الدور الفرنسي في الإبادة الجماعية برواندا عام 1994 وانتقال الصراع العرقي إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية (3-5)

وبالتالي، فرنسا متورطة في تكوين هؤلاء ومتورطة بشكل مباشر في تطور الصراع خاصة وأن عسكريين فرنسيين قاموا بانتهاكات لحقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين من خلال المعاملة السيئة والاعتداءات الجسدية والمشاركة في الاغتيالات وتعذيب السجناء وحتى الاغتصابات والاعتداءات الجنسية، وإن لم يقوموا بذلك بطريقة مباشرة، إلا أنهم اختاروا طريقة التحريض والسكوت عن هذه الانتهاكات.

    ولقد استمرت فرنسا بدعم النظام الرواندي، بالرغم من المجازر التي اقترفت حتى بعد اغتيال الرئيس. وفي هذا الإطار يقول “وليام إيسترلي” في كتابه “مسؤولية الرجل الأبيض”:

    “انحرفت التدخلات الإنسانية الجديدة، مثل تدخلات الحرب الباردة، لتخدم مصالح الغرب عوضاً عن المستفيدين المحتملين في باقي العالم. ولعب الفرنسيون (المندفعين بمصالحهم الاستراتيجية للحفاظ على منطقة نفوذ فرنسية في أفريقية الوسطى، التي يهددها المتمردون التوتسي الناطقون بالإنكليزية) دوراً مخجلاً في رواندا، وشحنوا السلاح إلى المتطرفين الهوتو حتى بعد بدء المذبحة الجماعية في نيسان/أبريل 1994. وأخلى الفرنسيون في نيسان/أبريل 1994 من كيغالي موظفي سفارتهم ومواطنيهم، وبعض حلفائهم من نخبة الهوتو وحتى كلب السفارة، لكنهم تركوا موظفي السفارة من التوتسي ليواجهوا قدرهم المحتوم.”

    وفيما كانت الجثث تُجمع في شاحنات المصالح العامة، وكانت فرق الجزارين تجوب المدينة والجنرال “دالار” يطلب التعزيزات، انحصرت الأمور بشكل أساسي في عملية إخلاء الجاليات الأجنبية، أين أرسلت فرنسا 450 جندياً وبلجيكا 450 مظلياً ثم 500 آخرين إلى كينيا، وانضم إلى العملية 80 إيطالياً، فيما كان هناك 250 “رانجرز” في بورندي.

    ولقد كان ممثل رواندا المرتبط بالمتطرفين يحتل في مجلس الأمن مقعد عضو غير دائم، وكان ممثلون عن حكومته يستقبلون في باريس، والأخيرة استمرت في تقديم السلاح للمتطرفين الهوتو في رواندا عبر “غوما” في “شمال كيفو”.

ثالثاً: “عملية الفيروز” ونقل الصراع العرقي إلى شرق الكونغو

    إلا أنها تجسدت أكثر مع عملية توركواز Turquoise، فعندما بدأت ملامح انتصار قوات “الجبهة الوطنية الرواندية” الممثلة لعرقية التوتسي، عندها اندفعت فرنسا إلى المواقع الأمامية، ففي 22 يونيو/ جوان من العام 1994 حصلت فرنسا من مجلس الأمن على موافقة للانطلاق في عملية يغطيها الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يسمح باستخدام القوة العسكرية.

    ولقد استقبلت الحكومة الانتقالية الرواندية القوات الفرنسية بحماسة. وهي، على أمل أن تنتهي عملية قوات حفظ السلام إلى منع تقدم “الجبهة الوطنية الرواندية”، وتم فرض مفاوضات على أساس تقسيم الأراضي. غير أن التقدم السريع لقوات “الجبهة الوطنية” تجاه العاصمة كيغالي وتأثر الرأي العام، نجحا في التسبب بانقسام الحكومة الفرنسية.

    ففي وجه العسكريين الفرنسيين، الذين أرادوا كسر شوكة “الجبهة الوطنية الرواندية” والذين لم يخفوا تضامنهم مع رفاق السلاح من عرقية الهوتو الذين أعدوهم ودربوهم، قرر رئيس الحكومة الفرنسية، حينها، “ادوار بالادور” أن يحد من طموحات العسكريين من وراء عمليات قوات الأمم المتحدة، مما جعلها تكتفي بإقامة “منطقة إنسانية آمنة” في غرب البلاد، أين التقت كل المجموعات المتطرفة من الهوتو والحكومة المؤقتة.

    وفي هذه المنطقة، بدا الفرنسيون عاجزين عن منع وقوع العديد من المجازر، ورفضوا نزع سلاح العسكريين والمليشيات المتطرفة، وتفادوا توقيف المسؤولين عن المذبحة والذين لجئوا في ما بعد إلى زائير، ولم يوقفوا إرسال إذاعة “التلال الألف” الحاقدة.

    الفرنسيون الذين أتوا بطائرات هليكوبتر قتالية وطائرات جاغوار وميراج والمئات من المدرعات ومدافع الميدان وقليل من الأدوية، وجدوا أنفسهم عاجزين إزاء وباء الكوليرا الذي تفشى في غوما وأودى بحياة ما يزيد عن 40000 لاجئ من الهوتو. عملية الفيروز Turquoiseصدرت الصراع العرقي من رواندا إلى الكونغو الديمقراطية.

    إن سقوط نظام عرقية الهوتو ذو الانحياز الفرنسي في رواندا أدى إلى صعود حكومة أنجلوساكسونية بقيادة التوتسي، لقد كان هدف فرنسا في رواندا يرتبط باحتواء المد الأنجلوساكسوني، بغض النظر عن أوضاع المنطقة، بما أن الحرب تشكل مصلحة ومكسب لها، إلا أن النتيجة في هذه الحالة كانت سلبية أدت إلى حصول كارثة إنسانية لطخت من سمعة أحد أكبر الدول الغربية قوة.

    فالتورط الفرنسي، شكل عامل تحريض لاندلاع أعمال العنف والإبادة الجماعية، كما أن الأوضاع زادت تعقيداً إثر التدخل الفرنسي، الشيء الذي أدى إلى برودة العلاقات الفرنسية -الرواندية منذ وصول FPR إلى السلطة، وزادت شدة خلال اتخاذ الحكومة الرواندية في 24 نوفمبر 2006 قرار قطع العلاقات الدبلوماسية، استنكاراً من كيغالي لإصدار قاضي التحقيق ” جان لوي بروغيير” Jean Louis- Bruguiereمذكرات توقيف بحق مقربين من الرئيس الرواندي “بول كاغامي” في قضية اغتيال الرئيس الرواندي حينها “جوفينال هابيارمانا”، إثر اعتداء على طائرته في 06 إبريل/ إفريل 1994، هذا الاغتيال الذي اعتبر الرصاصة الأولى لعمليات الإبادة الجماعية، كذلك توصية القاضي الفرنسي بمتابعة الرئيس الرواندي “كاجامي” أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة تورطه أيضاً في اغتيال الرئيس الرواندي “هابيار مانا”.

علي حسن الخولاني

باحث دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر، مختص في الشؤون الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى