اللغة الصومالية مقال معرفي

اللغة صومالية موطنها القرن الإفريقي، ولها امتدادت في جنوب الجزيرة العربية، بحكم هجرة الصوماليين، أو الهجرة العربية المنعكسة عائدة إلى جنوب الجزيرة العربية، و يزيد اليوم الناطقون بالصومالية عن عدد الناطقين باللغات اليونانية والكازاخية والزولو والتشيكية والسويدية واليوغورية، ليكون المتحدثون باللغة الصومالية لغة وحيدة لا يتحدثون بغيرها أكثر من خمسة عشر مليون إنسان.

وقد حازت اللغة الصومالية مكانة مهمة بين اللغات المستخدمة عالميًا، ليكون ذلك أحد النتائج الإيجابية للهجرة القسرية التي عايشها الشعب الصومالي خلال ربع قرن من الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي والأمني، فدخلت اللغة الصومالية قائمة اللغات المتاحة في خدمة الترجمة Google Translate متفوقة بذلك على لغات أكثر انتشارًا وأقدم أبجدية.

التعريف:

اللغة الصومالية من اللغات الأفروآسيوية، من الفرع الإفريقي ، وهي واحدة من اللغات الكوشية، والعائلة الكوشية الشرقية، المتمركزة في المنخفضات، ومن أسرة لغات (الصومالانية Somaliod ) أو (أومو- سان).

وإن اعتبرنا أن اللغة البشرية الأم “أ” فقد انقسمت إلى عدة أسر، فكان منها الأسرة (الإفريقية-الآسيوية)، والتي نمت بدورها تنقسم إلى فرعين رئيسيين أحدهما الفرع الآسيوي، المعروف عمومًا بالفرع “السامي” منحدرة منه لغات كالعربية والعبرية واللغات القديمة من آشورية وسريانية وآرامية وكنعانية وسبئية وقتبانية ومعينية وحمرية، أمّا الفرع الإفريقي فانقسم إلى عدة أسر جديدة فكان منها (المصرية القديمة) و(الأمازيغية/البربرية) و(التشادية) و(الأوموتية) التي انفصلت حديثًا عن الأسرة (الكوشية) التي تنتمي إليها اللغة الصومالية الحالية.

وقد انقسمت الأسرة الكوشية إلى أسر كان منها الكوشية الشمالية واهم ممثل لها لغة البجا (بداويت)، لكن أهم تلك الأسر الأسرة الكوشية الشرقي التي تمثل معظم الناطقين باللغات الكوشية، وقد انقسمت الكوشية الشرقية بدورها إلى أقسام أهمها الكوشية الشرقية “مرتفعات” وأهم لغاتها لغة (أورومو)، ويلي أقسام الكوشية الشرقية في الأهمية اللغات الكوشية “منخفضات” والتي تمثلها لغتى (عفر) خمسة ملايين نسمة و(الصومالية) خمسة وعشرين مليونًا.

النشأة:

نشأت اللغة الصومالية من تطوّر اللغة الكوشية الأم، وفرعها الشرقي، وتبلورت في منطقة بحيرة (توركانا) الرعوية، الواقعة اليوم على الحدود الإثيوبية الكينية، وأدى ارتحال الأسلاف الأول للصوماليين أو “سَمَالِه” مفارقين أشقائهم “رنديله”، بحثًا عن المرعى الجيد لمواشيهم، للانتقال شرقًا وشمالاً، حتى بلغوا المحيط الهندي وخليج عدن، ثم انعكس اتجاه هجرتهم إلى الجنوب والغرب، حتى بلغو الإقليم الصومالي في شرق جمهورية إثيوبيا، وأصبحوا العنصر البشري المهيمن، على مساحة بلغت مليون كيلومترًا أطلق عليها شبه الجزيرة الصومالية.

وتدل الكثير من الإشارات على أن اللغة الصومالية الحالية، أخذت شكلها النهائي المستعمل اليوم، مع مطلع القرن الأول الميلادي، وحافظت على خصوصيات اللغة الكوشية الأم، نظرًا لعزلتها الجغرافية من ناحية، وعدم احتكاكها لحقب تاريخية طويلة بلغات من خارج العائلة الكوشية، فإننا نرى اليوم، أن الصوماليين يحدهم من الشمال والشرق خليج ومحيط، ومن الجنوب والغرب، بلاد شاسعة لا يقطنها سوى الناطقون باللغات الكوشية كـ”عفر” و”أورومو” و”رنديله” و”بورانا”، دون أن تتعرض لنفوذ خارجي قوي، كما حدث للغات الإفريقية في مصر والسودان، حيث دخلت لغات متعددة لتهيمن على اللغات المحلية، وصولاً إلى اللغة العربية، ودون أن تتعرض اللغة الصومالية ـ كذلك ـ لاجتياح عناصر بشرية أخرى، كما حدث في منطقة البحيرات العظمى، وحلول لغات “بانتو” محل اللغات الكوشية، في أكثر صورها تجلّيًا لدى شعب (التوتسي) ذي السمات الجسدية السائدة لدى الكوشيين، لكن الناطق بلغة من لغات “بانتو”.

وقد ساهم عدم حدوث تطوّر كبير في أسلوب الحياة الاقتصادية، التي كان عمادها الرعي والزراعة البسيطة، في ثبات كبير للبنية الاجتماعية، قاد بالتالي إلى ثبات في منحى تطوّر اللغة، تطوّرًا لم يتبعد كثيرًا عن اللغة الأم كذلك.

العلاقة بين اللغات السامية والكوشية (العربية والصومالية) نموذجًا:

وبتتبع منحى تطوّر اللغة العربية لشكلها الوارد في النص القرآني وكذلك النصوص النبوية، فإننا ندرك بذلك أن اللغة العربية الفصحى، أخذت شكلها النهائي قبل بعثة النبي بفترة قصيرة، لاتتجاوز قرنين من الزمن أي قبل 1600 سنة تقريبًا، في حين أن الباحثين في اللغة الصومالية يقولون بأن اللغة الصومالية أخذت شكلها الحالي، في فترة حول القرن الأول الميلادي، ناهيك عن توجّه الكثير من علماء اللسانيات، لاعتبار اللغات السامية، فرعًا متنحِّيًا من اللغات الحامية (الإفريقية)، انفصل باكرًا عن اللسان الحامي (الإفريقي) الأول، ليأخذ منحًا متميّزًا في التطوّر، مع احتفاظه بالكثير من الخصائص الأساسية، كالأصل الثنائي والثلاثي لجذر الكلمة.

وبالرجوع إلى ما أوردناه آنفًا في كتابنا، من الوجود الكوشي الموغل في القدم، على الأرض العربية الحالية، وكون لغات إفريقية عديدة تحمل ذات الصفة الكوشية، من ضمنها اللغة الصومالية، فلا نكون بعيدين عن المصداقية، لقولنا بأن النشأة الأولى للغات السامية، كانت متأثرة بالمنبع الذي نبعت منه لغتنا الصومالية الحالية بـ”كوشيتها”، والذي لم تكن فقط منبثقة منه فقط، بل أحد الممثلين الأهم له، نظرًا لعدم فاعلية للتأثيرات الأجنبية على اللغة من حيث قواعد اللغة وبنية الكلمة وتركيب الجملة والتعابير والنّبر في اللفظ، فتلك المؤثرات لم تتجاوز في مجملها، إلى استعارة تسميات لأدوات لم يقم الصوماليون بصناعتها، و مصطلحات دينية تم استبدالها بمصطلحات عربية كون لغة القرآن الكريم هي العربية “لسانًا عربيًا”، وفي كلى الحالتين فإن اللغة الصومالية لم تكن فعلاً بحاجة إلى إضافتها، إنما أضافها الإنسان الصومالي في فترات لم يكن هو المهيمن على ناصية الإنتاج الصناعي، ولم تن لغته هي لغة الوحي والتنزيل والتراث والسيرة المجموعة للنبي العربي محمد بن عبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا نبالغ بأن جهود صوملة المصطلحات في السبعينيات، قد نجحت إلى حد كبير في صوملة معظم ما كان موجودًا من تسميات ومصطلحات علمية وصناعية دون عناء يُذكر، وأن المصطلحات الدينية الواردة من اللغة العربية، كان ولا زال لمرادفاتها وجود في اللسان الصومالي المتداول اليوم.

كما أن من المهم الالتفات إلى مسائل مهّمة، يقتضيها ما نحاول الوصول إليه، من أنه لا غرابة في أن نجد في اللغة العربية كلمات وعبارات، خاصة على المستوى الديني والعقدي، يصعب الوصول إلى جذرها العربي الواضح، ففي حين أن اللغة العربية ثلاثية الجذر في مجملة مفرداتها، تتراوح اللغة الصومالية الـ” كوشية” بين الثنائية والثلاثية، والجميل في اللغة الصومالية أن تنوّع المدود ودرجة المدّ بين القصر والطول، تقود إلى تنويع شديد في المعنى المراد التعبير عنه بسهولة ويسر ودقّة، كلفظة (بركة)، التي لها نظير في اللغات الكوشية ممثلًا بالصومالية (بر-واقه)، و(واق/واقا/واقه) إحدى أسماء إلاه السماء، أو الكائن الأعلى الخالق والمتحكم في الكون، والمهيمن على كل ما سواه، شاملًا بذلك معاني الإله (الله) بأسمائه وصفاته، وإن اختلفت التسمية لاختلاف البلاد والسكّان “وما من قرية إلّا خلا فيها نذير”، ويدخل في ذلك عبارة “وحي” وهو ما يُدرك بالوعي دونما تحديد، ويقابلها باللغة الصومالية (وح): شيء لا على التحديد، في والفعل الصومالي منها (وحي-يي): أي صنع الشيء غير المحدد، كما يدخل اسم (طيبة) ليكون إشارة أخرى، فقد أطلق النبيُّ عليها اسم طيبة، بكسر الطاء تليها ياء ساكنة، ثم باء مهملة وتاء مربوطة، ونظير العبارة “طيبة” بالصومالية  تي-إيبه: باللغة الصومالية تعني (المملوكة للرب)، وهو ذات اسم عاصمة مصر العاليا، ولا خلاف بين الخبراء على الرابط المسيس بين اللغات الكوشية واللغة المصرية القدمية نظرًا لكون المصرية القديمة آخر الفروع التي غادرت منطقة شرق النيل والقرن الإفريقي، بعد أن سبقتها اللغات السامية والأمازيغية والتشادية، فـ(تي) تعني حرفيًّا باللغة الصومالي (التي)، ولفظة (ايبه) تعني (الرب)، فيكون المعنى (التي للرب).

زر الذهاب إلى الأعلى