تحليل إخباري: مدينة جالكعيو .. ما سرُّ تكرار الحروب فيها

إعداد: محمد سعيد مري:

لم تنعم مدينة جالكعيو المعروفة بحروبها الطاحنة في بداية الحرب الأهلية في الصومال بالهدوء و السلام، فالوضع الحاليّ للمدينة الذي استمر لمدة ربع قرن من الزمن أشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت.

وفي منتصف عام 1993م اتفق كلُّ من العقيد عبدالله يوسف أحمد زعيم جبهة الخلاص الوطني (SSDF)، والجنرال محمد فارح عيديد زعيم جبهة المؤتمر الصومالي (USC) على إحلال السلام في المدينة وإعادة سكان جنوب المدينة إلى بيوتهم، وتحولت المدينة أثناء الحرب إلى ثكنة عسكرية من قبل المتقاتلين، وفي إثر هذه الاتفاقية انقسمت المدينة إلى جزئيين منفصلين بعضها عن بعض، واستمرت المعاناة ولم تتوقف حتى الآن.

وبعد تأسيس إدارتي بونت لاند وجلمدغ استمرت الحياة بشكل طبيعيّ في أنحاء المدينة ولم يحصل تغيير في التركيبة الديموغرافية للمدينة، و شهد الجزء الشماليّ من المدينة طفرة اقتصادية أكبر من الجزء الجنوبي، حيث تم تشييد مبانٍ ضخمة وأصبح مقرا لشركات كبيرة ومستشفيات، وإن كان الجزء الجنوبي شهد أيضا تطورا في السنوات القليلة الماضية، وقد سئم أهل المدينة من تردي العلاقات بين الإدارتين، واللتان لم تتفقا يوما على مصير المدينة وتوحيد سكانها الممزق أصلا، والذين يتوقون بأن يروا إنتهاء حقبة الحروب والانقسام في المدينة.

فجالكعيو تمثلُ نموذجا مصغرا لمعضلة الصومال اللامنتهية، وصراعها صفريّ ينتهي دائما إلى نتيجة معلومة مسبقًا؛ وهي: لا غالب ولا مغلوب، وأما اتفاقيات السلام التى جرّت في المدينة فإنها لا تتمتع ببنية قوية لأنها هشة بطبيعتها وقابلة للاختراق بأبسط ذريعة، ويعتقد مراقبون لوضع المدينة أنه إذا حصل أي تفاهم جذري فإنها ستنعكس على وضع الصومال ككل، وتمثل جالكعيو – حسب رأيهم – بؤرة صراع الصوماليين.

الحادثة الأخيرة في جالكعيو

وفي وقت سابقٍ من يوم أمس وقعت حرب بين الإدارتين، مما أدى إلى مقتل بضعة أشخاص وإصابة نحو ثلاثة وأربعين آخرين إصاباتهم متباينة،وفي أحاديثهم لإذاعة البي بي سي الصومالية ” يتراشق كلّ من مسؤولي الإدارتين بتهم بأن الآخر هو الذي بدأ الحرب.

أما سبب بداية الحرب فهو عندما حاولت بونت لاند تعبيد شارع يقع بالقرب من نقطة التفتيش الجنوبية الذي يقع تحت نفوذ ادارة بونت لاند، وما إن بدأ عمال الشارع في شغلهم حتّى اندلعت الحرب بين الإدارتين كعادة مدينة جالكعيو التى اصبحت الحرب سمية بارزة لها.

وبعد انتهاء الحرب ناشد وزير الداخلية في الحكومة الفيدراليّة الصومالية عبدالرحمن محمد حسين “أدي وا- Odaywaa” كلا الإدارتين بوقف الحرب، وعبّر عن آسفه لما حدث في المدينة ودعا الجانبين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات .

وبعد تلك الواقعة التى جرّت في صباح يوم الأحد لم يحصل شيء آخر يوحي إلى العودة مرّة أخرى الى التقاتل بين الإدارتين، وعادت الحياة بشكل طبيعي في المدينة.

ما سرّ تكرار الحروب في المدينة!

وتكمن المشكلة الحقيقية لمدينة جالكعيو في الأسس القبليّة التي انقسمت لأجلها المدينة، ومما يأزم الوضع حاليا دور الحكومة الفيدراليّة الذي تساند إدارة تتكون من “إقليم ونصف إقليم” مما يعد انتهاكا صارخا للدستور الفيدراليّ الذي تؤمنه الدولة نفسها، وبغضّ النظر عن هذه المخالفات الدستورية التى وقعت فيها الدولة فإن المدينة شهدت حروبا داميّة كثيرة، وحصلت قطعية بين الكيانات الموجودة فيها دامت وقتا طويلة.

إن مما يؤدي إلى تكرار الحروب وإلصاق التهم في المدينة هي غياب الثقة بين الجانبين وبناء الأحداث الغابرة على ما يجرى حاليا على أرض الواقع، بما أن المدينة تمتلك سجلا حافلا بالأحداث الدموية، و تجاوز تكرار مثل هذه الوقائع الداميّة مرهون بمدى جديّة كلا الجانبين في طي تلك الحقبة السوداء، وفتح صفحة جديدة يكون عنوانها التسامح ونسيان النعرات القبلية.

وبعد هدم جدار برلين بعد 28 عاما من بناءه، عاش أبناء العاصمة الألمانية بشقيها الشرقي و الغربي بروح التسامح و المحبة، و نسوا تلك السنوات العجاف التى مرّت على مدينتهم، وكذلك على سكان مدينة جالكعيو وسياسيّيها أن يتركوا استخدام فوهة البندقية وان يعلو صوت العقل و الحكمة على صوت الرصاص.

زر الذهاب إلى الأعلى