نبات “غَرَنْ-وا” الغازي الشَّرس

لا تخلو اليوم مدينة أو قرية أو بادية، وحتى ضفاف الوديان  في ربوع الصومال،  من وجود ملحوظ لبنات دخيل، ذي صفات مميزة تكاد تجعله الكائن النباتي الأنجح في بلادنا، مكتسحًا أمامه كل النباتات التي تقاربه بالحجم، وحتى تلك التي كانت تبلغ أحجام وارتفاعات أكبر، ومؤديًا إلى زيادة في حالة التصحّر الحقيقي، رغم المنظر الخضري الجميل، والظلال التي يخلقها في مناطق انتشاره، آخذًا في انتشاره شكل خطوط طويلة متراكمة من بنات جنسه، ليعلو من بينها الأقوى من حيث الصفات والحظ، مساهمة في المزيد من توسع رقعة الأرض التي تبلغ بذورها.

إن المشاكل التي يخلقها هذا النبات مع نجاحه الباهر في البيئة الطبيعية الصومالية، جعلت المجتمع الصومالي يتشاءم منه، مطلقًا الكثير من الأساطير حوله، فهو منافس قاتل لكل أنواع الغطاء النبات المحلي، بدءًا بالأشجار وصولًا للأعشاب التي ترعاها المواشي والطرائد، ولا يصمد أمامه سوى نبات “التين الشوكي”، كما أن طريقة نموه في تجمُّعات، تجعل  البقاع الظليلة أسفله مكمنًا جيدًا للكثير من الكائنات الضارة من زواحف وحشرات وحيوانات برية كابن عرس والقطط البرية والخنازير.

وتطول قائمة مساوئ هذا النبات فثماره ضارة بالحيوانات، وورقه لا يصلح علفًا للمواشي، وخشبه ضعيف ومجوّف فلا يمكن صناعة الأدوات الجيدة منه، وفوق ذلك لا يصلح ذلك الخشب حطبًا ولا يمكن عمل فحم جيّد النوعية منه، نظرًا لسرعة انطفائه وكثرة دخانة ووفرة كميات الرماد التي ينتجها دون أن يحقق النتائج المرجوة من استخدامه.

نبات الغاف العسيلي الأزهار  The mesquite أو Prosopis juliflora ، نبات ينمو حتى ارتفاع 12م، بجذع يصل عرضه إلى متر وعشرين سنتميتر، ويزهر النبات سريعًا بعد نمو أوراقه، وتتميز زهوره متجمعة في نورة كروية قطرها 1 سم، والقرون طويلة 18 سم ، كما أن ثماره الحاوية للبذور تكون على هيئة قرون صفراء قد يصل طولها لثلاثين سنتيمترا..

نبات عدواني سريع الامتداد، يرجع موطنه إلى أمريكا اللاتينية (بيرو)، غزا بلاد الصومال منذ فترة زمنيَّة ليست بالطويل، يمكن قياسها بالعقود، لذا تتم تسميته في مناطق كثير بنبات “غَرَنْ-وَا/ Garanwaa” أي “المجهول.

مواصفات النبات:

نبات الـ”غرن-وا” أو ” الغاف العسيلي الأزهار ” نبات، ينتمي إلى عائلة الأكاسيا،  يصنّفه بعض العلماء على أنّه من البقوليات، بسبب الشكل الفاصولي لقرونه التي تحوي البذور، إضافة إلى امتلاكه ميزة العقد النيتروجينية.

الطول البالغ لجذوره في بحثها عن المياه، حيث اكتشفت على عمق 53 مترًا في أحد المناجم في ولاية أريزونا الأمريكية، معتبرة تلك الجذور من أعمق الجذور توغلَا في التربة على الإطلاق.

سلالة نبات غازية:

يعتبر نبات الـ”غرن-وا” نباتًا غازيًا، نجح بشراسة في الانتشار ضمن معظم قارات العالم، بدئًا من موطنه الأصلي في القارة الأمريكية الجنوبية (بيرو)، بما سرّع في اعتباره عشبة ضارة شديدة الضراوة، في البلدان التي تم إدخاله إليها بفعل بشري بغية مكافحة التصحّر أو بصورة عفوية عبر نقل المواشي والطرائد لبذوره ونشرها، تلك البذور التي تحتفظ بقدرتها على التبرعم لمدة عشر سنوات بانتظار الظروف الملائمة لذلك، فيستمر في التقدم والمزيد من التقدم بصورة قل نظيرها نتيجة لخصائصه التي تجعله أشد استعدادًا للنجاح في الظروف البيئية المتطرفة في تقلّبها، وتحمله الاستثنائي للجفاف ورداءة التربة والملوحة، كما أن مما يجعله يزداد ازهادرًا وانتشار صعوبة مكافحة والارتفاع الشديد لكلفة مكافحته، نظرًا لقدرة النبات على العودة للنمو من مستوى الجذور.

وقد يكون الضرر الذي يسببه النبات في سرعة انتشاره واستعصائه على المكافحة، ناشئَا عن قدرته الكبيرة على الاستئثار على المياه في التربة بصورة تفوق معظم أنواع النباتات الأخرى، كما يقوم بحجم ضوء الشمس عن النباتات الأخرى بحيث تفتقد للمياه والضوء مؤديًا ذلك لضعفها وموتها، كما أنه زاد من تشاؤم الصوماليين اعتقاد لديهم بأن النبات يطلق من جذوره مواد تؤدي إلى إيذاء النباتات من الأنواع الأخرى مؤديًا في النهاية إلى ذات النتيجة في إضاعفها وجعلها عاجزة عن المنافسة في النمو الطولي والجذري بما يضعها في موقف المهزوم أمام تفوّقه عليها!

بلدان أخرى متأثّرة:

يرد أن نبات الـ”غرن-وا” أدخل أول الأمر إلى جزيرة “سريلانكا” في القرن التاسع عشر، وغدا من حينها أحد أسرع نباتات الأحراش تكاثرًا، كما أنّه يعدّ نباتَا حرشيًا ضارَا منتشرًا بشدّة في الشرق الأوسط، والقرن الإفريقي وغرب إفريقيا وجنوب إفريقيا وشبه القارة الهندية و قارة أستراليا، وجنوب غرب الولايات المتحدة.

قد ضرب هذا النبات إقليم العفر في جمهورية إثيوبية الفيدرالية، إثر إدخاله إلى البلاد في نهاية السبعبنيات بغرض مكافحة التصحّر، إلّا أن ذلك كان متسببًا في تغيير بيئيي خطير، من حيث استئثار النبات بمساحات شاسعة مخليًا إياها من النباتات الطبيعية التي كانت متوطنة في الإقليم، ومحدثًا تغييرًا جذرية مدمرة في تلك المنطقة ذات الموارد البيئية المحدودة والدقيقة في تنوعها، مما أضر بمواطن وجود سلالات حيوانية متوطّنة، كما أدّى إلى ضرب المراعي مخلّفًا أضعاف اقتصاد السكان المحليين، مع تسبب بذوره في تسمم المواشي في حال تناولت كميات كبيرة منها، مع عدم صلاحية أوراقه كعلف بما جعل النبات يستحق التسمية التي عرفه بها السّكان في الإقليم “نبات الشيطان”، ويزيد في الصعوبات التي يتسبب لها للسكّان، عدم وجود خبرة سابقة به، بحيث يعجزون عن وضع النبات محلّ فائدة أو استخدام يتعدّى استغلال أغصانه الشائكة مادة لإنشاء الحواجز والحدود للحظائر والأراضي المراد تقسيمها، أو منع البشر والماشية من تجاوزها.

مكافحة نبات “الغاف العسلي” أو الـ”غرن-نوا”:

من الطرق المعتمدة في التخلّص من ذلك النبات بعد قص جذعه، إحراق أسفل الجذع لدرجة تقتل الحرارة فيه أي حياة، ويعتمد البعض وضع “الزفت/أسفلت” على وجه الجذع المقطوع لخنق النبات، أو صباغة تلك المنطقة بزيت المحركات المحترق، والذي يعتقد الكثيرون بأنها أفضل وسيلة بديلة عن “الزفت/الاسفلت”.

زر الذهاب إلى الأعلى