طبيعة ومظاهر احتفالية الحج في الصومال

مقدمة عامة:

تحظى فريضة الحج وما يتعلق بعملية أدائها باهتمام خاص ومتميز في التراث الشعبي في الصومال، و تأتى تلك الأهمية من أوجه عديدة في مقدمتها سمة القدسية التي ترتبط بها تلك الفريضة الإسلامية، وأيضا الروابط التجارية والقرب الجغرافي بين شبه الجزيرة العربية ومنطقة الشرق الإفريقي أثره البالغ في انتشار الدعوة الإسلامية هناك، وحتى قبل الإسلام لم يمثل البحر عامل انفصال بين المنطقتين وإنما عامل اتصال تمر منه السفن التجارية حاملة معها البضائع و الأشخاص الذين ينقلون عاداتهم وثقافتهم إلى البلدان التي يرتحلون إليها …

وبظهور الإسلام والدعوة المحمدية الشريفة كان من الطبيعي أن تكون لمنطقة الشرق الإفريقي قصب السبق في استقبال طلائع المهاجرين المسلمين الذين توجهوا إلى الحبشة فرارا من بطش كفار قريش، و لكن انتشار الإسلام ظل مقتصرا فيما بعد على السواحل دون المناطق الداخلية بسبب العلاقات التجارية بين المسلمين و شعوب المنطقة، فالعلاقات التجارية التي كانت قائمة بين الساحل الممتد من مقديشو شمالا و حتى سوفالا عند موزمبيق جنوبا منذ ما قبل الإسلام زادها العامل الديني قوَّةً واندفاعًا كما أن كثيرا من أعضاء تلك الهجرات الأولى كان معظمهم من الارستقراطيين و الأغنياء الذين استغلُّوا براعتهم في إنعاش التجارة بين الجزيرة العربية و سواحل شرق أفريقيا فشهدت من ثمَّ الفترة من القرن الثامن حتى الثاني عشر الميلادي حركة تجارية نشطة ساعد عليها اهتمام كل من الخلافة العباسية في عصرها الأوَّل ثم الخلافة الفاطمية في مصر بحركة التجارة في كل من الخليج العربي و البحر الأحمر ومع البلاد الهند و الشرق الأقصى.

المبحث الأول: العادات والتقاليد المرتبطة باحتفالية الحج في الصومال:

المطلب الأول: الاستعدادات الشخصية:

كان الحاج الصومالي عندما يطمع في تأدية الحج يستعدّ لرحلة الحج ربما لعدَّة سنوات، وذلك لخلق ظروف بيئية مواتية للذهاب والسفر إلى الحج وأداء هذا الركن المهم من أركان الإسلام، ويجتهد الشخص الذي يريد الحج في جمع الأموال من بهائم الأنعام وغيرها، لتوفير المستلزمات اللازمة للحج حتى لو يأخذ ذلك نصف عمره، وكان بعض منهم يقومون ببيع الإبل وما شابه ذلك لتوفير النفقة خلال رحلة الحج شريطة أن يكون هذا المال من مصدر حلال، ويمكن أن يفلسوا بعد حجهم، فيتم تعويضهم وإعطاؤهم قسما من المال، وهذا جزء من التضامن الاجتماعي عند المجتمع الصومالي.

أما الاستعدادات المنزلية فأسرة الحاج الصومالي تبدأ في التحضير لترتيبات السفر، وتصر ربَّة المنزل على شراء كل مستلزمات الحاج من الأسواق، وتأمين ما يلزمه من متاع وآلة تنقُّل وغيره، فالاستعداد للحج لا يكون روحانيا فقط، وإنما أيضا بإعداد الأمتعة المناسبة لها.

كان الحجاج الصوماليون القدماء عندما يخرجون لرحلة الحج يتمُّ تجهيزهم بشكل جيِّد، وكان الحاج الصومالي يوصي لأولاده وأزواجه كأنه يموت عن قريب غير أنه لم يكن يقسم ماله، وكان وصيته في تولّى المهمات للأولاد وحفظهم لممتلكات العائلة ومصالحها، وكان الحاج الصومالي سفيرا عن أهالي القرية أو البلدة إلى الله، يطلب منه الناس أن يدعو لهم في كل أمور دينهم وديناهم، ويتم إقامة حفلات توديع مشهودة، ويتم توديعه بمواكب عديدة إلى مسافات بعيدة.

أما الاستعدادات الشخصية للحج في الوقت المعاصر فالوضع أصبح مختلفا فهناك وسائل المواصلات الحديثة مثل الطائرات التي تصل عبرها إلى الأراضي المقدسة في غضون ساعات قليلة، بخلاف الوضع السابق التي كان السفر  بالوسائل التقليدية مثل الإبل والبغال والحمير وغيرها، ولم تكن طرق ومسالك الحج غير متوفرة، فالاستعدادات الشخصية في الوقت المعاصر بجمع مبلغ مالي معين عبارة عن تكلفة التأشيرة وتذكرة الطائرة وتصل إلى (3500 دولار تقريبا)، ومن ثم توفّر شركات الطيران الصومالية المحلية للحاج خدمات النقل الجوّي إلى السعودية والسكن خلال تأدية أعمال الحج، إضافة إلى النقل من وإلى المشاعر المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما توفّر شركات الطيران الصومالية للحاج لباس الإحرام قبل بدء الرحلة من الصومال إلى السعوية.

المطلب الثاني استقبال الحاج ومنزلته:

كان الحاج الصومالي يحظي باحترام شديد بين المجتمع نظرا لاقترابه من الأماكن المقدسة من الكعبة المشرفة ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقبره، وعند قدومه إلى الصومال وعودته من رحلة الحج يستقبله الناس بما يليق به من الاحترام والإجلال لكونه قدم من الأراض المقدسة، وتُقعد له حفلة كبيرة بعد استقباله إلى الديار يشترك فيها كل الأعيان في البلدة أو القرية بحيث يتم ذبح القرابين وتوزيع الصدقات على الفقراء، وأكل الحلاوي وغير ذلك.

وكان الحاج القادم من الأراضي المقدسة يمكث في بيته عدة أيام كي يتلقَّى التحايا والتهاني من الأهالي والجيران، وكان الصوماليون يعتقدون بأن الحاج يقبل دعوته في الشهر الأول من عودته من الحج، وكانت له مرتبة تضاهي مرتبة العلماء، وكان بعض الحجاج يصومون قرابة أسبوع كامل، ولعلَّ هذا الصوم له علاقة بالحج بأن وجب على الحاج الدم لو لم يذبح هديَّة إلى البيت الحرام، ولكن بدلا من ذلك يقوم بالصوم ثلاثة أيام في الحرم وسبعة إذا رجع إلى بلده كما ورد في القرآن، وفي المدن الساحلية في جنوب البلاد كانت هناك عادة لاستقبال الحجاج حيث يخرج الناس إلى استقبال الحجاج بالزغاريد والقصائد بالدفوف والأناشيد الدينية ثم الدعاء.

المطلب الثالث: الأكلات الشعبية:

تعتبر الحلوي الصومالية والبسكويت، و(العنبولو) وهي حبوب فاصوليا الأزوكي مخلوطة بالزبد أو الزيت والسكر؛ ويتم طهي الفاصوليا وحدها  ويطلق عليها محليا اسم ديجير (digir)  لمدة خمسة ساعات كاملة على نار هادئة للوصول للنكهة المطلوبة، إضافة إلى الأرز المسلوق باللحم، والمعكرونة كل تلك الأكلات تعتبر سيدة الموائد في كل  بيت من بيوت الصوماليين حيث يتناولها الجميع في الأفراح والمناسبات العامة والخاصة كالأعياد والأعراس وغيرها.

وعند تجهيز الحاج يتم دبق اللحم وتجفيفه كي لا يتغيَّر لونه أثناء السفر، وكان من العرف السائد أن النساء يأخذن دورًا كبيرا في تجهيز الحجاج لكون المرأة هي التي تصنع الطعام وتجهز بكل ما يتعلق بالأسرة في التقاليد والعادات الصومالية، وكان يصنع للحاج الصومالي اللحم المدبوق من الخروف المخلوط بالسمن، وأحسن ما كان يأخذ الحجاج هو اللحم المدبوق والمجفَّف، والذي يطول عمره دون أن يتغير طعمه وريحه ولونه، ويسمى هذا النوع من اللحم في اللغة المحلّية بـ(اللقمة) أو (أَودْكَعْ)، وكان أهل البدو والريف يفضّلونه على غيره لعدم امتلاكهم لثلاجات وما أشبه ذلك.

المطلب الرابع: دورة الحياة المواكبة لعيد الأضحى:

يحتفل الصوماليون كغيرهم من شعوب العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك في جوٍّ من السعادة والابتهاج، ومنذ الانتهاء من صلاة فجر يوم العاشر من ذي الحجة يبدأ الصوماليون بمختلف أعمارهم في التوجُّه إلى ساحات صلاة العيد في وقت مبكّر وفي الغالب تكون تلك الساحات في العَراء، لكن بعد تردّي الأحوال الأمنية كانت المساجد هي المكان الوحيد لصلاة العيد بدلا من الساحات العامة التي تجمع الألوف من المصلين.

وما أن يفرغ الناس من أداء صلاة عيد الأضحى المبارك حتى يبدأو  في نحر الأضاحي التي تتكون في الغالب من الماعز والأبقار ، ولا يكثر ذبح الإبل والضأن أو الخروف كثيرا في الأضاحى، وربما تشترك بعض العائلات في الأضاحي لقلة دخلها الاقتصادي، وعادة ما يتم توزيع اللحوم على المنازل المجاورة والأقرباء والمساكين والأيتام، وتقوم الهيئات الإغاثية بدور كبير في إعالة الأسر الضعيفة والفقيرة وإعطائها جزءا من الأضاحي .

ويرتدي الأطفال أجمل الثياب، ويحمل كل طفل بيده سجادة الصلاة الخاصة به ويرافق أباه أو أخاه إلى أداء صلاة العيد، وبعد الصلاة يبدأ الأطفال باللعب بالألعاب الألكترونية، وتبدأ الزيارات العائلية بمصاحبة الأطفال ويتم تبادل التهاني والتبريكات.

المطلب الخامس: الاستعدادات المنزلية للعيد:

في ظل الاستعدادات المنزلية والعائلية هناك حركة تجارية ملحوظة في مختلف الأسواق في الصومال أيام العيد وذلك  لشراء مستلزمات العيد من دقيق وخبز وزيت وسكر ولحوم، وغير ذلك من المواد المطلوبة في إعداد وجبات العيد، كما يسارع الناس إلى شراء أضحية العيد وكالعادة تنشط تجارة بيع المواشي بسبب سُنَّة ذبح الأضاحي التي يؤديها عدد كبير من المجتمع الصومالي، وترتفع أسعار المواشي بشكل ملحوظ في أيام عيد الأضحى المبارك بسبب الإقبال الشديد عليها من قبل هيئات خيرية تقوم بشراء أعداد كبيرة من المواشي من الأسواق المحلية بهدف توزيع لحومها على الفقراء أثناء أيام التشريق من ذي الحجة.

كما تنشط متاجر الحلاوي وأسواق الملابس في مقديشو؛ حيث تشتري الأسر ملابس جديدة لأطفالها وعائلاتها، ويتزاحم المتسوقون ويتهافتون على شراء الملابس والأحذية والتجهيزات الأخرى، وتشهد تلك الأسواق ارتفاعا في الملابس بسبب الإقبال الشديد عليها، ويرى بعض المواطنين الصوماليين أن التجار يستغلُّون أيام الفرحة والمناسبة والإقبال الكبير على الشراء، ويضاعفون الأسعار لتضخيم الربح، فيما يقول التجار إن المعروض من السلع أقل من الطلب؛ وبالتالي يؤدي إلى زيادة الأسعار لإحداث التوازن في السوق.

المبحث الثاني: المعارف والمعتقدات والتصوارت الشعبية:

المطلب الأول:  زيارة الأولياء:

تنتشر الطرق الصوفية في جميع ربوع الصومال، ولها مراكز ومدارس في معظم مدن الصومال، ومنها مقديشو، وبارطيري، وبيولي، وغالكعيو، وهرغيسا، وبورما، وبيدوه، وورشيخ، وعدله، وعيل طير، وطوسمريب، وبلدوين، وغرووي، وغيرها، ومن الطقوس الدينية التي يمارسها الصوماليون زيارة أضرحة العلماء المشاهير للطرق الصوفية في كل عام كرامة الأولياء.

وقد اعتاد المجتمع الصومالي القيام بما يسمى بالحولية أو الزيارة عند ضريح أحد أولياء الله بمناسبة ذكراه، فمن الأضرحة المشهورة التي تُزَار سنوياً ضريح الشيخ أويس بن أحمد البراوي القادري الذي يرجع إليه الفضل في إدخال الطريقة القادرية إلى الصومال، وهو مدفون في قرية “بيولي” في محافظة بكول جنوب الصومال، وتقع قريبا من بلدة تييغلو.

يقول عبد الرحمن النجار  :” يقام في كل عام احتفال كبير بمناسبة ذكراه حول ضريحه تستمر لمدة ثلاثة أيام، ويشهد هذا الاحتفال مندوب من الحكومة الصومالية، ومع أن قرية ” بيولي” تقع في وسط البادية، وبعيدة عن العاصمة وفي واد غير ذي زرع، والطريق إليها طويل وشاق، تقدم الوفود إلى هذا المكان من العاصمة مقديشو ومن جميع جهات الصومال، والجميع ينشدون الأناشيد الدينية، هناك عشرات الألوف يتجمعون في كل مكان، ويقضون نهارهم في قراءة القرآن وإنشاد الأناشيد، وفي الليل تقام حلقات الأذكار يذكرون اسم الله وصفاته والصلاة على رسول الله، وذكر مناقب الشيخ أويس، ويخيّل إليك أن الكون كله يرتجّ من أصوات الذكر، وأن صدى الأصوات تتجاوب به السموات، وتعقد حلقة يجلس فيها أكثر من مائتين من حفاظ القرآن، وأكثرهم من أبناء البادية الذين لم يدخلوا مدرسة، ولم يجلسوا إلى معلّم سوى محفّظ القرآن، يقرأ واحدهم  الآية الأولى من سورة البقرة والذي يليه يقرأ الآية الثانية، والذي يليه يقرأ الآية الثالثة .. هكذا حتى يختموا القرآن حفظاً”.

وأيضا هناك زيارة سنوية مماثلة تقوم بها قطاعات من المجتمع الصومالي إلى قرية وَرْشَيخ شرق مقديشو حيث يُزار قبر الشيخ عبد الرحمن عمر العلي، والشيخ العالم أبي بكر المحضار، وهناك زيارة إلى مدينة مركا حيث قبر الشيخ علي ميه وابنه الشيخ محمد وهما من أكابر شيوخ الأحمدية، وفي مقديشو يتم زيارة حاشدة لقبر الشيخ عبد الله الصوفي الشاشي بأعداد غفيرة.

ويَعتَبِر أتباع مدارس التصوف  في الصومال إحياء مثل هذه الحوليات أو الزيارات السنوية بأنها رسالة وَفَاء لشيوخ المدرسة الصوفية الذين أسسوا هذه المدارس؛ وذلك بغَرض استرجاع سِيَر مشايخ المدرسة، ومناقبهم، وكراماتهم، وأيضاً استذكاراً بمآثرهم، وفضلهم الكبير على المجتمع الصومالى في نشر الدين، ويشارك المريدون في إقامة حلقات الذكر والإنشاد، ويسمح لكبار السن الجلوس أو القيام وسط الحلقة، فيما يوزع بعض المجذوبين العطور على الحضور طلباً للبركة ودعاء الصالحين، ويتمايل الذاكرون يميناً ويساراً على إيقاعات الإنشاد الصوفي(1).

المطلب الثاني: ماء زمزم:

لـِمَاء زمزم منزلة كبيرة عند الصوماليين حيث يعتبر ماء زمزم من الأمور المقدسة عند الشعوب الإسلامية جميعا لما يحمله من معانِ دينية وفوائد وفضائل كبيرة، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: ” ماء زمزم لما شُرب له”، وفي حديث آخر ” زمزم شفاء من كل سقم”.

ويولِّي الحاج الصومالي اهتمامًا كبيرًا بماء زمزم حيث يفضّل حمل هذه المياه  إلى البلاد على  جميع المستلزمات الأخرى من أمتعة وملابس جديدة وهدايا أخرى وغيرها، ويعتقد الصوماليون أن ماء زمزم ماء يتبرَّك به، وأنه يشفي المريض ويقضي الحاجات والمقاصد.

وينتظر الناس من الحاج توزيع ماء زمزم كأثمن هدية للأقارب والجيران والمعارف، وفي بعض الأحيان يخلط فيه بمياه عادية حتى يجد كل واحد من الحاضرين قسمه من هدية الحاج، ويحرص الحاج على تقليل  كمية المياه عند التوزيع ولا يهُمُّ أن تكون كمية المياه التي يتلَّقَاها كبيرة بل يفرح إذا وجد الشخص الصومالي قطرات عديدة فقط من زمزم.

المبحث الثالث: فنون الأدب الشعبي والأداء:

يملك الشعب الصومالي تاريخًا طويلا وحضارة عريقة خزنت الأشعار والأغاني والأمثال والألعاب والحكايات الجميلة التي كان الأجداد والأحفاد يعبرون فيها عن أفراحهم وأحزانهم وأحلامهم ومشاعرهم وأفكارهم، كما يملك الشعب الصومالي تراثًا مبهرا يغوص في بحر من الإبدَاع وألحانًا حماسية تفيض بالأحاسيس والمشاعر الصادقة وصفحات لا تنسى.

ولم تخلُ التقاليد الصومالية العريقة من ليالي السمر والألحان البدوية الموغلة في النقاء الإنساني، والرقصات العنيفة والصاخبة أحيانا، وألعاب أخرى تقليدية ذات عنف وقوة وصيحات عصية على الاندثار، قاومت على المؤثرات الخارجية والداخلية، أو أن تغمرها السيول الجارفة التي حملت إلينا الثقافات الوافدة والعادات العابرة للقارات.

ومن الألعاب الجميلة التي يكنُّ لها الشعب الصومالي بكل أطيافه وأعماره احتراما كبيرا ومحبة تفوق الخيال رقصة “الطانتو التراثية” التي أصبحت الشعار الأساسي للصوماليين في الوطن وفي المهجر والشتات، وسيدة الرقصات الشعبية لقوة كلماتها وانسيابها العجيبة، وأصالتها ونقاء وصفها، وقوة وقعها، وإنسجام حركاتها وصلتها المباشر للماضي الجميل والحاضر المثخن بالجراحات والألم(2).

أما الفن والأدب العربي فمرتبط بالتصوف الصومالي المنتشر في كثير من ربوع الصومال، ويشتهر التصوف الصومالي بإنشاد القصائد الشعرية باللغة العربية وأغلبها مدائح للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكبار المشائخ والعارفين في الطرق الصوفية.

وتنتشر القصائد باللغة العربية التي قرض معظمها العلماء الصوفيون الصوماليون ودوَّنوها في كثير من الكتب والرسائل والمراكز والحلقات العلمية والخلاوي القرآنية في الصومال حيث تلقَّت تجاوُبا كبيرا من المريدين حتى من العامة الذين لا يعرفون معانيها.

وكثيرا ما تركز القصائد الصوفية على الجوانب الروحية بما فيها تمجيد الله والأمداح النبوية والتوسلات وغيرها، وهناك قصائد وضعها علماء صوفيون والتي تمس الحياة العامة لمعالجة الظواهر الاجتماعية مثل التبرج والسفور وانتشار الفجور وغيرها، أو تنشد لأغراض الحج والشوق إلى الأماكن المقدسة في الحجاز كما سيأتي، أو الرد على الكفار وغير ذلك.

كما لم يقتصر دور التراث الشعبي الأدبي على مثل هذه القصائد التي أنشدها المتصوفون، بل قد برز شعراء ماهرون تناولوا الأمور الاجتماعية، فهذا الشيخ عبد القادر حاج عبد الله وهو عالم صومالي ماهر بالشعر العربي، وله ديوان مخطوط، ومنها قصيدة في الاعتزاز بالنفس والفخر والمثل العليا والقيم الانسانية والاجتماعية ، يقول فيها:

إذا ما نهضتُّ بارزِ الناب نحوهم    **  فما ثمّ إلا مستخفٍّ وشــارد

فلاتحزَنوا ياقــوم ما أنا بينكم     **  هنيئًا لكم ما دمتُ أغَنّي وأنشُد

وتضطرب الأعضاء مِن فرط خوفها **إذا قيل إن اللَّيث في الغاب يرصد

أكافئ بالإحسان ذا المروءة والوفا   **   وكل بَذِئ القـول أَنفي وأطرد

وإذا ما زئرت من بلادي تنافرت    **    فُحُـول البرايا والمسـافة أبعد

وكل يقول الشعر من قدر علمه   **  كأكل التفـاح قيل لا يحسن القرد

وما كل مبسوط الذراع غضنفر     **   ولا مثل شعري كل من هو منشد

المطلب الأول: الأغاني الشعبية والموسيقى:

يحظى الفنُّ الصومالي وخاصة الغناء الموسيقي بمكانة بارزة داخل البلاد، وكان يتمتع برعاية الدولة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد سياد بري، وأصبحت الأغنية الصومالية في مصاف الأغاني الناجحة على المستوى الإفريقي في السبعينيات من القرن الماضي.

ولا يخلو الأدب الصومالي من الأغاني والقصائد باللغة العربية التي يلقيها الصوفيون ومن تأثَّر بهم، يقول الشريف عيدروس: ” من العادات الحسنة التي لا تزال باقية حتى الآن في بعض المناطق الصومالية – خاصة عند بعض القبائل الصومالية المنحدرة من اليمن – إنشاد القصائد، وضرب الدفوف وخصوصاً في الموالد والأفراح.

وقد كان قديماً أهل كل حارة يقيمون أفراحهم لأنفسهم دون أن يشاركوا فيها أهالي الأحياء المجاورة لهم، ومن عاداتهم أن يجلس العلماء والشيوخ في الصفوف الأولى، ثم مَن هم أقلُّ درجة  ثم الشباب، ثم ضاربوا الدفوف، فالعريس ( إذاكانت حفلة زواج)، ويكون الشاعر في وسطهم، واذا اجتمع أكثر من شاعر أو خليفة في حفلة واحدة تكون السلطة لمن يستحقها علما أو جاهاً مع إنشاد قصائد في فلاتهم”.

ومن القصائد التي لها علاقة باحتفالية الحج ما أنشده الشيخ محمد بن الشيخ علي ميه – وهو ابن أحد أكبر المشائخ الصوفية الأحمدية في الصومال –  وهو ينشد في المشاعر المقدسة، قال:

صلاةٌ من المولــــــــــــــى ونورٌ لنــــــــــــا بــــــدا ** على القبة الخضرا وفيها محمدا

بنورك أوضَحْت الهدى لمن اهتدى **  عليك صلاة الله يا علَمَ الهدى

مقامك محبوب وأنت محمد  **  ورَبُّ العُلى المحمود سمَّاك أحمدا

وأرسلك الرحمن للخلق رحمة ** فجئتَ رسولا خاتم الرسل سيّدا

ولولاك ما سُدْنا على كل أمــــــــــة  ** ولولاك لم نُهدَ ولا عُرف الهدى

ولولاك ما حجَّ الحجيج بكعبة ** ولولاك لم نَشهد بمكة مشهدا

وأنت حبيب الله أفضل خلقه ** وأنت الذي سماك ربي محمدا

مدائحه أَحلى مِن الشهد في فمي ** فلا شيء أحلى من مديح محمدا

عليك صلاة الله ثم سلامه ** على مبتدا الأيام صدقا مؤيَّدا

ومنها قصيدة  في مدح الرسول النبي الأعظم للشيخ أحمد منير ، وهوبالقرب من قبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قصيدته:

إله الخلق صلى على طه المعلى **  وآل البيت كلا وأصحاب الأجلا

أيا معشوق قلبي وترياق المحب ** وترياق المحب فجد لي منك وصلا

فطوبي ثم طوبى لمن قد ذا ق كوبا** مصفى لا مشوبا من الوصال علا

أتينا الدار ضيفا وجبنا فيك فيفا** ونوق الحاج هيفا جثت تحط رحلا

هنيئا لي بنظره لقبـــــــة مســـــــــره ** وتبدو ذان حضرة ولثمي للمصلى

وجلسات أليفه بروضة شريفة** ووقفات منيفه بمواك المحلى

فمن يقصدك قصدا يروم منك رفدا ** تمده بمجدى به تغني المقلا

فأنت خير معط لنا موفور قسط** وعنا غير مبط فلا نخاف مطلا

ذكا من طيب صلب شذاك يا ابن كعب** ويا ابن بنت وهب فما أزكاك أصلا

المطلب الثاني: الحكايات والأمثال الشعبية والأقوال المأثورة:

تنتشر القصص والأساطير الشعبية بدرجة عظيمة بين الشعب الصومالي في كل مكان لاسيما في المطاعم حول الموائد وفي أماكن شرب الشاي، خاصة في المساء حينما يجتمع البدو حول النيران المشتعلة عبر السهول، يجد الراوي الممتاز أذناً صاغية وقلوب واعية لما يروي من أقاصيص وقصص صومالية وأساطير، وهى في العادة ذات تراكيب غير محددة، وعلى أية حال يراعى ذلك مع القواعد الرئيسية بقدر الإمكان وفق الراوي نفسه.

والرواية فن شعبي وأقرب إلى الحياة اليومية منه إلى الأسلوب الخطابي، فالراوي الماهر إنما يمثل الممثل الماهر ، ويلعب دور كل شخصية في قصته لإظهارهم في الحياة الشعبية.

أما أساطير الحيوانات والرمزيات من قصص الأطفال التي تستخدم في تربيتهم فإنها تحتوي على نصائح ومواعظ ومعلومات، وتطرق القصص الشعبية المواقف الاجتماعية والأخلاق والعظات وشرور الدنيا التي سيقابلها الطفل إذا عصى والديه أو خالف أمر الله.

ويستخدم الكبار قصصاً بقصد الرمز  في الكلام، وأحياناً يكون ذلك في القصائد مثلما يشير العرب إلى أغنية للأطفال معروفة أو قصص الجانّ والشياطين، والقصص التي تروى بين الكبار هى التي تتناول شخصية تاريخية مشهورة مثل السلطان الكبيرة ويل وال، والمرأة الحاكمة الأسطورة أرويلو ، والراعي الجبان عغال شداد وغيرهم من الأسطوريين

وتدل الحكم الصومالية على درجة كبيرة من البصيرة والذكاء، وغالباً ماتستعمل في أثناء الحديث، وقد تقطف في أصلها من قصيدة أو قصة لتشرح نقطة ما بطريقة دقيقة فليس هناك هروب من الحقيقة من هذا المثل.

وهناك عشرات من الأمثال الصومالية مازالت باقية وتستخدم في المناقشات فهم يختمون كل حياتهم بطريقة مركزة من حياتهم اليومية، فمن حِكَمهم: “أُصبع واحدة لا تغسل الوجه”،… “مَن كان على وُضوء لا يفزعه الآذان”،… “الطعام الرَّدئ يبقى في الإناء”،… “الجائع عَفوُه بعيد”،… “بِداية التدخين الصبر على رائحة الطباق”،… “مَن نزل إلى النهر لا يَخرج بغير بلل”،… “الكذَّاب يَستعين بشَهادة مَيت أو غَائب”،… “مِن قَبل أن تَعرفني لا تُبغِضني”،… “لا تَضع ماءً في إنـاء مشقوق”،… “بقرة الغائب تلد ذكراً”، وغيرها(3).

المبحث الرابع: الحجاج   الإحصائيات والعقبات:

المطلب الأول: العقبات التي تواجه الصوماليين في الحج:

منذ ما يقارب العقدين من الزمان في ظل انهيار الدولة الصومالية تقوم شركتا طيران محلية خاصة بنقل الحجاج الصوماليين كل عام جوًّا إلى المشاعر المقدسة في المملكة العربية السعودية،هما شركة «دالو» ، وشركة جوبا للطيران.

وتقوم سفارتا المملكة العربية السعودية في كل من جيبوتي وكينيا بمنح تأشيرات الحج والعمرة للحجاج الصوماليين في خارج الصومال، بسبب عدم وجود بعثة دبلوماسية للمملكة في الصومال، أما الصوماليون في داخل الصومال فتقوم شركات الطيران بإصدار تلك التأشيرات وتوزيعها لمن يريد الحج بثمن باهظ (3750 دولار في هذا العام)، وهذا المبلغ الكبير لا يتوفر لدى معظم المجتمع الصومالي الذي عانى من أزمات اقتصادية كبيرة منذ أكثر من عقدين من الزمان، في حين أن تكلفة التأشيرة وتذكرة الطائرة في بعض البلدان المجاورة للصومال تصل إلى ألف دولار تقريبا، وفي بعض البلدان المجاورة مثل كينيا يجد الحاج خدمات وفيرة من السكن والنقل والطعام والرعاية الصحية أفضل مما يجده الحاج الصومالي الذي دفع ثمنا أغلى منه..

وعن سبب تضخم تكلفة الحج في الصومال قال شيخ إبراهيم: ” إن السبب الأهمّ في ذلك هو انهيار الدولة في الصومال التي كانت تدعم خدمات الحج والعمرة من خزينتها، واحتكار شركتين صوماليتين لشؤون الحج، وهما شركتا جوبا ودالو للطيران، وتجعلان سعر تكلفة الحج والعمرة حسب مصالحهما الاقتصادية، ولأن الحكومة السعودية ترحّل مئات الصوماليين من أراضيها شهريًّا إلى الصومال على حساب هاتين الشركتين، وهما يريدان – حسب رأيي – أن تعوّضا تكلفة الحج عن تلك الرحلات المجانية للمرحّلين.

وترتفع تكاليف الحج في كل عام حيث كانت تكلفة الحاج الصومالي هذا العام 1435هـ/2014م بـ 3550 دولار، وتكلفة الحاج الصومالي في العام الماضي 1434هـ/2013م بـ3360 دولار(2).

المطلب الثاني: طبقات الحجاج في الصومال:

تتمكن المرأة الصومالية من السفر إلى الحج برفقة أهلها (الزوج أو الأخ أو الابن أو الحفيد) بنسبة لا بأس بها مقارنة ما سبق من تاريخ الحج في الصومال، حيث كان حج المرأة الصومالية شبه مستحيلا نظرا للصعوبات ووعورة طرق ومسالك الحج.

المطلب الثاني: إحصائيات الحجاج في الصومال:

كانت الصومال من الدول التي تدفع بأعداد كبيرة من الحجاج سنويا إلى المشاعر المقدسة قبل سقوط الدولة المركزية في الصومال في عام 1991م، وبعدها واجهت الحجاج الصوماليين عقبات عديدة منها انتقال السفارات الأجنبية من البلاد، ومن ضمنها البعثة السعودية في مقديشو، وفي ظل غياب الدولة المركزية أصبح من المتعذّر الحصول على تأشيرة دخول إلى السعودية لأداء فريضة الحج في داخل الصومال، ولأن الطائرات العامة التي كانت تسير الرحلات توقَّفت كليا، وحلَّت محلها الطائرات الخاصة.

جدول حول أعداد الصوماليين الذاهبين إلى الحج في السنوات الثلاث الماضية:

 

السنة العدد ملاحظة
1436هـ/2015م 7500 حاج اسعار الحج في هذا العام 3,750$
1435هـ/2014م 7400 حاج تم تقليص عدد الحجاج لأجل توسعة الحرم المكي
1434هـ/2013م 7400 حاج
1433هـ/2012م 9400 حاج
1432هـ/2011م 9600 حاج
ما قبل ذلك في  حدود عشرة آلاف حاج (صحيح وافق عليه وكيل الحج وزارة الأوقاف)

المراجع

(1)  خصائص المدرسة التصوف الإسلامي في الصومال (الجزء الرابع) مقال للكاتب حسن البصري، شبكة الشاهد، 26/2/2013م.

(2)  ” رقصة طانتو..ضوء من التراث الصومالي”، مقال للكاتب حسن محمود قرني، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، 15/10/2014م.

(3)  الثقافة الصومالية، ويكبيديا، الموسوعة الحرة.

(2)  مقابلة مع عبد القادر شيخ إبراهيم، وكيل شركة جوبا ودالو للطيران، ، 28/9/2014م.

لتحميل الدراسة : طبيعة  وممظاهر احتفالية الجح في الصومالpdf

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى