَنَا سُبُلٌ وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لِأَقْوَانَا وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِابْنِهِ يَا بُنَيّ احْفَظْ عَنِّي مَا أُوصِيكَ بِهِ: إمَامٌ عَدْلٌ خَيْرٌ مِنْ مَطَرٍ وَبْلٍ وَأَسَدٌ حَطُومٌ خَيْرٌ مِنْ إمَامٍ ظَلُومٍ، وَإِمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ .

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رحمه الله:  مِنْ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مَعَ السَّلَاطِينِ التَّعْرِيف وَالْوَعْظ ، فَأَمَّا تَخْشِينُ الْقَوْلِ نَحْو يَا ظَالِم يَا مَنْ لَا يَخَاف الله ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُحَرِّك فِتْنَة يَتَعَدَّى شَرُّهَا إلَى الْغَيْر لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِز عِنْد جُمْهُور الْعُلَمَاء قَالَ : وَاَلَّذِي أَرَادَ الْمَنْع مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُود إزَالَة الْمُنْكَر وَحَمْلُ السُّلْطَان بِالِانْبِسَاطِ عَلَيْهِ عَلَى فِعْلِ الْمُنْكَر أَكْثَر مِنْ فِعْلِ الْمُنْكَر الَّذِي قُصِدَ إزَالَته قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ الله عَنْهُ : لَا يُتَعَرَّض لِلسُّلْطَانِ فَإِنَّ سَيْفَهُ مَسْلُول وَعَصَاهُ” .

وقال ابن رجب الحنبلي: “وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم ووجوب إعزازهم في طاعة الله، ومعاونتهم على الحقّ وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ولين ومجانية الوثوق عليهم ،والدّعاء لهم بالتوفيق وحث الأخيار على ذلك”

 قال الإمام يحيى بن معين رحمه الله: “ما رأيتُ على رجلٍ خطأً إلاّ سترته، وأحببتُ أن أزين أمره، وما استقبلتُ رجلاً في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك وإلاَّ تركته “.

وقال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أمام الناس: “يا أمير المؤمنين: إنك أخطأت في كذا وكذا، وأنصحك بكذا وبكذا، فقال له علي رضي الله عنه:” إذا نصحتني فانصحني بيني وبينك، فإني لا آمن عليكم ولا على نفسي حين تنصحني علناً بين الناس”.

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ” وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سراً”، حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه”.

ويقول الإمام أبو حاتم بن حبان البستي رحمه الله: “النصيحة تجب على الناس كافة على ما ذكرنا قبل، ولكن إبداءها لا يجب إلاّ سراً؛ لأن من وعظ أخاه علانية فقد شانهُ، ومن وعظه سراً فقد زانه، فإبلاغ المجهود للمسلم فيما يزين أخاه أحرى من القصد فيما يشينه”.

ويقول عبد العزيز بن أبي داود رحمه الله: ” كان من كان قبلكم إذا رأى الرجل من أخيه شيئاً يأمره في رفق، فيؤجر في أمره ونهيه، وإن أحد هؤلاء يخرق بصاحبه، فيستغضب أخاه، ويهتك ستره”.

ويقول الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله: ” ولا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه، فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة وملك، لا مؤدي حق أمانة وأخوة، وليس هذا حكم العقل، ولا حكم الصداقة، لكن حكم الأمير مع رعيته، والسيد مع عبده”.

ذكرت الدراسة فنُ النصيحة للأمراء والحكماء:  

1-   أن تعتقد وجوب طاعتهم في غير معصية الله، هذا من النصيحة لهم؛ لأنك إذا لم تعتقد ذلك فلن تطيعه.

ومن الذي أوجبها ؟ الله عز وجل في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، وفي قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم[ إسمعوا وأطيعوا وفي مبايعة الصحابة له على ذلك كما في حديث عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، ويسرنا وعسرنا ، وأثرة علينا]

2-   أن نطيع أوامرهم إلاّ في معصية الله، وإن عصوا يعني لو كانوا فُسَّاقاً يشربون الخمر، ويعاقرون النساء، ويلعبون القمار يجب علينا طاعتهم، حتى في هذه الحال وإن عصوا ، لكن إنْ أمروا بالمعصية ، ولو كانت أدنى معصية ، ولو لم تكن كبيرة ؛ فإنه لا يجب أن نطيعهم .

ولكن هل نُنَابذ أو أن نقول لا نستطيع أن نفعل، ونقابلهم بهدوء لعلهم يرجعون، يتعين الثاني،لأن منابذتهم قد تؤدي إلى أن يركبوا رؤوسهم ،وأن يُلزِموك ويُكرهوكَ على الشيء , لكن إذا أتيتَ بهدوء ونصيحة، وقلت: ربنا وربك الله، والله عز وجل نهى عن هذا ، والذي أوجب علينا طاعتكم هو الله عز وجل، لكن في غير المعصية، وتُهادِؤُه، فإن اهتدى فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتدي وأجبر ، فأنت معذور لأنك مُكرَه .

3-   من نصيحتهم أن لا نُثِيرَ الناس عليهم، وإثارةُ الناس عليهم ليس معناه أن نقول يا أيها الناس ثوروا على أمرائكم.

هذا لا أحد يقوله، لكن ذكر المساوى وإخفاء المحاسن يوجب إثارة الناس، لأن الإنسان بشر، وإذا ذكرتَ مساوى شخص عنده دون ذكر المحاسن سوف يمتلئ قلبه بغضاً له، فهذا أيضاً من نصيحتهم، وقد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الدين

4-   إبداءُ خطأهم فيما خالفوا فيه الشرع، بمعنى أن لا نسكت، ولكن على وجه الحكمة والإخفاء، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى الإنسان من الأمير شيئاً أن يمسك بيده، ذكر النصيحة أن تمسك بيده، وأن تكلمه فيما بينك وبينه لا أن تقوم في الناس وتنشر معايبه، لأن هذا يحصل به فتنة عظيمة, السكوت عن الباطل لا شك أنه خطأ ، لكن الكلام في الباطل الذي يؤدي إلى ما هو أشد هذا خطأ أيضاً ، فالطريق السليم الذي هو النصيحة وهو من دين الله عز وجل هو أن يأخذ الإنسان بيده , ويكلمه سرّاً ، أو يكاتبه سراً ،فإن أمكن أن يوصله إياه فهذا المطلوب وإلا فهناك قنوات ، الإنسان البصير يعرف كيف يوصل هذه النصيحة إلى الأمير بالطريق المعروف .

5-   احترامه الاحترام اللائق به، وليس احترام ولي الأمر كاحترام عامة الناس، ربما يأتيك فاسق من عامة الناس لا تبالي به، ولا تلتفت إليه،ولا تكلمه ، ولكن ولي الأمر على خلاف ذلك ، ولا سيما إذا كان أمام الناس، لأنك إذا أظهرت أنك غير مبالٍ به، ، فإن هذا ينقص من قدره أمام الناس ، ونقصان قدر الأمير أمام الناس له سلبيات خطيرة جداً ، ولا سيما إذا كثرت البلبلة وكثر الكلام فإنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة، وكما يتبين لمن كان منكم متأمّلاً أحوال الناس اليوم.

العصمة ليست لأحد إلاّ للنبي – صلى الله عليه وسلم – فالحكُام بشر يخطئون ويصيبون، ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين، ولكن لا نتخذ أخطاءهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم حتى وإن جاروا وإن ظلموا حتى وإن عصوا ما لم يرتكبوا كفراً بواحا، كما أمر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – و إن كان عندهم معاص وعندهم جور وظلم فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة ووحدة المسلمين وحماية لبلاد المسلمين وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة أعظم من المنكر الذي هم عليه لأنه يحصل ما هو أشد من المنكر الذي يصدر منهم ما دام هذا المنكر دون الكفر ودون الشرك.

فليس كل أحد من الناس يصلح لهذا الأمر وليس الترويج للأخطاء والتشهير بها من النصيحة في شيء ولا هو من منهج السلف الصالح وإن كان قصد صاحبها حسنا وطيباً وهو إنكار المنكر بزعمه لكن ما فعله أشد منكراً وقد يكون إنكار المنكر منكراً إذا كان على غير الطريقة التي شرعها الله ورسوله فهو منكر؛لأنه لم يتبع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم الشرعية التي رسمها حيث قال عليه الصلاة والسلام [من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ] ،فجعل الرسول الناس على ثلاثة أقسام :

أ‌-      منهم من يستطيع أن يزيل المنكر بيده وهو صاحب السلطة وولي الآمر أو من وُكّل إليه الأمر من الهيئات والأمراء والقادة.

ب‌-   قسم ينكر المنكر بلسانه وهو من ليس له سلطه وعنده قدره على البيان.

ت‌-  قسم ينكر المنكر بقلبه وهو من ليس له سلطه و ليس عنده قدره على البيان.

وقد رد بعض شبهات حول النصح وفقهها:

وقد يعرض البعض شبهات حول النصح وفقهها:: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها وكان يقول تصدقوا تصدقوا تصدقوا وكان أكثر من يتصدق النساء ثم ينصرف فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم فخرجت مخاصرا مروان حتى أتينا المصلى فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرا من طين ولبن فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فلما رأيت ذلك منه قلت أين الابتداء بالصلاة ؟ فقال لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم قلت كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم ثلاث مرار ثم انصرف قلت: لاشك في صحة الحديث كما ترى، كما أنه لاشك في ظهور إنكار أبي سعيد على أميرالمدينة مروان صنيعه في تقديم الخطبة على صلاة العيد، ولكن غفل القوم عن أمور في الحديث لو عقلوها لأراحتهم من تلك الشبهة، وهي:

1-   مامعنى المخاصرة في قول أبي سعيد فخرجت مخاصرا مروان؟.

فالجواب: ماقاله ابن الأثير في النهاية (فخرج مخاصرا مروان) المخاصرة: أن يأخذ الرجل بيد رجل آخر يتماشيان ويد كل واحد منهما عند خصر صاحبه” اهـ.

2-   أن عياض بن عبدالله بن سعد راوية أبي سعيد، قال:كما في إسناد مسلم عن أبي سعيد وهذا حكاية عن عياض لصنيع أبي سعيد مع مروان من قوله، أعني أن أبا سعيد حدثه تلك القصة.

3-   اكتفى أبو سعيد بتنبيهه مروان إلى السنة وإنكاره عليه مخالفتها فقط، بل صلى معه، ولم يتخذ من مخالفة مروان مجالا للتشهير والتهييج لعلمه أن ذلك مخالفة لسنة رسول الله عليه وعلى آله وسلم، أعني التشهير بنصح الولاة، ولأنه فهم من قول مروان كما جاء في بعض طرق الحديث” أن الناس لايجلسون لنا) أنه- أي: مروان- فعل ذلك اجتهادا منه، ولعل مما سقنا يظهر لك أمرين:

أحدهما: اتفاق صنيع أبي سعيد في هذا الحديث مع حديث ابن أبي عاصم المتقدم.
وثانيهما: أنه ليس من منهج السلف الانكار على الولاة على المنابر ولا في المحافل العامة، بل مشافهة وفي سرية تامة.

ومن هذه الشبهات: أن المنكرات قد تجاوزت حدها وصارت علانية، وهذه الشبهة جوابها من وجهين:
أولهما: أن يقال هل عندكم سنة تقول: إذا ظهرت المنكرات يجب إظهار النصيحة والتشهير؟ فالجواب: أنه لا توجد سنة بذلك، بل السنة عامة بسرية النصيحة، وسوا كانت المنكرات ظاهرة أو خفية، كما في حديث ابن أبي عاصم المتقدم.

ثانيا: أليس الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبلغ عن ربه؟ بلى، إذن فلا تتجاوزوا السنة إن كنتم منصفين، يجب أن تسعكم السنة، وإلا كنتم ضالين مضلين عن الهدى مجانبين للصواب بركوبكم القياس العقلي ووقعتم في نهج الخوارج.”

وقد قدم الباحث في المبحث الأخير العقبات التي تواجه الناصح وعدم التأثير بها،فمنها ما يعود إلي الناصح ومنها إلي المنصوح والواقع نلخصها في الآتي:

  1. الجهل بالشريعة والدين:الجهل بالدين وشريعته له ارتباط وثيق بالكفر،وكل منهج غير منهج الله فهو جاهلي ،وكل حكم غير حكم الله تعالي فهو جاهلي ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .
  2. الاحتقار والانهزام النفسي:وهي استصغار النفس واحتقارها واستذلالها والاستهانة بها،أو انكسارها بما يمليه عليها أعداؤها من النفس الأمارة بالسوء ومن شياطين الجن والإنس، ومن شدائد الدنيا وامتحاناتها وزخارفها.
  3. اليأس والقنوط: ولقد وقف الإسلام من هذه الظاهرة السيئة في المجتمع الإنساني ومسيرة حضارته موقف التحريم وعلى أنها ليس من أخلاق الإسلام والمؤمن به،وإنما من أخلاق المنهزمين ﴿يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ).
  4. الاستعجال إلي النتائج: هذه أفة يصاب بها الفرد والجماعات ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً.
  5. حب الدنيا:إن حب الدنيا من أكبر دوافع انضمام بعض الأفراد إلي الأحزاب السياسية والجماعات الدينية وقد يكون همه الأكبر الوصول إلي السلطة والحكم باية وسيلة.
  6. حب الذات:والإنسان الذي عنده هذه الغريزة لو تتاح له فرصة أو منصب يوما تراه يدبر كل ما يمكن لبقائه في ذلك المنصب وإزاحة كل منافس وتحطيم كل شخص يخشى أن يزاحمه.

وفي نهاية المطاف أوصي الباحث على الحكام والولاة في الدولة الإسلامية أن يطلعوا إطلاعاً خاصا وقراءة متأنية لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسيرة الصلحاء والنصحاء من هذه الأمة كعمر بن عبد العزيز ليكون لهم نبراسا ومنهاجاً في حياتهم اليومية.

كما أوصي على الحكام مراجعة سياساتهم الاستبدادية والقمعية تجاه رعاياهم واطلاق الحريات الفردية والجماعية لتحقق المصالح العامة. وعلى زعماء الأحزاب والجماعات  أن يتحرروا من أفكار هدامة وتنفيذ اجندة خارجية ،وعلى العلماء والدعاة والنصحاء أن يستغلوا كل الوسائل المتاحة لهم لإرشاد الولاة.

وبصفة عامة فإن جهد الباحث الدكتور ناصر حمد بكار واضح وبارز في هذا المضمار وأسال الله تعالي أن يجعله أحد نصحاء الأمة ومرشديها ونري شواهد ذلك في رسالته التي بين أيدينا وأطروحته للدكتوراه وهي غير بعيدة عن هذا المضوع وأنوي قرائتها وتلخيصها حتي تعم الفائدة وارجو ان يكون ذلك قريبا إن شاء الله.

ونوصي عمادة الدراسات العليا بجامعة إفريقيا نشر الرسائل العلمية المتميزة التي تخدم المجتمع في حضارته الإنسانية أو دور النشر ومؤسساته.

وفي الختام نوصي الأخ العزيز الباحث مراجعة الرسالة والاعتناء بالآتي:

  1.  مراجعتها لغويا واملائيا ولا بأس في ذلك من الأستعانة بالمتخصصين.
  2.  الاعتناء بالآحاديث والآثار، فإنها تحتاج إلي إعادة النظر، بحيث اكتفي الباحث سرد الحديث وعزوه مع عدم ذكر درجته عند علماء الجرح والتعديل وهي كثيرة، فعليه مراجعتها مراجعة دقيقة.
  3.  دمج بعض المباحث والمطالب حتي تخرج الرسالة متوازنة متناسقة.
  4.  الاعتناء بجانب القواعد الفقهية وتطبيقاتها وانزال الأفكار إلي الواقع.وقد إعتنى العلماء في هذا الجانب، كما يجب عليه مراجعة الفتاوي في هذا المضمار.
  5.  لم يشر الباحث الى عملية الانتخاب المباشر من قبل الشعب لإختيار الرئيس، وهو ما يجري عليه لحال في واقع اليوم، وهي فكرة يجب الإعتناء بها وتأصيلها.
  6.  ركز الباحث في عملية نصح الحكام الى الطريقة المباشرة وهي مقابلتهم كفاحا، وبما ان مقابلتهم في زماننا هذا أمر في غاية الصعوبة لكثرة البروتوكولات، كان حريا بالباحث ان يتناول وسائل أخرى بديلا عنها كالمنابر والإعلام وغيرها.  

والله ولي التوفيق…..

د. يونس عبدلى موسى

الدكتور. يونس عبدلى موسى يحيى: باحث في شؤون شرق إفريقيا وأستاذ الفقه وأصوله بجامعة عبد الرحمن السميط التذكارية كلية الشريعة والدراسات الإسلامية،وهو من مواليد مدينة منديرا Mandera(NFD) شمال شرق كينيا عام 1/8/1968م دكتوراه فقه المقارن جامعة أم درمان الإسلامية عام 2003م ممتاز مع مرتبة الشرف، ماجستير الجامعة الإسلامية في أوغندا الفقه المقار عام 2000م ممتاز مع مرتبة الشرف ،البكالوريوس الشريعة والقانون شعبة القانون جامعة إفريقا العالمية عام 1994م(الدفعة الثالثة) والباحث في شؤون شرق إفريقيا. وعضو بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو اللجنة التأسيسية باتحاد علماء إفريقيا
زر الذهاب إلى الأعلى