المدن الصومالية [4] مدينة مقديشو [2]

كيفية نشأة مقديشو واتساعها:

يقول المؤرخ محمد حسين معلم إنه لا يعرف بالضبط الموقع الحقيقي الذي بدأ تأسيس مدينة مقديشو فيه، فهناك أقوال متضاربة في ذلك، [1] وجاء في كتاب (الصومال قديما وحديثا): أنه على ضوء الحفريات والدراسات التي أجريت أخيرا في مدينة مقديشو نستطيع أن نؤكد أن المدينة كانت أصلا في منطقة معسكرات المطار الحالية التي تسمى بـ “حمر ججب”، فلا بد والحال هذه أن مياه المحيط الهندي والأعاصير المتربة قد طمست الآبار القليلة التي كانت تمتد في تلك الجهات، وقد اتضح من الدراسة وجود بقايا مبان وآبار وقنوات لتوزيع المياه على الطريقة الفارسية، وفي الكتب القديمة نجد صورا للأطلال القديمة في حمر ججب، ومن واقع الخرائط التي عثر عليها مدفونة في معسكرات المطار الحالي تبين لنا أن مدينة قديمة كانت في هذه المنطقة  ومن المرجح أنها مدينة مقديشو القديمة.[2]

ويظهر من اسم (حمر ججب) إذا أمعنَّا النظر في معناها أنها مدينة خربت وانتقل الناس منها إلى أحياء أخرى جديدة، إلا أن هناك بعض المؤرِّخين – ومنهم الشريف عيدروس – يؤكدون أن مقديشو تأسست من حي حمر ويني وشنغاني، وتعتبر حمر ويني أعتق الأحياء وأشهرها ويليها في القدم حي شنغاني، أما الأحياء الأخرى التي توجد فيها الآن فما هي إلا من منذ عشرين ونيف عاما.[3]

والرواية الأرجح من بين تلك الروايات أن حمر ججب (أي المنطقة التي  يقع فيها الآن مطار مقديشو وقاعدة القوات الجوية وميناء مقديشو الحالي وشرقها) كانت منشأ مقديشو، إلا أنها بفعل الأتربة والترسبات المتراكمة وموقعها غير الملائم خربت، وانتقل الناس منها إلى الأحياء الشرقية منها مثل حمر ويني وشنغاني وعبد العزيز.

 الأحياء القديمة للمدينة:

وكانت مقديشو بدأت بالأحياء الساحلية مثل حمر ججب وحمر ويني وشنغاني، وكان هناك سور يحيط بالمدينة من ناحية البر والبحر، وكان يمتد من البحر في الشمال إلى ما يعرف الآن بمسجد مرواس، وينتهي إلى البحر من جهة الشرق قبل جامع عبد العزيز المخزومي، ومن جهة الغرب إلى البحر حيث يتصل به قبل المستشفى الكبير (مرتيني)، وكان الغرض من إنشاء هذا السور هو حماية المدينة من هجمات وغارات المهاجمين من جانب البر وليسهل الدفاع عنها، ولعل كثرة نشاط المدينة وروَّادها من أهل البوادي كان سببا في بناء هذا السور، علما بأنهم كانوا أعرابا ولكي تحدَّد خطورتهم أقيم هذا السور، وكانوا يتعرَّضون إلى تفتيش ومراقبة كبيرة، وكان لهذا السور أربعة أبواب في جهات مختلفة يستعملها السكان في الدخول والخروج ولقضاء حاجاتهم.[4]

ويتكون اسم حمر ويني من كلمتين، عربية وصومالية، فكلمة (حمر) بمعنى الذهب على أحد الأقوال، وكلمة (وين) بمعنى الكبير باللغة الصومالية، وهناك قصص وروايات ليس لها سند قوي تحكي بأن ذهبا كثيرا وُجد في المكان الذي تأسس فيه حمر ويني، وكان سببا في تعمير المكان.[5]

واسم شنغاني مشتق من اسم حي أو منطقة كانت في نيسابور يسمى شنغاني، والسبب أن العلماء النسابوريين جاءوا إلى بلاد الصومال ولاسيما مقديشو، وسكنوا هذا الحي في بداية أمرهم، وتقديرا لهؤلاء العلماء وتخليدا لذكرهم سمي المكان باسم شنغاني.

الأحياء الجديدة:

وفي عهد الاستعمار الإيطالي اتَّسعت المدينة شمالا وشرقا وغربا، وتأسست أحياء مثل بونطيري ووابري، وغيرهما، ويقول الشريف عيدروس أن الحكومة الإيطالية أرادت تمييز  بيوت الخشب من الحجر، واختارت بيوت الخشب حارة خاصة بها وهي المسمَّاة (حارة بونطيري)، وتم البناء لأهل بونطيري وأهل شنغاني سوقا بتلك الحارة يسمى سوق شنغاني وكان ذلك سنة 1932م.[6]

كما اتسعت المدينة شمالا وشرقا فتكونت في عهد الوصاية الإيطالية وما بعده أحياء جديدة مثل وابري وكاران وبولوحوبي، وفي عهد الحومة العسكرية اتجهت العاصمة مقديشو نحو تخطيط جديد، فتمّ إعادة تخطيط الأحياء القديمة، وخططت الحكومة أحياء جديدة سمَّت أكثرها بأسماء ثورية اشتراكية.

فقد تم تخطيط حي هدن، وهولوذاغ، وورطيغلي، ووذجر، وطركينلي، وياقشيد، وهيلوا، وغيرها.

الحالة السياسية لمقديشو تاريخيا:

مرت على مدينة مقديشو عدة حكومات إسلامية متنوعة، حيث كان العرب يحكمونها لمدة قرون طويلة، ويمكن أن نلخص الحكومات التي مرت بها مقديشو  في الآتي:

1- دولة الحميريين:

تروي إحدى الروايات العربية أن جماعة من الحِميريين في اليمن نزلوا في ساحل مقديشو وهي خالية من العمارة فسُئلوا عن نسبهم فقالوا نحن حِمير، فسمي المكان حمير، ثم بعد ذلك حرفت إلى حمر.

يقول المؤرخ محمد حسين معلم: ” ومهما يكن فإن هؤلاء الحميريين حكموا مقديشو قبل البعثة المحمدية، وكان السلطان أسعد الحميري أبو كرب بن حمير بن سبأ، قائد هذه السلطنة، ومنذ ذلك الحين أصبحت المدينة تحت حكم الحميرييين”.[7]

2- دولة الحارثية:

الحارثيون هم المعروفون بالإخوة السبعة عندما وصلوا إلى مقديشو وجدوا أرضية صالحة لهم، كما وجدُوا مهاجرين من العرب وصلوا قبلهم مثل الزيديين وذلك في القرن الرابع الهجري- العاشر الميلادي، وعلى الرغم من وجود مثل هذه الحكومة إلا أن حكمها على مدينة مقديشو لم يكن حكماً موحَّداً يأتي تحت سلطان أو ملك واحد بسط نفوذه على جميع أرجاء المدينة ليس في فترة حكم قبيلة الحارث فحسب وإنما خلال القرون الأولى للهجرة، حيث كان الناس ينقسمون إلى طوائف وقبائل، لا ملك لهم – كما عبر ذلك الرحالة والجغرافي المسلم ياقوت الحموي – ” لا ملك لهم إنما يدبّر أمرهم المتقدمون على إصلاح لهم، وعلى الرغم من ذلك كله فإن هناك من يشير إلى وجود حكومة ائتلافية تجمع رؤساء القبائل فيها على شكل ما يشبه حكومة الشورى.[8]

وبعد أن تغلَّب الإخوة السبعة على الصّعاب التي واجهتهم في أوَّل أمرهم، بدءوا في وضع الأُسس والتشريعات المختلفة التي تَكْفُل لهم الاستقرار والحياة الكريمة، فكوَّنوا مجلس من كبار المسلمين، وأعضاؤه اثنا عشر شخصًا، يرأسهم شيخ لا يحمل لقب سلطان أو مَلِكٍ، ويُسَمَّى هذا المجلس باسم (مجلس المدينة)، وكان هذا النظام أفضل نظام طبّقه المسلمون في ساحل بنادر في هذا الزمن.[9]

3- دولة الحلوانيين:

انتهت دولة الحارثيين بآخر ملوكهم أبي بكر فخر الدين، فحكم مقديشو حاكم الحلواني، من طرف محمد شاه الحلواني المنسوب إلى بلاد حلوان في العراق، ونجحت الحكومة الحلوانية في تسيير سياساتها نحو إدارة البلاد وتوحيدها في منطقة بنادر الشاسعة الممتدة من مدينة عذلي الساحلية إلى منطقة براوه وضواحيها رغم الظروف والصعوبات التي واجهت البلاد وخاصة في الظروف المعيشية التي حدثت في عهدهم من الجذب، ويقال إن البلاد لم يشهد مثل هذا القحط حيث شبه بعض المؤوخين ما حدث ب”سنين يوسف”، وقد تعب الناس من شدة هذه المصيبة التي سببت مجاعة كبيرة بين المجتمع حتى أدى إلى أكل الناس بعضهم ببعض وهلكت معظم الحيوانات.[10]

يقول الشريف عيدروس: استمرت هذه الدولة تحكم مقديشو وبنادر ، زهاء نصف قرن.

4- دولة زوزون:

في منتصف القرن الخامس الهجري تولى سلطنة مقديشو  زوزون وكان حاكما جائرا وجبَّارا على رعيته – حسب تعبير الشريف عيدروس، وكان مكروها عند جميع الأهالي، ولم يسعَ إلى نمو الزراعة، وقد مرت مقديشو في وقته في موجة من الخمول والفوضى وقحط مستمر حتى زالت حكومته.[10]

المراجع:

[1] الثقافة العربية ودروَّادها في الصومال، د.محمد حسين معلم

[2]” الصومال قديما وحديثا” حمدي السيد سالم.

[3] ” بغية الآمال في تاريخ الصومال”، الشريف عيدروس بن الشريف.

[4] ” الثقافة العربية وروادها في الصومال” مرجع سابق.

[5] المرجع نفسه.

[6]، بغية الآمال، مرجع سابق.

[7] ” السلطنات الإسلامية فـي منطقة القرن الإفريقـي” دراسة، للدكتور محمد حسين معلم، نشرت في شبكة الشاهد.

[8] المرجع نفسه.

[9] ” حال الدعوة الإسلامية في الصومال في فترة الإحتلال الأوروبي”، رسالة ماجستير غير منشورة، محمد نور حسين، جامعة المدينة العالمية، ماليزيا 2013م.

[10] ” بغية الآمال في تاريخ الصومال” مرجع سابق.

أنور أحمد ميو

كاتب وباحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى