سوق بكارا ودوره في الإقتصاد الصومالي(١-٣)

يلعب الاقتصاد دورا مهما في تطوير حياة الأمم والشعوب والمجتمعات، ورسم آفاق مصيرها المستقبلية، فالاقتصاد هو الذي يساهم في تركيبة الطبقات الموجودة في المجتمعات المختلفة، الأمر الذي يجعل دراسة الاقتصاد الصومالي ومنابعه الأصيلة مثل سوق بكارا شيئا من الأهمية بمكان.

وتعتبر الأسواق أماكن شريان الحياة ومصادر الدخل في الشعوب والأمم والمجتمعات ونظرا لأهمية سوق بكارا وصيته الرائدة للاقتصاد الصومالي سوف نتوقف على جوانب عدة من سوق بكارا إن شاء الله في حلقات قادمة.

أولا: تاريخ السوق ومراحله:

موقع السوق:

تحديدا يقع سوق بكارا في جزء كبير من ناحية هولواغ (Hoolwadaag) وسط العاصمة  الصومالية مقديشو  أي ما بين شارع الثلاثين (sodonka) شمالا وشارع القلب (wadnaha)  حتى يصل إلى سوق الخضروات في ناحية هدن بالقرب من مسجد الشيخ علي الصوفي غربا وهو أقصى اتساعه، ويحد شارع هولواغ( (Hoolwadaag شرقا .  

تقدر مساحة سوق بكارا  4كم مربع تقريبا أي ربع مساحة العاصمة الصومالية مقديشو حيث يقدر مساحة العاصمة مقديشو 26كم مربع تقريبا.

ومن هنا تتضح المساحة التي يشغل فيها السوق وتمدد السوق يوما بعد يوم.   

يعتبر سوق بكارا من أكبر الأسواق في منطقة القرن الإفريقي والصومال حيث يحتوي فيه معظم مكاتب الشركات الصومالية، ومر السوق بمراحل متعددة منذ تأسيسه في مقديشو من حروب وصراعات متعددة، وتتنوع فترات الازدهار والركود فيه حيث تزدهر حركة السوق في أوقات العيد التي تنشط فيه التجارة حتى تصل ذروة ازدهارها.

 وفي بعض الأحيان يسود فيه الهدوء والاستقرار وفي تلك الحالات يكون فيه حركة تجارة نشطة حسب حاجات المتسوقين وكمية البضائع المتوفرة فيه، ومن أهم البضائع المستوردة من الخارج التي يوجد فيه الأرز والباصتو (المعكرونة).

ونقسم مراحل السوق التي مر بها إلى مراحل عدَّة: 

1-  سوق بكارا قبل إنهيار الدولة

كان سوق بكارا قبل اندلاع  الحرب الأهلية في الصومال عام 1991م مكانا صغيرا يقوم فيه بعض البسطاء ببيع بعض الأشياء المحلية مثل الحطب والعشب والحليب والألواح. 

2-  سوق بكارا ما بين 1991-2000م

يعتبر انهيار الحكومة العسكرية مطلع عام 1991م بداية ازدهار سوق بكارا كمركز  تجاري كبير في الصومال بعد توقف حركة التجارة في سوق حمروين.

وفي 3 أكتوبر عام 1993 وقعت مواجهات عنيفة بين مليشيات الجنرال محمد فارح عديد الذي كان مختفيا في أحد مباني السوق والقوات الأمريكية (المارينز) التي كانت تحاول اعتقال الجنرال لكن بعد معارك قتل فيها 18 جنديا أمريكيا انسحبت القوات الأمريكية من السوق وفشلت خطة القوات الأمريكية (المارينز)، وعادت حركة السوق على طبيعتها فور انتهاء العملية.     

وفي عام 1994 كادت حركة تجارة السوق أن تتوقف بعد أن اندلاع معارك شرسة بين زعماء القبائل في جنوب مقديشو وسيطرت إحدى الفصائل على السوق بالكامل، ولكن بعد وساطة قام بها بعض التجار  من إحدى العشائر انسحبت جميع المليشيات منه، وكونت تجار السوق قوات حماية السوق، يمولها تجار السوق قدرت ما بين 1000-1500 عنصرا مسلحا مدججا بسلاح ثقيل وخفيف. 

وفي عام 1995م عادت حركة السوق من جديد حيث توسع السوق إلى جهة الغرب التي تعد البوابة الرئيسية للسوق حتى الآن. 

وفي عام 1998م نشب في السوق حريق كبير دمر أجزاء واسعة في قسم الملابس والبضائع حيث أدى الحريق إلى خسائر كبيرة في السوق، وقدرت تلك الخسارة إلى أكثر  من 60ألف دولار أمريكي.  

وبين 1998-2001م  كانت حالة السوق مستقرة حيث تكيّف التجار و المتسوقين مع حالة السوق المستقرة، وأنشأت فيه مبان كبير مملوكة لشركات صومالية مثل  شركة بركات للحوالات وشركة دهب شيل للحوالة.     

 ملامح السوق في تلك الفترة: 

ظهور السوق  كأكبر مركز تجاري في الصومال  يحوي أكثر حاجات المتسوقين في منطقة شرق افريقيا منذ سقوط الحكومة في عام 1991م.

  • ظهور مبان عملاقة في السوق.
  • عودة شريان الحياة في مقديشو نسبيا بعد سنوات من الشدة والمجاعة.
  • تمكن التجار في السوق تكوين جهاز مسلح يحمي مصالح التجار في السوق.
  •  ظهور الحوا لات بعد توقف البنك المركزي في عام1991م.
  • التضخم في السوق الصومالي وخاصة سوق بكارا حيث كان بوصلة السعر  الأسواق في الصومال.
  • انخفاض الشلن الصومال أمام الدولار الأمريكي حيث قام بعض التجار تصنيع الشلن الصومالي وهو ما اثر سلبا على سوق بكارا. 
  • تحالف التجار مع رجال الدين ورؤساء العشائر  لمواجهة الزعماء لحماية أموالهم في السوق. 
  • عودة ثقة التاجر الصومالي إلى السوق العادي في الصومال. 

3-  حالة سوق بكارا ما بين 2001-2015م. 

بعد  11 من سبتمبر في أمريكا في عام 2001م قامت السلطات الأميركية تضييق الخناق على الحوالات الصومالية وكان ذلك عند ما رفضت  معظم البنوك تحويلات الحوالات إلى الصومال وأغلقت شركة (مجموعة البركات العالمية للحوالات) التي كانت من أهم الحوالات في ذاك الوقت وتأثر الاقتصاد الصومالي بأسره.

وفي عام 2002م شب حريق كبير في قسم الوقود والملابس  وتسبب هذا الحريق إلى خسائر كبيرة قدرت إلى أكثر  من 200ألف دولار اميركي.  

وفي عام 2005م قامت بعض القبائل في جنوب مقديشو أنشاء محاكم إسلامية قبلية  لتوفير الأمن والاستقرار في مناطقهم، وتحسن الأمن في مناطق واسعة في العاصمة مقديشو، وبعد هذا التحسن عاد  بعض المواطنين إلى بيوتهم في جنوب مقديشو والوسط الذي يقع فيه سوق بكارا، وبهذا العودة استفاد السوق حيث حصل حول السوق كثافة سكانية كبيرة  في جنوب السوق وازدهرت حركة السوق من جميع أشكالها وازدادت نسبة الزائرين إليه.

 وبعد ظهور المحاكم الإسلامية في الصومال في عام 2005م كقوة منظمة  تقوم بفرض الأمن والنظام والاستقرار  قام بعض التجار في السوق بالتنسيق مع المحاكم لحماية مصالحهم الاقتصادية  في جميع أنحاء المدينة(مقديشو) بتعاون مع العلماء ورجال الدين ورؤساء العشائر حيث  أكسب رجال المحاكم  ثقة  التجار، ورجال الأعمال في مقديشو وخاصة سوق بكارا الذي كان ومال زال أهم سوق تجاري في الصومال، وأصبح السوق أماكن تواجد المحاكم، وكانت المحاكم تتعاون قوات حماية السوق الذي أنشأته التجار فيه. 

وبعد هذا التحسن الأمني الذي ساد جنوب المدينة (مقديشو) عادت حالة المدينة إلى طبيعتها نسبيا حيث عاد شريان الحياة في جنوب المدينة، واستمر السوق على هذه الحالة إلى أحداث سيطرة المحاكم الإسلامية في الصومال على العاصمة مقديشو في منتصف عام 2006م، وبعد سيطرة المحاكم الإسلامية في الصومال في معظم جنوب البلاد نشطت حركة التجارة في المناطق التي سيطرت بها المحاكم حسب  تقرير  وكالة (رويترز) في تقريرها عام 2006م تحت عنوان (الاقتصاد الصومالي بعد سيطرة المحاكم الإسلامية في الجنوب) وذكر التقرير أن هناك نموا وانتعاشا كبيرا حدث في  الاقتصاد الصومالي بعد سيطرت المحاكم الإسلامية بأجزاء كبيرة من جنوب البلاد، وربطت الوكالة هذا الانتعاش السريعة بالأمن الذي شعر  به التجار  في مناطق سيطرة المحاكم، وكان سوق بكارا ضمن الاسوق التي انتعشت في تلك الفترة.    

وعندما اجتاحت القوات الإثيوبية الصومال في بداية عام 2007م  وخاصة في جنوب البلاد فر معظم التجار من سوق بكارا حيث نقلوا أموالهم إلى سوق أسلي في نيروبي –كينيا- الذي أصبح من أكبر الأسوق في شرق إفريقيا بسبب نقل التجار سوق بكارا أموالهم  إليه. 

وبين 2008-2011م انخفضت حركة التجارة فيه بعد أن دارت على أطرافه معارك شرسة بين قوات الصومالية والإثيوبية من جهة وقوات المعارضة الإسلامية المتمثلة من حركة الشباب والحزب الإسلام من جهة أخرى حيث قامت القوات الإيثوبية وقوات الاتحاد الإفريقي(أميصوم) على قصف السوق مما أدى إلى شلل حركة السوق، وتعذر التجارة  فيه حيث ارتحلت معظم الشركات منه إلى سوق عيلش بيه ((ceelashabiayaha، ولكن بعد سيطرة الحكومة الصومالية على السوق في عام 2011م عادت حركة التجارة مرة اخرى.

وعندما خرجت الصومال من الانتقالية في عام 2012م وانتخب الرئيس الحالي حسن شيخ محمود  عادت إلى البلاد ما يسمى الصوماليون المغتربون الذين ساهموا في مشاركة انتعاش الاقتصاد الصومالي من جديد وكان سوق بكارا من أكبر المستفيدين من عودة المغتربين إلى البلاد.  

ملامح السوق في تلك الفترة:

  • انخفاض حدة الاقتتال القبلي في السوق.
  • اتساع رقعة سوق بكارا نحو الغرب. 
  • افتتاح الطرق الرئيسة للسوق حيث كانت على جوانب الطرق بعض المبان التي يستخدمها التجار الصغار للتجارة.  
  • تضييق البنوك الأمريكية على الحوالات الصومالية التي كانت تساهم الانتعاش الاقتصاد الصومالي الذي سوق بكارا جزء منه.
  • تحول بعض الحوالات إلى شبه بنوك وقراتهم في السوق  .
  • ظهور صناعات محلية في السوق مثل صناعة الصابون في سوق بكارا. 
  • ازدهار السوق من جديد بعد عودة التجار من سوق عيلش بيه سنة  2011م.

محمود عبدالصمد محمد( ذو اليدين)

باحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى