حملة الشباب علي كينيا- الدلالات والنتائج.

توطئة.

في عام 1998 تلقت كينيا هجوما نوعيا من القاعدة استهدف السفارة الأمريكية، بسببه لقي حتفهم مئات من موظفيها بما فيهم الكينيون والأجانب، وايضا تم استهداف فندق “بردايس” الذي يملكه الإسرائليون في مدينة ممباسا الساحلية، وكانت المصالح الغربية في كينيا دائما تتعرض للإستهداف من قبل القاعدة، بدأ من ذالك الوقت تعاونت كينيا مع وكالة الإستخبارات الأمريكية(سي اي ايه)  لتوفير الأمن تحت ما يسمي بـ(مكافحة الأرهاب) الأمر الذي جعل نشاط الأجهزة الغربية في نيروبي قوية، بل يمكن القول بأنها تدير عملياتها المتثلة في افريقيا داخل كينيا.

حاولت كينيا النأي بنفسها عن هذا الصراع المجهول، لكن تهديد حركة الشباب وإختطافها للسائحين من داخلها، وزعزعة الأمن القومي للبلد، أمر جعلها تعيش بين أمرين أحلاهما مر. توغل الجيش الكيني الي عمق الأراضي الصومالية أواسط عام 2011م، بغية التخلص من حركة الشباب المجاهدين، وبدأ من تلك اللحظة الفارقة لم تعش كينيا استقرارا بمفهومه الحقيقي ولم يوفر لها التدخل العسكري الي الصومال الأمن المنشود في بلدها، بل زاد وتيرة الهجمات التي تنفذها الحركة داخل العاصمة وما حولها بشكل متواصل، الأمر الذي جعل السياسيين الكينين يلعنون هذا التدخل، مشيرين بانه كان خطوة غير حكيمة أدخل البلد في ليل بهيم حالك السودا علي حد وصفهم. وعلي الرغم من أن الأرهاب لم يكن غريبا عن كينيا لكونها تشترك مع الصومال حدود طولها 682 كلم، يمكن التسلل من خلالها الأرهاب، وهي مسافة غير قصيرة، ربما تكون عاملا أساسيا للإنفلات الأمني الذي تعيشها كينيا، فإن تكرارهجمات حركة الشباب وخطورتها في الآونة الأخيرة لم يسبق لها مثيل.

و خلقت الموجة الأخيرة من الهجمات الإرهابية التي حدثت في كينيا على يد حركة الشباب ضررًا سياسيًّا واجتماعيًّا في البلاد حيث أدت إلى زيادة في الاستثمار الأمني من قِبل الدول التي لها استثمارات في كينيا وخاصة الولايات المتحدة ودولة إسرائيل. وتعتقد الحكومة الكينية أن التهريب التجاري الخارج عن السيطرة على طول الحدود الكينية-الصومالية يسهِّل من نشاطات حركة الشباب. وقد عزَّزت الحكومة من تواجدها الأمني على طول الحدود لكنَّ نقصَ الموارد وتفشيَ الفساد يعوقان أي تقدم في هذا المجال، فالشرطة في كينيا والجمارك ومصالح الهجرة وحرس الحدود ووحدات الحماية الساحلية ضعيفة مهنيًّا، وتعاني من سوء الإدارة وشُحِّ التمويل؛ فنتيجة لتدني الأجور وضعف المعايير المهنية فإن الكثير من رجال الشرطة وضباط الهجرة يبقون عُرضة للرشوة من قبل المجرمين بمن في ذلك العناصر الإرهابية.(1)

  • صراع الشباب ضد كينيا.

منذ عام 2012م قتل أكثر 600 شخص علي أيدي حركة الشباب الذين يواصلون تهديد المدن الكينية بإراقة الدم، وبحلول ذالك الوقت، كان قد تم ارسال القوات كجزء من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وكانت على الأقل متواجده اسميا، ويذكر انهم يتخذون  أوامرهم من قائد القوة في مقديشو وليس من وزارة الدفاع في نيروبي، وعلى الرغم من أن قوات الدفاع الكينية التي نشرت بشكل روتيني في الغالب لمحاربة حركة الشباب أصبحت في الواقع تعمل على قمع الصراع الداخلي بين الطوائف الكينية، فإنها تواجه ايضا تمدد حركة الشباب الصومالية فيها.

غير أن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا أبدي حماسًا مختلفًا في التعامل مع حركة الشباب بعد انتخابه في العام 2013، فقد وصل إلى مقاليد السلطة مثقلًا بعبء سياسي سلبي؛ حيث كانت المحكمة الجنائية الدولية تتهمه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقد كان في البداية يتبنَّى موقفًا قويًّا ضد حركة الشباب؛ الأمر الذي يعتقد الكثيرون أنه ساعد في إضفاء شرعية على رئاسته، وخصوصًا لدى الولايات المتحدة، وفي النهاية أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2014 بيانًا يسحب التهم الموجهة ضد أوهورو كينياتا. وفي تحدٍّ لتحمسه، واصلت حركة الشباب هجماتها في كينيا واختبار قدرة الحكومة على وقف حملتهم ضدها؛ ففي 21 من ديسمبر/كانون الأول 2013 هاجمت الحركة مركز تجاريا يملكه الإسرائيليون نسبة منه، (مركز ويست غيت التجاري للتسوق)؛ حيث أطلقوا النار فقتلوا 67 شخصًا وجرحوا عشرات آخرين. وأعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن الهجوم، وقد كان واحدًا من أكثر الهجمات جرأة في نيروبي، وربما الأسوأ بعد تفجير السفارة الأميركية في العام 2006. قامت الحكومة بتجديد حربها ضد حركة الشباب وضد كل المتهمين بدعم هذا التنظيم.

ويبدوا أن هشاشة الأمن وضعف الأداء المهني في جهاز الأمن الكيني يساهم بدور كبير في تصاعد هجمات الشباب داخل كينيا، حتي تم استخدام بعض رموز الأمن الكيني الذي حمل سيارته قنابل ومتفجرات لحركة الشباب كما حدث في قاريسا عاصمة شمال الشرق، وفي هذا السياق ينتقد عبد الخالق (باحث في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية)المقيم في نيروبي، انتقد السياسة الكينية تجاه هذا الصراع مشيرا أنه ” لا ينفع القصف الجوي والحملة الكينية علي الأراضي الصومالية ، ولا تعدو كونها ذر الرماد علي الأعين، مضيفا أن علي كينيا ان تنتهج طريقة جديدة لصد هجمات الشباب في عقر دارها”.

ويعتقد كثير من المحللين أن ارتباط كينيا بعلاقات وطيدة مع إسرائيل قد زاد العداء لها وخصوصًا من قِبل المسلمين في كينيا؛ فتحول تنظيم الشباب إلى الحركة العالمية للجهاد “القاعدة”، يعني أن الكفاح ضد إسرائيل أصبح جزءًا من أجندة هذه الحركة.، وبالمناسبة كينيا الآن بصدد بناء جدار عازل بطول 700 كلم -على غرار الذي شيدته إسرائيل- من أجل منع عبور حدودها والحدِّ من النشاطات المحظورة بما في ذلك نشاط الجماعات الموسومة بالإرهاب. وتتمتع إسرائيل وكينيا بعلاقات غاية في الودية، ويقال: إن المخابرات الإسرائيلية هي التي تُملي على كينيا سياساتها الأمنية، وعليه فإنه ليس من المفاجئ أن تنتهج كينيا هذا النمط الدفاعي ضد الصومال، فالحضور الإسرائيلي في كينيا ظاهر جدًّا، فهم يوفرون الأمن، كما يوجد العديد من المصالح التجارية التي يمتلكها إسرائيليون.

هذه العلاقة تزيد التعقيدات الأمنية في كينيا سواء المنبثقة من الداخل أو من حركة الشباب الصومالي. لقد شهدت العلاقات الإسرائيلية-الكينية توسعًا كبيرًا في كينيا وكثير من الدول الإفريقية الأخرى في مجالي التسليح وتدريب القوى الأمنية. ولكنَّ الإسرائيليين حاضرون في كينيا وفي كثير من النشاطات الخدمية بدءًا بالبناء، فالتقنيات الحديثة، فالزراعة وحتى الهواتف النقالة والبنية التحتية ومراكز التسوق مثل سوق ويست غيت، الذي تم فيه هجوم حركة الشباب، وهو سوق يملك الإسرائيليون حصة فيه.(2)

2- الخلايا النائمة في كينيا ودورها في زعزعة الأمن.

وصل خلايا من تنظيم القاعدةإلى كينيا  في أواخر عام 1996م (3) وكانت كينيا تشكل موقعا مهما للقاعدة، إذ كانت أول مكان إجتمعت فيه خلايا القاعدة المؤكلة في شرق افريقيا لتكون نقطة انطلاق للقيام بعملياتها، ويكشف تقرير أعدته لجنة التحقيقات التابعة للأم المتحذة أن أعضاء القاعدة في شرق افريقيا تمركزو في كينيا لضرب الأهداف الغربية، وهو ما تم فعلا، حيث فجر تنظيم القاعدة سفارتي نيروبي ودار السلام، وفندق “براديس” الذي يملكه الإسرائليون، إضافة الي اختطافها للسياح الأجانب من السواحل الكينية.

ولا شك أن جذور هذا الإرهاب في كينيا له علاقة بطبيعة الحال بالتاريخ الكولونيالي لكل من كينيا والصومال. ومع تقسيم الأراضي الصومالية بين الفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين، تم تقسيم الصومال في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى الصومال وجيبوتي، وإنما مع تسليم بعض الأراضي الصومالية لإثيوبيا، وضم بعض الأجزاء الأخرى بالقوة فيما أصبحت جمهورية كينيا في العام 1963.ومن أجل استيضاح نقطة التدخل الكولونيالي، فإن كل ما عليك فعله هو أن تنظر إلى الخريطة. وستجد هناك ثلاثة خطوط مستقيمة ترسم الحدود بين كينيا والصومال. وبطبيعة الحال، لم يكن الأفارقة هم الذين قاموا برسم هذه الخطوط.
نقطة أخري مهمة يجب ان نشير هنا لها تأثيريها في العنف وإنشاء خلايا نائمة داخل كينيا، وهي أنه كانت هناك مساحات ضخمة من الأراضي الكينية، والتي كان يقطنها بشكلٍ حصري تقريباً صوماليون، قد صوتت بالأغلبية في استفتاء غير رسمي على إعادة الانضمام إلى الصومال. وكان ذلك هو الذي أفضى إلى اندلاع “حرب شيفتا” في الفترة بين الأعوام 1963 و1967، والتي كسبتها الحكومة المركزية، خلال تلك الحرب، سيق المواطنون الصوماليون إلى معسكرات تجميع استيطانية “قرى محمية”، كما ذبحت قطعان مواشيهم بشكل عشوائي، مما وضعهم في حالة فقرٍ مدقع. وفي نهاية المطاف، تم التوقيع على وقف لإطلاق النار مع الجمهورية الصومالية (التي كانت تدعم الحركة الانفصالية)، والتي ذهبت إلى معاناة عقود من الحرب والعنف المستمرين إلى يومنا هذا.

ومن المعلوم أن أول هجوم خطير قام به تنظيم القاعدة وقع في شرق إفريقيا،وتحديدا في كينيا؛ ففي عام 1998 تمّ تدمير مبني السفارة الأمريكية في كل من دار السلام ونيروبي في وقت واحد، وهو ما أودى بحياة نحو ثلاثمائة شخص، ومنذ ذلك الحين تتعرض كينيا لموجات متزايدة من الهجمات الإرهابية، الأمر الذي يربك مؤسسات الدولة الأمنية خصوصا ويعرقل جهود التنمية الوطنية، ولا تكمن خطورة الظاهرة الإرهابية هنا في اتساع نطاق تهديداتها الأمنية ولكن في استخدام الساحة الإفريقية، بحسبانها نقطة ضعف استراتيجي، لهدف التدريب وتعبئة الموارد من قبل المنظمات الإرهابية العالمية.

ويأتي تطوّر “حركة الشباب” بالتزامن مع تطوّر مماثل لتنظيم “بوكو حرام” في نيجيريا، ولتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في الشرق الأوسط، وفروعه في شمال أفريقيا. وهو تطوّر من شأنه رفد خلايا تلك التنظيمات بجرأة إضافية، تجلّى بعضها في عمليات عدة حول العالم. وإذا كان “داعش” و”بوكو حرام” باتا خطراً أكيداً مع توسّعهما، كلّ في نطاقه الجغرافي، فإن دور “حركة الشباب” يبدو مشابهاً، لناحية الإمساك بالقرن الأفريقي، مع ما يستجرّ ذلك من توسيع رقعة الصراع، وإغراق بلدان عدة في المستنقع الصومالي، تحديداً كينيا وأثيوبيا.

ويمكن أن نقسم هذه الخلايا النائمة التي تعانيها الحكومة الكينية الي قسمين.

اولأ: تشير الدراسات الي أن الإسلام وصل الي ساحل كينيا منذ القرن الأول الهجري وبالتحديد في عام 65هـ، وذالك في أيام عبد المللك بن مروان عن طريق بعض المهاجرين العرب الذين هاجروا من جنوب الجزيرة العربية لأسباب اقتصادية أو سياسية، كما تدل التواريخ المُدوَّنة قبل ألف عام على بعض المساجد الموجودة حتى الآن في (جيدي)، وجزيرتي (بَاتَيْ )و(لامُو) و(ماليندي) على وصول التجار العرب إلى تلك المناطق الساحلية من كينيا، حيث كانت سفن عرب جنوب شبه الجزيرة العربية تجول في المحيط الهندي وسواحله، والبحر الأحمر، تحمل البضائع من المراكز التجارية التي أنشئوها على امتداد الساحل الشرقي لأفريقيا إلى البلاد العربية، ونتج من تفاعل وتواصل القادمين إلى هذه المناطق بالمقيمين فيها اعتناق المواطنين بالديانة الإسلامية، وظهور ثقافة إسلامية عربية سائدة على كامل ساحل شرق أفريقيا؛ تمثلت في بروز اللغة السواحلية التي جمعت ما بين الحضارة الإفريقية والإسلامية في مفرداتها وآدابها، والتي تعتبر من أغنى الأدبيات الإفريقية بالإضافة إلى تأسيس المحاكم القضائية الشرعية التي كان أغلب قضاتها على المذهب الشافعي. ولهذا كان لهذه الخليفة الإسلامية آثارها علي نشوء خلايا نائمة داخل كينيا خصوصا المنطقة المحاذية للساحل، التي تتعرض دائما الي هجمات ارهابية من قبل الشباب.

ثانيا- موروث من القاعدة. او بالأحري صناعة مبتكرة جديدة تتمثل في وجود عناصر لها داخل كينيا، وتم ذالك فعلا، حيث نجحت حركة الشباب في زرع عناصر لها داخل كينيا، ومنفذو الهجوم الأخيرفي جامعة قاريسا يعتبر أقوي دليل علي الإختراق الذي يتم في صفوف المواطنين الكينيين، حيث أن التقارير السرية تشير الي أن بعض مهاجمي جامعة قاريسا كانو يحملون الجنسية الكينية، إضافة الي انهم كانو يتكلمون السواحلية اثناء عملية الذبح، وهي اللغة السائدة في كينيا، ونفهم من هذه النقطة ان الأمر لم يعد شانا صوماليا أو كينيا فقط.

ومن المعلوم أن المقاطعة الساحلية في كينيا التي تتحدث السواحلية تشهد منذ عام 1999 وجود المجلس الجمهوري لمومباسا الذي يسعى للانفصال عن كينيا. ولعل سؤال الهوية الكينية في هذه المنطقة الساحلية يكون قد وضع على المحك نظرا لمعاناة السكان من التهميش والفقر والبطالة. وعليه فإنه عوضا عن الردود الانفعالية والتركيز على المسلك الأمني في مواجهة الهجمات الإرهابية ينبغي أخذها بمحمل الجد وفهم حقيقية ما تعنيه ووضع إستراتيجيات أكثر ذكاء وتكتيكات أكثر فعالية تقوم على تحديد من هو العدو الحقيقي، وكسب العقول والقلوب، وتبني استجابات سريعة ودقيقيه من أجل احتواء الإرهاب ودحره في نهاية المطاف.

3- دلالات هجمات الشباب علي كينيا.

قبل أن نشيرالي دلالات هجمات الشباب داخل كينيا، هناك سؤال ملح وهو لماذا تتركز هجمات الشباب علي كينيا فقط دون غيرها من الحكومات التي تدخلت الصومال تحت اسم(اميصوم)؟.

وللإجابة علي السؤال يعتقد الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية (عبد الخالق) أن هناك حسابات أخري تجعل كينيا في مقدمة الأماكن المستهدفة من قبل الشباب بينما اثوبيا الجارة للصومال تنعم بالأمن والإستقرار ولم تصل اليها هجمات الشباب بعد.

الهجمات المتكررة التي تنفذها الحركة داخل الأراضي الكينية تدل علي أنها باقية وفي نفس الوقت قادرة علي زعزعة الأمن، ولم تعد الحركة علي حسب ما ذكره الكثيرون خصوصا بعد مقتل زعيمها في غارة جوية تحت جنح الظلام، أن الحركة في طريقها الي التشرذم والتفكك، فيما ذهب بعضهم الي ان الضغوطات العسكرية التي تجابهها الحركة قد تضطرها الي الإنحسار في مناطق معينة من أحراش الصومال، لكن الأمر لم يعد ذالك فعلا، فحركة الشباب تضاعفت هجاماتها وعملياتها في كل من كينيا والصومال.

لكن الحقيقية هي أن الإنتقال النوعي في عمليات الشباب داخل كينيا يؤشر الي مرحلة جديدة من الصراع، يمكن وصفها بمرحلة التقدم لصالح الشباب، فحينما تضرب الحركة أهداف محصنة مثل (ويستغيت) في احياء العاصمة نيروبي، بغض النظر عن الإختراق الذي يتم، فإن ذالك يعتبر تقدما ملموسا أحرزته حركة الشباب من شأنه أن يغير الحسابات الكينية تماما، كما هو مؤشر لدلالة مهمة هي الهشاشة الأمنية المتردية داخل جهاز الأمن الكيني، الأمر الذي يؤدي الي إغراق هذا البلد- الجزء المضيئ من القارة السمراء- تحت ديمومة الخطر ومستنقع الأرهاب.

4- التعامل الكيني تجاه هجمات الشباب.

يبدو أن الحكومة الكينية تعالج قضايا الإرهاب في بلدها بمعالجات خطأ تفتقر إلى أدنى أبجديات السياسية الأمنية، وتتمثل في عدم تقديم أجهزة الاستخبارات الكينية المعلومات اللازمة قبل وقوع العملية، وأيضا بطء فترة التحريرأثناء الهجوم مما يزيد أعداد الضحايا، ويبرهن هذه النقطة ما قاله أحد الآباء وهو (ايزك موتيسيا) الذي سقطت ابنته (ريسبر موتيندي كاسيوكا) البالغة من العمر 23 عاما ضمن القتلى في هجوم جامعة قاريسا قال: «إن أجهزة الأمن انتظرت أكثر مما ينبغي، وأتيح للإرهابيين وقت طويل جدا ليقتلوا أبناءنا»،  وهذا ما عزاه المراقبون إلى وفاة عدد كثير في كل من هجوم المركز التجاري (ويست غيت) الذي دام أربعة أيام بليالها، وأيضا هجوم جامعة قاريسا الدامي الذي حوّل فصول الدراسة إلى بحار من الدماء.

ما عاد خافيا علي أحد أن الحكومة الكينية في صراع مع حركة الشباب الصومالية في غابات  جنوب الصومال، وفي هذا السياق ذكرت القوات الجوية الكينية أنها دمرت معسكرين لحركة الشباب في الصومال بعد هجوم جامعة قاريسا في أول رد عسكري كبير، غير أن كثيرا من المحللين يعتقدون ان العمليات الخارجية لن تكفي وحدها ما لم تضع الحكومة الكينية استراتيجية واضحة في تأمين الداخل، للتخلص من عمليات الحركة، ويعتقد البعض أنه أفضل لكينيا حماية أمنها الداخلي أكثر من الخارج.

كثير من متابعي الشأن السياسي يشيرون أن ما تحتاجه كينيا في حربها ضد حركة الشباب هو القيام باختراق واسع النطاق في صفوف الشباب، وهو مامعناه (التعامل الوقائي) قبل حدوث الهجوم،  وتمثل هذه النقطة تفعيل دور المجتمع المدني، لكي يعمل جنبا الي جنب مع جهاز الأمن . وعلي الرغم من أن الوقاية خير من العلاج كما يقولون وهو أمر بديهي لدي الجميع، فإن الكثيرين يتهمون علي ألأجهزة الأمنية الكينية بالضعف بسبب الفساد السياسي الذي ينخر في أروقة الحكومة الكينية بدأ من المطار الي الفنادق والمكاتب.

وفي هذا السياق يقول رئيس جهاز مكافحة الكسب غير المشروع في كينيا (بلولومومبا) أنه لا يمكن معاملة المسؤولين الكبار في البلاد علي أنهم “ابقار مقدسة” حسب تعبيره، إذا كانت الحكومة عازمة علي الأقتلاع جذور الفساد،  وأشارلومومبا، في مقابلة مع شبكة CNN إلى وضع حد للإفلات من العقاب على الفساد على مستوى عال، وقال “المشكلة التي كانت لدينا في هذا البلد هي الإفلات من العقاب، فقد كان لدينا نظام قضائي كان لسنوات عدة يقدس بعض الأشخاص.” ورغم أن كينيا هي أكبر اقتصاد في شرق أفريقيا، وتعد طريقا تجاريا رئيسيا لبقية القارة، إلا أنها ابتليت بالفساد الذي تخلل كل مستويات المجتمع، ووفقا لمجموعة الشفافية الدولية فإن كينيا تقبع في مقدمة القائمة من حيث الدول الأكثر فسادا في العالم. ولكي تتجنب كينيا من هذا الفساد يقول لومومبا (نحن كمؤسسة نرى أن الحل في القضاء على الفساد المتجذر في المجتمع يتأتى عن طريق التعليم، والوقاية، والحزم، وهي عوامل من شانها أن تقودنا في الاتجاه الصحيح، فنحن لا نستطيع تحمل كلفة التفاؤل.).4

5- مستقبل الصراع بين كينيا والشباب.

ليس هناك مؤشريدل علي نهاية الصراع بين كينيا والشباب علي المدي القريب، بل هو مرهون بإستقرار الصومال وايجاد حكومة قوية تسيطر علي الموقف، حيث تبقي صعوبة التغلب عن هجمات الشباب باقية مادامت الصومال علي هذا الوضع، ومن المتوقع تكثيف حركة الشباب عملياتها النوعية في داخل كينيا، والمناطق المتاخمة لها، وسفك مزيد من الدماء معتقدة بـاستهداف الأهداف الضعيفة حسب أدبياتها، وحصد أكبر عدد ممكن من أرواح المسيحيين وهو السيناريو الأقرب، والخيار الممكن واقعيا مادامت الحكومة الكينية لا تضع أسساً واضحة في قضية الأمن القومي للبلاد.

وهناك إعتقاد لدي الكثيرين هو أن كينيا لن تستطيع التغلب علي حركة الشباب بهذه السهولة، بل يتوقع أن تضاعف الحركة هجماتها داخل كينيا والمناطق المتاخمة لها، إذالم تتخذ كينيا الإجرآت اللازمة تجاه تمدد هجمات الشباب، وفي حال غفلت عن ذالك فإنها ستكون في موعد مع الهجمات الإرهابية التي ربما لن تقل ضررا عن أخواتها.

 

المراجع  والهوامش.

 

كمال محمد علي

باحث ومحلل سياسي ، تخرج من جامعة نيروبي- كينيا، كلية الاجتماع وحاصل على دبلوم عالي في علم الصحافة، وله كتابات تم نشرها في العديد من المواقع والشبكات العربية الشهيرة، كما له مؤلفات عن الصومال وكينيا.
زر الذهاب إلى الأعلى