إعلامنا أداة توعية أم وسيلة إلهاء وإفساد؟

 

دور الاعلام في التأثير على الناس:

أدى الدور المتنامي للإعلام إلى أن تتعاظم أهميته لدى مختلف دول العالم التي أدركت دور ومكانة الإعلام في الحياة عموماً، وأخذته في الحسبان في بناء الدولة وتطوير الفرد والمجتمع، وصياغة أفكار الرأي العام، والمتتبع لمجريات الأمور والأحداث بمختلف صنوفها وأنواعها، وكل يوم جديد يأتي يتعرض فيه الإنسان في عصرنا الراهن إلى كم هائل من الرسائل الإعلامية الايجابية والسلبية التي توجه إليه من ترسانة إعلاميه ضخمه من تلفزة وإذاعة وصحف بين يوميه وأسبوعيه وشهريه، تتقاذف عليه من كل حدب وصوب ولا قدره للإنسان على صدها، أو الحد من نفوذها(1).

إن الانسان المعاصر يعيش في بيئة تتعدت فيها وسائل الإعلام، بحيث أصبح إحصاؤها مستعصيا لكثرتها وتنوعها الكبير، وقد اهتم الباحثون تأثيرها على الناس والدور الذي تلعب في توجيه الفرد والمجتمع، فقاموا برصد مفعوله على العقول والأفكار والسلوك البشري، حتي خلص بعضهم إلى القول بأن الدول المعاصرة تقوم على ثلاثة أعمدة رئيسية: السياسة والاقتصاد والاعلام، فعدوه أحد الركائز الأساسية لقيام الدول، لما لها من دور في فعال في ترسيخ قواعد الدولة والدفاع عن مشاريعا واتجاهاتها، والتبشير لأفكارها وأطروحاتها، والإشادة بإنجازاتها لتنال رضا الجمهور، وتحصل على ثقة الشعب. سواء كانت المواد التي تقدمها حقيقية أم هي مجرة إلهاء، وتغييب الناس عن الواقع، وإغراقهم بسيل من البرامج التي تدفع عنهم التفكير الصحيح.

وتقول الإحصاءات اليوم:

إنَّ في أجواء الفَضاء بضعة آلاف من القنوات الفضائية التي تبثُّ برامجها وموادَّها إلى مِئات الملايين في أنحاء العالم، حتى صار الإنسان اليوم يعيشُ في غابةٍ عالميَّة فضائيَّة!(2) هذا في الفضائيات فما بال الشبكات والإذاعات والصحف والمجلات.

مجالات تأثير وسائل الإعلام

هناك مجالات عديدة ركزت عليها البحوث الإعلامية لتأثير وسائل الإعلام، وهي على النحو الآتي:

  1. تغيير الموقف أو الاتجاه.
  2. التغيير المعرفي.
  3. تغيير القيم عبر التنشئة الاجتماعية.
  4. تغيير السلوك سواءاً أكان السلوك مفيداً، أم ضاراً(3).

فالاعلام يعمل في تلك المجالات كلها، فينشط في تغيير مواقف واتجاهات الأفراد والمجتمعات، ورفع سقف معارفهم بتزويدهم بأحدث ما توصلت إليه المعرفة البشرية من تطورات، والسعي لتغيير القيم السائدة غير المرغوبة في المجتمع عبر تنشئة الأجيال الجديدة، والتأثير في سلوكياتهم، ولا شك أن الاعلام سلاح ذو حدين، إن استعمل في الوجه الصحيح المثمر الباني، وفي سبيل الاصلاح، يكون جيدا ورائعا، وإن أسيئ استخدامه يكون مهلكا وقاتلا، ويصبح أحد معاول الهدم والإفساد.

ولا شكَّ أن تقدُّمَ الأمم اليوم أصبح يقاس بتطور علومها، لكنَّ هذه العلوم لا تستطيع أن تؤتي أُكلَها، ولا يمكن جني ثمارها بدون إعلام متطور، فالإعلام هو محور العلوم في هذا العصر، ويجب أن نسلِّمَ اليوم أن العالم بمشارقه ومغاربه أصبح قرية صغيرة، أو بالأحرى حاسوبًا صغيرًا بفضل وسائط الاتصال المتعددة ووسائل الإعلام المتنوعة، والمعركة التي تجري رحاها اليوم بين الإسلام وأعدائه، معركة إعلامية بالأساس، فكلُّ الحروب الأخرى – الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية – لا تستطيع تحقيق مآربها في غياب آلة إعلامية فتَّاكة تُحسن اختيار الأوقات المناسبة؛ لتوجيه ضرباتها وهجماتها بإتقان(4).

وإذا أمعنا النظر في الإعلام الصومالي نجد أنه يعاني من مشاكل متعددة جعلت يفقد جل وظائف الاعلام المرغوب، وتبدوا منه تأثيرات المشهد السياسي المتأزم، والصراع القبلية والحزبية التي ابتلي بها المجتمع الصومالي، بل إنه يسبح ضد التيار ويصب في خانة تأزيم الموقف، واختلاق الأخبار الكاذبة ونقل المعلومات بطريقة لا تحترم حتى عقول الجمهور المتابعين له.

فى منتصف التسعينيات من القرن الماضي أسهمت وسائل الاعلام المحلية فى تأجيج النار بين القبائل الصومالية المتناحرة ؛ حيث نشرت بعض الصحف أبياتٍ شعرية ونصوصا أدبية تعكر صفو التفاوض بين القبائل المتناحرة. وهكذا بات العنف القبلي فى الصومال يأخد فى الازدياد طالما تروج بعض الصحف والاذاعات لأهداف وسياسة قبيلة من القبائل(4) .

إن المشهد الإعلام في الصومالي متنوع ومتعدد بشكل كبير، ويثير الدهشة والعجب، وهو ترجمة واقعية لحالة التفكك وغياب الهوية، التي يعيشها المجتمع منذ سقوط الحكومة المركزية، وتنتابك القشعريرة حينما ترصد البرامج والمسلسلات التي تعرض على الشاشات، وجنون ترجمة الأفلام الأجنبية باللغة المحلية، وأغلبها أفلام هابطة، تدور حول العلاقة بين الرجل والمرأة فكم تهدمت بيوت من أجل إدمان ربات البيوت على تلك الأفلام فضاعت تربية أجيال وتحطمت أحلام رجال ونساء .. حتى التي يصنعها ويمثلها الصوماليون تدور حول الخيانات والسرقات، وسفاسف الأمور.

أما تعاطيها مع الأخبار المحلية، فالكل يتناول الأحداث بطريقة عشوائية، ولا تخضع أغلب الأخبار المرسلة من المراسلين لأي تدقيق، لغياب الأهلية لذلك، مما جعل أكثرها مدعاة للسخرية. والأشد من ذلك أنها ربما تتعمد لتأجيج الصراعات القبلية وتكون القناة والإذاعة أو الشبكة في الانترنت، أحد أطراف الصراع وتصطف مع إحدى الجهات، لأغراض قبلية أو حزبية أو مناطقية، وربما يتم اختلاق أخبار كاذبة بلا حياء ولا تذمم. فتحول الاعلام الصومالي إلى ساحات تبادل الاتهامات بين الجهات المتناحرة.

أما المواقع الاخبارية باللغة الصومالية، فهي مواقع ضرار – كما يقول محمد أحمد عبدالله الإعلامي في الجزيرة – بث الأكاذيب ولا تستحيي منها، وذلك لأسباب منها سهولة تصميم إطلاق الموقع الإلكتروني، وغياب سلطة إلكترونية قادرة على التحكم في محتوى الشبكة العنكبوتية في الصومال، كما أن المواقع الإلكترونية أصبحت مصدر مالي على حساب جوجل وشركات أخرى تحسب لك في كل نقرة على موقعك، ومن أجل جذب جمهور كبير من الزوار للموقع يلجأ أصحاب هذه المواقع إلى طرق وأساليب قذرة مثل وضع موضوع مثير له حساسية سياسية وأمنية فيكتب عنواناً بارزاً عن كشف سر كبير للحكومة أو للشباب أو للمسئول الفلاني أو للعشيرة الفلانية، أو عنوان مثير يحمل صورة إمرأة شبه عارية فينقر أصحاب الفضول على هذا العنوان نقرة تؤدي بك إلى صفحة جديدة تقول لك لتقرأ الخبر أنقر على الرابط في أسفل الصفحة، فتؤدي بك إلى رابط أخر يقودك إلى صفحة البداية فيحصل صاحب الموقع ثلاثة نقرات منك وترجع أنت بخفي حنين(6).

وهذا لا يعني عدم وجود مواقع وقنوات محترمة، تقدم برامج ومواضيع مهمة، ولها اسهامات جليلة في تغيير الوعي المجتمعي إلى الأحسن،  ولكن هذا تعبير عن الغالبية الكبرى، والسواد الأعظم. 

أين تكمن المشكلة؟

ويكمن الخلل في سوء انتقاء البرامج والمواضيع الإعلامية الهادفة، التي تفيد المتابع، وكذلك عدم وجود رؤية وآلية واضحة ومضبوطة تهدف إلى ترسيخ القيم والمبادئ في المجتمع، وإنما انحصر الهدف في جعل وسائل الإعلام رصيدا مفتوحا لجمع الثروات والأموال، أو أصبح كالآلة في يد جهات معينة تسعى لتنفيد أجنداتها ومصالحها الشخصية أو الجهوية، بدلا من أن يكون الإعلام منهجا تثقيفيا، وموطنا تربويا تعليميا يروي غليل الأمة، ويرفع من سقف وعيها لما حولها، وما عليها أن تعمل لبلوغ غدٍ أفضل، ومستقبل مشرق.

ومما يزيد الطين بلة العمليات الممنهجة التي تنتهجها وسائل الاعلام من القنوات أو الشبكات التابعة للكيانات القائمة في الوطن، التي تتعمد إلى إلهاء المواطن، وإغراقه بسيل من الأخبار أو البرامج التي لا تمت مع طموحاته ومستقبله بصلة، فتضحك عليه وتسخر به، وتتبنى استراتيجية الإلهاء، ” وهي عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات؛ وتتجسّد في تحويل انتباه الرأي العام عن طريق ضخ وابل من الإلهاءات والمعلومات التافهة بشكلٍ متواصلٍ وكثيفٍ؛ لمنع عامة الناس من الاهتمام بالمعارف اللازمة على مبدأ يقول (حافظ على تشتت اهتمامات العامة، بعيداً عن المشكلات الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو موضوعات ليست ذات أهمية حقيقية، اجعل الشعب منشغلاً، دون أن يكون له أي وقت أو أية قدرة على التفكير)”(7)

الاعلام المطلوب:

لا شك أن الاعلام من الوسائل الهامة في نهضة الأمة وتقدمها إذا أحسنا استخدامه، وهو المعبر عن مدى ضعف الأمة وقوتها، وتماسكها أو تفككها.

والاعلام المطلوب هو الاعلام الذي يهتم بنشر الأخلاقيات والقيم والأفكار وإشاعة السلوكيات التي تشارك في تغيير رواسب الحروب الأهلية، والأفكار الدخيلة في المجتمع، وتأخذ بيد المواطن إلى الرقي والتقدم، ورفع مستوى طموحه واهتماماته في كل المجالات، والذي ينحاز تمام الانحاز إلى الضعيف والمظلوم، ويحمل همومه الأمة بأسرها، ويضع الحلول الناجعة لمشاكلها، لا إعلام السلطات والقبلية والمناطقية، التي تتحدث باسمها وتمجدها مواقفها، وتسبح بحمدها بكرة وعشيا.

الاعلام الذي يتصف بخاصية الصدق والواقعية، صدق الخبر؛ بحيث لا فبركة ولا اختلاق للوقائع والأحداث والأخبار، وصدق في الحكم عليه، بعيدا عن محاباة أحد في إصدار الحكم الصحيح على الأحداث فالظلم يوصف بالظلم، لتظهر الحقيقة، فلا أهواء منحرفة وأهداف خبيثة توظف لها الوقائع.

الاعلام الذي يبني ولا يهدم، يجمع ولا يشتت، يؤثر في السلوك والأفكار لتصحيحها وتهذيبها، وترقيتها إلى العلياء، ويبتعد عن إثارة الشهوات، وإشاعة الفاحشة في المجتمع.

المراجع

(1) اقرأ المزيد من عدن الغد | تأثير الإعلام في العصر الراهن، عبد الرحمن باهارون، http://adenghad.net/news/64395/#ixzz3nrRufp00

(2) مقدمة في الاعلام الاسلامي، د. محمد يسري إبراهيم http://www.alukah.net/culture/0/29205/#ixzz3nrdBcsob

(3)  فهد بن عبدالرحمن الشميمري، تأثير وسائل الاعلام، http://www.saudimediaeducation.org/index.php?option=com_content&view=article&id=103:2010-10-19-14-11-04&catid=38:2010-10-19-13-48-30&Itemid=75

(4)  عبدالوهاب بن علي، أين “أمة الإعلام” من الإعلام  http://www.alukah.net/sharia/0/8989/

(4)  نبذة عن الإعلام الصومالي، شافعي محمد، http://arabic.alshahid.net/report/6658

(6)  الإعلام في ظل النزاعات: بين الفوضوية والمهنية، حوار أجرى مع موقع تكايا http://takayaa.com/archives/255

(7)  الإعلام الأمريكي… والحروب الاستباقية لهزيمة العرب…!، مصطفى قطبي http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-42-211567.htm

شعيب عبدالرزاق محمد

خريج من جامعة كسمايو، كلية التربية، قسم الدراسات الاسلامية، يعد ماجستير في التربية، فسم المناهج وطرق التدريس، من جامعة دار الحكمة في مقديشو.
زر الذهاب إلى الأعلى