ساسة بلا شاشة

“أعمل على أن يحبك الناس عندما تغادر منصبك كما يحبونك عندما تتسلمه ” مثل عالمي

التاريخ 

كبار الساسة هم مراكز القوة في الجمهوريات والملكيات، يمسكون بزمام الأمور ويتقاسمون الشرف والمهام ، الرئيس قبطان الدولة، ورئيس الوزراء محرك الدولة، والخارجية لسان الدولة ، كل عضو له اعتباره وخلط الأدوار يجعل الأمة في وضعية الأختلال.

هكذا علمنا التاريخ، فهل تعلمنا؟ 

الدولة العثمانية -في أواخر أيامها- هي مثال لتضخم مركز على بقية المراكز ،مناطق كبرى شبه مستقلة عليها ولاة أقواياء يطلبون ود السفارات الغربية بل ويسعون الى أن يكون لهم علم وجيش ورسائل مباشرة لا تمر بالصدر الأعظم – منصب عثماني يماثل رئيس الوزراء في وقتنا الراهن- فكان أسد الدولة محمد علي باشا والي مصر يعادي تارة الاستانة وتارة يدافع عنها ويتخاصم الاثنان عند الدول الغربية! التي لم تكن محايدة بطبيعة الحال. 

ومع تدهور الدولة العلية توزع التضخم أفقياً وعموديا ، منصب الصدر الأعظم في العصور المتأخرة  أصبح “الخليفة الغير متوج”، أسرة كوبرولو أحدى الأسرة التركية الشهيرة توارث المنصب وسميت الحقبة بأسمها لا بإسم من تقلد السلطنة، قادة الانكشارية يعزلون الخلفاء، شيوخ الاسلام يُقتلون بوشاية الحساد،وبسقوط هيبة المراكز التنفيذية والتشريعية والقضائية، أصبحت الدولة مريضة واسرارها الحساسة باتت في العلن، فكانت النتيجة الحتمية تدخل العواصم الأوربية في الشئون الداخلية ،يناصرون طماع الدولة على نعامة الدولة حتى سقطت وتناثرت الى خمسين دولة (لاند – حسب الحالة الصومالية).  

هل اتعظنا؟ 

النموذج المعاصر 

في وقتنا الراهن الدولة الصومالية هي خير مثال – إن كان في الأمر خير –  خلافات الطبقة السياسية الصومالية تذاع على الشاشات كمسلسل مكسيكي ، خوسيه جوليد ضد فرناندو فارح، الحلقة الرابعة عشر ما بعد الالفية الثالثة ، ماذا حصل؟ لماذا اختلفا ؟ هذا غير مهم ، المهم أن يذاع الخبر وينتصر فارح وجوليد لنفسيهما.

هذه المجموعة الغير مسؤولة والتي لم تقرأ التاريخ تعاني من عقدة “قبيلتي أو الطوفان ” ، في أروقة الفيلا الزرقاء تجمعت الاضداد، الرئيس والصدر الأعظم، العمدة والوالي ،البرلماني مع صاحب الوزارة ،خصومات طفولية متجددة لا تتغير بتغير الشخوص والاسماء، ظاهرها صحي وباطنها “أنا أمير وأنت أمير” ، من الجيد أن نختلف لكن كيف نختلف، ومتى نختلف وعلى اية قناة نختلف!! عدم وضوح الصلاحيات الدستورية جعلتنا في دوامة “إذا اختلف الساسة فالشاشة هي الميدان” وكان بالأحرى ان تكون هذه العبارة ” إذا اختلف الساسة فالدستور هو الحكم”. 

مع العلم إن الفيلا الزرقاء ليست حكراً على مقديشو بل في كل عاصمة صومالية توجد فيلا نصف زرقاء وطبقة تعاني من الحالة الجربوعية التي ذكرتها سابقاً ” فأر الصحراء” الذي يقال إنه من أعظم محاربي الصحراء ومن أعظم المحافظين على الحمى ويقوم بمبارزات بطولية فدائية بين بني جنسه محافظاً على حجره وعرينه من كل متطفل وينسى أحياناً نفسه وأهله وهو في خضم معركة الدفاع عن عرينه مع جاره أو أياً من الجرابيع الأخرى فيعيش معركة دموية وربما أتى ثعلب الصحراء متسكعا فيفترس المدافع والمهاجم أو أحدهما وبالتالي تنتهي المعركة البطولية الملحمية بالتهام الثعلب لأحد الفارسين أو كلاهما.

على التلفاز

النقد الهادف يبني والجدل التلفزيوني يهدم مشاعر الوطن، نرى مؤتمراً لرئيس الوزارء أو محافظ العاصمة على سبيل المثال يشتكي من الرئيس ويعدد الخروقات على قناة اليونفيرسال أو البي بي سي ، ويقول بلغة متشنجة وملامح بدوية قاسية: لقد خالف الرئيس المادة الأولى من الدستور الجاري تطبيقه!، نفقات الرئيس غير مقننة الخ من المواضيع التي تستحق التوضيح تحت قبة البرلمان لكن لا تستحق التشهير ، ألم يسمعوا بالغرف السرية ، والأجتماعات المغلقة.

هو لا يعرف شيئاً ويظن أنه يعرف الكثير إذا فهو يمتهن السياسة ” برناردوشو

نشر غسيل الدولة في العلن يضعف الشعور القومي بالأمان ،يمنع رجوع الأمهات والأباء الذين سئموا المهجر ،يجعل المستثمر يتردد، الكفاءات لا ترغب بالعودة وهكذا ،جميع قطاعات البلد تتضرر بخطاب تلفازي واحد غير محسوب من سعادة المعالي.

النقد من أساسيات السياسة لكن الضرب الاعلامي تحت الحزام بحجة النقد والتحدث بسلبية عبر وسائل الاعلام يجعلنا نقاوم النهوض بأنفسنا بدون الأيدي المانعة ، كل ما يتمناه العدو هو ان يراك متخاصماً مع زميلك مع وطنك مع نفسك.

شظايا الشحنات

هذه الشحنات الكلامية ليست في مصلحة الشعب يا أصحاب الميكرفونات والشاشات.

 – فإن أبيتم فأنتظرو الانفجار – أحمد مطر :

بلغ السيل الزبى

ها نحن والموت سواء

فآحذروا يا خلفاء

لا يخاف الميتُ الموتَ

ولا يخشى البلايا

قد زرعتم جمرات اليأس فينا

فاحصدوا نار الفناء

وعلينا … وعليكم

فإذا ما اصبح العيش قرينا للمنايا

فسيغدو الشعب لغما

وستغدون شظايا !!

الشعب يقول نريد النهوض ،نريد شاشة بلا ساسة ، نريد ساسة بلا مهاترات إعلامية ، نريد ساسة  حكماء ، نريد رئيسا مفوهاً ، رئيس وزراء يجعلنا نتوهم ونصدق أننا ننهض ، نريد زعيما يخاطب عقولنا وقلوبنا ويقول لقد عرفنا مواطن الخلل يا شعبي، أنا الراعي المسئول ، فقد قيل قديما “أعظم امجادنا لا يتمثل في عدم السقوط،أنما في الوقوف كل مرة بعد السقوط ” كونفوسيوش. 

زر الذهاب إلى الأعلى