دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر العنف والكراهية – الصومال نموذجا

تمهيد:  

تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي أحد أهمّ أدوات التغيير الاجتماعي وتبادل الأفكار بشكل سريع وتأثير الرأي العام في المجتمعات المتعددة في العصر الحديث، وقد تجاوزت تلك المواقع حدود الرقابة والتحكُّم والسيطرة الفعلية على الاتصالات التي تفرضها الحكومات والدول الديكتاتورية، والتي كانت تمنع التجمعات الصغيرة حتى الاجتماعات الثلاثية للأفراد العاديين.

ويمكن القول بأن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي – ومن أهمّها فيسوك، وتويتر – ليس محصورا على الجانب الاجتماعي والاقتصادي فقط، غير أن تلك المواقع  في بعض الأحيان تلعب دورا أساسيا في التأثير السياسي والتعبئة الجماهيرية، وتخلق مناخا سياسيا ضاغطا، وثورات عارمة، كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا قبل أربع سنوات في أيام ثورات الربيع العربي التي أسقطت حكاما شموليين كانوا في سدة الحكم لمدة ثلاثين عاما وفي بعض الأحيان أربعين عاما، وساهمت تلك المواقع الاجتماعي في تحشيد المتظاهرين وتعبئتهم.

ورغم أن التواصل الاجتماعي لعب دورا فاعلا في التفاعل مع الآخرين والتغيير الإيجابي والاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين فإن التأثير السلبي بدأ يظهر دوره في مواقع التواصل الاجتماعي شيئا فشيئا لاسيما في نشر الثقافات المنحرفة وبث الكراهية والطائفية والنزاعات القبلية وتكفير  الناس وسب الدين وغيرها من الأمور السلبية.

تجنيد الجهاديين:

ويمكن القول إن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر عاملا مهما في الانقسام الطائفي والعرقي في بعض البلدان مثل الهند التي تعيش فيها طوائف دينية متنوعة، وفي مصر حيث تعيش فيه أقلية كبيرة من المسيحيين الأقباط،  وتجد في بعض الصفحات الاجتماعية نقاشات وحوارات تصل إلى حد البغضاء والحقد والعنف، ومن أبرز المواضيع التي تتم الإثارة حولها الخلافات والنقاشات في تلك الصفحات الاجتماعية الخلاف السني الشيعي حيث يتم الملاحظة في إحدى تلك الصفحات بعض النقاشات الحادة التي تبلغ في بعض الأحيان إلى حد السب والشتم واللعنة والتحريض على القتل والتصفية وغير ذلك.

كما تعتبر  تلك المواقع الاجتماعية ساحة وأرضا خصبة في تجنيد أتباع الحركات الجهادية في العالم العربي، وقد استخدم تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بتنظيم داعش تلك المواقع الاجتماعية كأحد أهمّ استقطاب المتعاطفين والمجنَّدين وإرشادهم وتوجيههم في جميع أنحاء العالم الإسلامي، الأمر الذي لم تستطع وكالات الأمن الدولية التحكُّم بأنشطة الجهاديين والحدّ من تأثيرهم على ملايين المتابعين.

دور مواقع التواصل في تأزيم النقاشات الفكرية والسياسية:

وفي الصومال تلعب مواقع التواصل الاجتماعي ومن أهمها الفيس بوك دورا في الانقسام السياسي والفكري والصراع القبلي وتأزيم الوضع القاتم بالمشكلات الاجتماعية والاختلافات الفكرية والسياسية.

وتوجد هناك صفحات مخصصة بذلك، ففي الجانب الفكري هناك صفحة في الفيس بوك باسم (الشيعة أهل البيت في الصومال) وتعود فكريا إلى بعض الصوماليين القلائل المتَّبعين للمذهب الشيعي، وتظهر نقاشات حادة في بعض الأحيان تتخللها اللعنة والسب والشتم، ومع أن الصوماليين المتشيعين لا يغرّدون في تلك الصفحة ولا ينظّرون لأفكارهم إلا أن المواضيع التي يتم تحديثها من مواقع شيعية أخرى ومن كُتَّاب شيعة تثير بعض النقاشات المريرة وخاصة تلك التي تتحدَّث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكبار الصحابة والموقف منهم.

ومن تلك الصفحات  صفحة تابعة لحركة الإصلاح – جناح الإخوان المسلمون في الصومال – في الفيس بوك صفحة (شباب الإصلاح في الصومال)، وفي بعض الأحيان تبرز هناك نقاشات وحروب كلامية بين جناحَي حركة الإصلاح، الدم القديم والدم الجديد، وتعود الخلافات الإدارية بين الجناحين إلى ما بعد عام 2003م حيث انقسم الإصلاح إلى محافظين يمثلون هرم القيادة وساعين إلى التغيير والتجديد، وانشقُّوا عن القيادة في ديسمبر 2007م.

وفي تناوُل بعض القضايا الدينية الحسَّاسة تبرُز نقاشات حادة بين التيار السلفي والتيار العلماني أو العقلاني التنويري، وتذهب تلك النقاشات بالتنويري إلى طعن النصوص الشرعية أو الاستهزاء ببعض الأصول الدينية، بينما يذهب هذا النقاش بالسلفي إلى إخراج بعض الأشخاص من الملة المحمَّدية وتكفيرهم أو التحريض على القتل.

وفي الجانب السياسي هناك صفحات متعاطفة مع الإدارات الفيدرالية في الصومال مثل صفحة (صوماليلاند لازم تفتخر)، التي تضم أكبر عدد من الأعضاء، وتُطرح في الصفحة في بعض الأحيان مواضيع حساسة مثل الانفصال ومستقبل الوحدة مع جنوب الصومال لاسيما في بعض المواسم والأعياد الوطنية في كل من هرغيسا ومقديشو، وفي بعض الأحيان تطرح نقاشات حادة مع أعضاء من المناطق الشرقية من صوماليلاند وخاصة إقليم خاتمة الذي يريد الانفصال من صوماليلاند المستعمرة البريطانية السابقة والتوحد مع الجنوب، وفي خضمّ تلك النقاشات تبرز انقسامات ذات جذور قبلية وتبايُن شديد حول عدد من الصراعات المستعرة في مناطق المتداخلة بين إدارتي صوماليلاند وبونتلاند، أو الصراع بين إدارة بونتلاند وغلمدق من جهة وبين غلمدق وتنظيم أهل السنة في محافظ وسط الصومال.

وهناك صفحة اتحاد المغتربين من جوبالاند  (jubaland diaspora united) حيث يضم آلافا من الأعضاء المنتمين أو المتعاطفين مع إدارة جوبالاند الحالية، وتعدُّ إدارة جوبالاند التي يتزعَّمها أحمد إسلان مدوبي أكثر الإدارات جدلا في جنوب الصومال حيث يتنازع في كيسمايو قبائل صومالية كثيرة، وأثارت قضية شرعية برلمان جوبالاند وإعادة انتخاب أحمد مدوبي رئيسا للإقليم حيث يرى معارضو جوبالاند أن برلمان جوبالاند غير شرعي منددين لنفوذ أحمد مدوبي في المنطقة، واستحواذه للسلطة.

شائعات مفتعلة في ظل الأزمة السياسية:

وساهمت ظهور الأزمات السياسية في فيلا صوماليا والتي تم الإطاحة بحكومتين في عامي 2013و2014م ساهمت في تباين الآراء والنقاشات الحادة حول القيادة الصومالية وكيفية تعاطيها مع الملفات الوطنية الساخنة، ويتم في بعض الأحيان ظهور شائعات في مواقع التواصل الاجتماعي حول وفاة الرئيس أو مرضه الشديد أو تصميم صورا مزوَّرة لبعض القيادات الحكومية أو المعارضة تعبر  مواقف غير أخلاقية لغرض خلق سوء فهم أو تشويه سمعة هذا الشخص أو ذاك، كما يتم نشر صور بشعة تعود لضحايا وقتلى من الأطراف المتصارعة لإثارة الرأي العام حول تلك المواضيع التي قد تؤدي إلى الانقسام والعنف والكراهية.

ويتساءل المتابعون عن أيِّ مَدى تساهم مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس بوك في الانسجام والحوار الهادف البنَّاء والاستفادة من أفكار الآخرين ووجهات نظرهم وغربلة وإنضاج الرؤى والتركيز على الأسلوب القيم وتعزيز الإيجابية في جميع المواقف المختلفة والتطورات السياسية والاجتماعية، في ظل الانقسامات القبيلة والنزاعات والصراعات البينية التى لا يزال لهيبها  مشتعلا حتى اللحظة.

 

أنور أحمد ميو

كاتب وباحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى