تجديد الفكر الإسلامي ومساراته في الصومال ( الحلقة الثامنة)

روافد التجديد الإسلامي في الصومال

إن السياق الذي برز فيه التجديد الإسلامي في الصومال في العصر الحديث سواء تيارات من داخل البيت الصوفي أم خارجها يتواكب مع شيوع أفكار التجدديد الإسلامي في أرجاء العالم الإسلامي وينسجم معه ويشاركه في المؤثرات والمنابع ورموز الإصلاح ونقف هنا عند رافدين قويين أثرا في اليقظة الإسلامية في الصومال أيما تأثير، وهما : المدرسة الإصلاحية من بلاد الحرمين والمدرسة الإصلاحية المصرية بعد التفاعل مع الأزهر منذ خمسينيات القرن الميلادي الماضي، وسنتاول كلتا المدرستين في حلقتين منفصلتين.

الحركة الإصلاحية النجدية

يكاد معظم المؤرخين لتاريخ اليقظة الإسلامية في العصر الحديث يتفقون بأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ) (1703-1791م) تمثل الصيحة الأولى للتغيير والإصلاح، وهو الرجوع إلى صفاء الإسلام والأخذ به على أوله وأصله، البعد عن البدع والشرك الذي يشل التفكير ويجعل الإنسان خاضعا ذليلا لإنسان مثله، بل خاضعا حتى للأشياء مثل الحجر والشجر. فكانت دعوة الشيخ استنفارا شاملا، ولم يكن التوجه إلى شريحة معينة أو إلى (النخبة) فالشيخ كتب الرسائل إلى رؤساء القبائل وإلى عموم الناس وإلى المعارضين له أيضا. كانت دعوته نقطة مضيئة في تاريخ العالم الإسلامي خلال فترة الركود والجمود، بل إن كل الثورات الإسلامية في القرنين التاسع عشر والعشرين ضد الغزو الأوربي ستحمل في طياتها بذرة وهابية حسب تعبير جلال كشك[1]

 الأوضاع في شبه الجزيرة العربية قبيل دعوة الإصلاح

إن الإصلاح كأي حركة مؤثرة في التاريخ لا يظهر إلا في لحظة تحدي مؤثرة تساعد على تفتح العقل وتحرك الأذهان ؛ كما يكاد توصيفهم  لأوضاع العالم الإسلامي يجمع بأنها كانت بالغة غاية السوء، بسبب الابتعاد عن نصاعة الإسلام مما أدى إلى العقم الحضاري والثقافي والأمر الثاني انضاف إلى ذلك ظهور تحديات فكرية متمثلة صعود الاستعمار الأوربي على بلاد العالم الإسلامي متسلحا بالقوة الفكرية والعلمية، يقول الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي:

“ومما لا شك فيـه، إنصـافاً للحقيقة، لا إرضاء لأحد، وعملاً بآي القرآن العظيم: {ولا تبخسوا الناس أشياءَهم}، كان من أجرأ أصوات الحق، وأكبر دعاة الإصلاح، والبناء والجهاد لإعادة تماسك الشخصية المسلمة وإعادتها لمنهج السلف الصالح: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري “الثامن عشر الميلادي”، لتجديد الحياة المسلمة، بعد ما شابها في أوساط العامة من خلافات، وأوهام، وبدع، وانحرافات، فكان ابن عبد الوهاب بحق، زعيم النهضة الدينية الإصلاحية المنتظر، الذي أظهر موازين العقيدة الشرعية الناصعة، وأبان حقيقة الوحدانية والوحدة والتوحيد الخالص لله عز وجل، وأن العبادة هي التوحيد، وحوّل الشراع رأساً على عقب، للعمل الكامل بالقرآن والسُنّة ونبذ مظاهر الترف والبدع، وتحطيم ما علق بالحياة المسلمة من أوهام والعودة إلى الحياة الصالحة الأولى[2]

ويقول الأديب مصطفى  صادق الرافعي” ولا نغالي إذا قلنا إن هذه الدعوة- أي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- كانت النواة الأولى لليقظة الإسلامية الجديدة التي تعاقب فيما بعد على حمل لوائها مصلحون كثر، أحدثوا من خلالها انقلابا هاما في مفاهيم دينية وسياسية واجتماعية مختلفة”[3]. ويقول بعد أن تحدث التخلف والانحطاط الذي اعترى العالم الإسلامي : ” …ثم ما إن أطل القرن الثامن عشر، حتى انطلقت صيحة واعية مؤمنة من قلب الجزيرة العربية،تهيب بالمسلمين أن يتحرروا من الشوائب التي اعترت عقائدهم، والخرافات والأباطيل التي شوهت دينهم، وأن يعودوا في جميع شئون حياتهم إلى ما كان عليه حال السابقين الأولين من أسلافهم..ومرسل هذه الصيحة، الداعي إلى الله على بصيرة القائد الفذ، محمد بن عبد الوهاب، وإليه تنسب الحركة السلفية التي دعت إلى إصلاح النفوس واستعادة مجد الإسلام فظهرت بظهورها تباشير صبح جديد فيه كل معاني الصباح، من نور وضياء..فأيقظ المسلمين من سباتهم العميق الذي رزحوا تحت وطأته حقبا طويلة من الزمن..وإذا صح الحديث (( إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)) فإنني لا أشك في أن محمد بن عبد الوهاب المولود في مطلع القرن السابع عشر الميلادي هو أحد المعنيين في هذا الحديث النبوي الشريف”[4]

وقد شاع التصوف وكثرت طرقه وتفرعت في أقطار العالم الإسلامي ، وكان التصوف هو السمة الغالبة حتى على العلماء والمحدثين[5] وقد وصف الكاتب محمد عمارة –أيضا- بأنها طليعة الدعوات المنظمة ذات التأثير في تيار اليقظة الإسلامية الحديث[6] ولعلَّ من أبلغ ما وصف به حال العالم الإسلامي ما خطته يراعة المؤرخ الأمريكي ( لوثروب ستودارد ) في كتابه حاضر العالم الإسلامي حيث يقول : ” في القرن الثامن عشر كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ ، ومن التدني والانحطاط أعمق دركة ؛ فاربدّ جوّه وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجا من أرجائه ، وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب ؛ وتلاشى ما كان باقيا من آثار التهذيب العربي ، واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات؛ وماتت الفضيلة في الناس ؛ وساد الجهل وانطفأت قبسات العلم الضئيلة ؛ وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال ؛ فليس يرى في العالم الإسلامي ذلك العهد سوى المستبدين الغاشمين كسلطان تركية وأواخر ملوك المغول في  الهند ، يحكمون حكما واهيا فاشي القوّة ، متلاشي الصبغة ؛ وقام كثير من الولاة والامراء يخرجون على الدولة التي هم في حكمها وينشئون حكومات مستقلة ولكن مستبدة كحكومة الدولة التي خرجوا عليها ؛ فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكهم من الزعماء هنا وهناك ؛ فكثر السلب والنهب ؛ وفقد الأمن ؛ وصارت السماء تمطر ظلما وجورا ، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقا فوق إرهاق ؛ فغُلَّت الأيدي ؛ وقُعِدَ عن طلب الرزق ؛ وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين ؛ وبارت التجارة بوارا شديدا ؛ وأهملت الزراعة أيما إهمال.

 وأما الدين فقد غاشيته غاشية سوداء ؛ فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفا من الخرافات وقشور الصوفية ؛ وخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عديد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات ويربونهم في الحج إلى قبور الأولياء ، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور ؛ وغابت عن الناس فضائل القرآن فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان ، وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء . ونال مكة المكرمة والمدينة المنوّرة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه النبي على أتباعه ضربا من المستهزآت ؛ وعلى الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين وهبطوا مهبطا بعيد القرار ؛ فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ماكان يُدهي الإسلام ؛ لغضب وأطلق اللغنة على من استحقها من المسلمين ؛ كما يلعن المرتدّون وعبدة الأوثان ” [7]وقد علّق الأمير شكيب أرسلان على كلام استيوارد الأمريكي السابق قوله في الهامش : لو أن فيلسوفا نقريسا[8] من فلاسفة الإسلام ، أو مؤرخا عبقريا بصيرا بجميع أمراضه الاجتماعية ، أراد تشخيص حالته في هذه القرون الأخيرة ما أمكنه أن يصيب المحز وأن يطبق المفصل تطبيق هذا الكاتب الأمريكي ستودارد .)

ثم يواصل الكاتب الأمريكي حديثه قائلا : ” وفيما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته ومدلج في ظلمته ؛ إذا بصوت قد يدوّي من قلب صحراء شبه  الجزيرة ؛ مهد  الإسلام يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم ؛ فكان الصارخ هذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابية فاشتعلت واتقدت؛ واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي . ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد ؛ فتبدت تباشير صبح الإصلاح ثم بدأت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام  ” قلت : ليس هو المستشرق الوحيد أقر بتلك الحقيقة فقد صرّح بها كلّ من أرخ لبواعث اليقظة في العالم العربي والإسلامي ، فهذا دونكان ماكدونالد يقول عن هذه الحركة بأنها ” النقطة المضيئة في تاريخ الإسلام خلال فترة الركود والجمود  ….”كما وصفها محمد إقبال بأنها أول نبضة حياة في تاريخ المسلمين الحديث ، وأن آثارها قد استلهمتها بشكل مباشر أو غير مباشر جميع حركات الإصلاح في العالم العربي ، وفي الهند وإفريقيا وغيرها .. ” [9] .

ويقول الشيخ محمد قطب –رحمه الله-: ” والحق أن الحركة الأم لهذه الصحوة كانت حركة الشيخ محمد عبد الوهاب في الجزيرة العربية ، ولو قدر الله للأمة أن تستيقظ على هذه الحركة لتغيَّر التاريخ . ولكن الأمة – في حينها- لم تكن على استعداد لأن تصحو ! كانت غارقة في السبات العميق فخيِّل إليها حينئذ أن صيحة الشيخ المجلجلة كانت كابوسا مزعجا سارعان ما أصمت عنه أذنيها ، وأغمضت عينيها مرة أخرى وأسلمت نفسها للرقاد ! ”  ثم يواصل حديثه قائلا : ” فقد وجد من يغري السلطان بالحركة على أساس أنها تمرد سياسي وليست حركة تصحيحية يراد بها إخراج الأمة من ضلالتها ، وردها إلى الدين الصحيح ، ويخطر في ظني ( والكلام لمحمد قطب ) -وإن كان هذا أمرا يحتاج إلى تحقيق تاريخي ليس بين يدي الآن أذواته- أن الصليبية الصهيونية كان لها دور في إيغار صدر السلطان على الحركة لأن محمد علي كان صنيعة فرنسا عرض نفسه وخدماته للقضاء على الحركة الوهابية في الجزيرة فاستخدمه السلطان بالفعل، ومحمد على لم يكن يحب السلطان وهو الذي حاربه بجيوشه التي دربتها له فرنسا وسلّحتها وكاد يتغلب عليه في إحدى المعارك ، ولم يحب الإسلام وهو الذي بدأ تيار التغريب في مصر بتوجيه فرنسا “[10].

تأثيرات الدعوة الإصلاحية في مناطق العالم الإسلامي

لم تنحصر هذه الدعوة في نجد أو الجزيرة العربية، بل تعدى أثرها  إلى مناطق بعيدة في العالم الإسلامي[11].

أمكن حركات التجديد أن تنمو وتظهر في أطراف الدولة العثمانية وهذا قبيل تصاعد الغزو الاستعماري ( الاستخرابي ) الأوروبي في القرن التاسع عشر ، حيث تضعف السلطة المركزية ، ويهن نفوذ المؤسسات التقليدية[12] فظهر في نجد الٍإمام محمد بن عبد الوهاب ( 1703-1791) وقامت دعوته المعروفة على التوحيد المطلق الخالص مع رفض الجبرية وفكرة الحلول والاتحاد ، ومع تأكيد مسئولية الإنسان وأن التوسل لا يكون بغير الله كما قامت دعوته على فتح باب الاجتهاد والتماس الحلول من المصادر الرئيسة للشريعة  – وهي القرآن والسنة والإجماع مع عدم التقيد بمذهب معين من المذاهب الأربعة السنية , وكان من شأن دعوته أن جردت المذاهب من القداسة التي كانت مدعاة لها ولم يكن  غرض حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إصلاحا دينيا فحسب كما يقول شكيب أرسلان : ( نشأت الوهابية ولم يكن غرضها الإصلاح الديني فحسب ، بل الاجتماعي أيضا ، فشرعت تنعى على المجتمع الإسلامي انحطاطه وتدليه ، وتنزع منزعا شديدا إلى القيام بالإصلاحين معا ……) [13]وفي الوقت نفسه بالمدينة محمد بن نوح الغلاتي الذي يعتبره البعض المجدد على رأس القرن الثاني عشر الهجري ( 1752-1803).

وفي الفترة نفسها في الهند ظهر ولي الدين  الدهلوي 1702-1762م ) وسعى كشأن قرينيه السابقين تأثر( مسعى الإمام ابن تيمية  مع الاهتمام بالصوفية  ، وكتب عن ” الإنصاف في بيان  أسباب الاختلاف ” وعن ” عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد “.

وفي اليمن تأثّر الإمام محمد بن على الشوكاني ( 1758-1823م بكل من ابن حزم وابن تيمية- وكلاهما ثائر على التقليد –  تأثر بهما برغم كونه زيديا ، وخلع ربقة التقليد ، وفتح لنفسه باب الاجتهاد ، وألف رسالة ” القول المفيد في حكم التقليد ” ذم فيه التقليد وحرّمه . وسار في أشهر مؤلفاته ” نيل الأوطار ، شرح منتقى الأخبار في حديث سيد الأخيار ” . سار فيه علىنهج استنباط أحكام الفقه مباشرة من الأحاديث الشريفة . وبرغم ما أثاره نهجه من مقاومة ، فقد استطاع أن يثبت عليه ، حتى ذاع صيته ، وتولّى منصب قاضي قضاة اليمن .

وكذلك الصنعاني الذي قال عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

وقد جاءت الأخبار بأته                يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

وينشر جهرا ما طوى كلّ جاهل         ومبتدع فيه فوافق ما عندي

ويعمر أركان الشريعة هادما          مشاهد ضل الناس فيها عن  الرشد

أعادوا فيها معنى سواع ومثله             يغوث وودد بئس ذلك من ود

وقد هتفوا عند الشدائد باسمها            كما يهتف المضطر بالصمد الفرد

وكم عقروا في سوقها من عقيرة              أهلت لغير الله جهرا على عمد

وكم طائف حول القبور مقبّل                ومستلم الأركان منهنّ بالأيدي

وكذلك ظهر السيد المرتضى الزبيدي”صاحب تاج العروس في شرح القاموس ” ، وصاحب شرح الإحياء للغزالي ، ” فكان من متفقهة الصوفية في هذا القرن  ” [14] ثم هناك السيد نذير حسين ، والقاضي حسين بن محمد الأنصاري ،وصديق حسن خان ، ممن تغلّب عليهم نزعة ابن تيمية ، ولم يتقيد بمذهب من المذاهب رغم زيديته ، وآثر الكتاب والسنة على التقيد بأي مذهب .

ومن المعروف أن حركة الاتصال بين الجزيرة العربية والهند كانت نشيطة ، بالهجرة والسفر للتجارة والاستيطان ، وخاصة بالنسبة لأهالي حضرموت ونجد ” ( محمد كرد على : القديم والحديث [15]. وفي العراق ظهر الشهاب الألوسي (1802-1854م ) الذي صار علاّمة العراق ، وتولّى المدرسة المرجانية ، ومنصب إفتاء السادة الأحناف . واشتغل بالتأليف والتدريس ، وسار على طريقة ابن عبد الوهاب في التجديد والدعوة للتوحيد ، واتخذ سبيله في ذلك بتفسير القرآن ، وخاصة في كتابه ذي المجلدات التسع : ” روح المعاني  .

ومن المغرب ظهر عبد القادر الجزائري ، ثم محمد بن على السنوسي 1787-1859م ) الذي أنشأ حركة إصلاحية وطريقة صوفية ، وشدد على الاعتبار بالكتاب والسنة على طريقة ابن عبد الوهاب وسلفه ابن تيمية ، وفتح باب الاجتهاد ، ” ولا يتقيد بالمذاهب مع بقاء احترامه لها ” [16]مع تنقية الدين من البدع .

عداء الدولة العثمانية للدعوة الإصلاحية

كان علماء الدين في الدولة العثمانية يعتبرون أنفسهم حماة الشريعة والحريصين على التمسك بمذهب أهل السنة؛  إذ كان دين الدولة الإسلام ومذهبها الرسمي هو المذهب الحنفي، وكان على رأس هؤلاء العلماء: شيخ الإسلام ووظيفته شبيهة بوظيفة الخليفة العباسي الذي كان يقيم في القاهرة في ظل حكم المماليك، وكان مركزه معادلا لمركز الصدر الأعظم، ” رئيس الوزراء” ويتمتع شيخ الإسلام بصلاحية إصدار الفتاوى في القضايا الكبرى ، كأن يصدر فتوى بعزل السلطان أو إعلان الجهاد، ولكنه من الناحية العملية يعين من قبل السلطان ويلي شيخ الإسلام في منصبه ” قاضي العسكر في الروملي، والأناضول، وقاضي استنانبول، ويليهم عدد من القضاة يكونون جميعا –مع شيخ الإسلام- المجلس الأعلى للعلماء “[17]  وجمد المسلمون في علوم دينهم، فليس لديهم إلا ترديد بعض الكتب الفقهية، والنحوية، والصرفية، ونحوها. وجمدوا على فقه المذاهب، جل همهم التعمق في الحواشي، وحفظ المتون، دون القدرة على الاجتهاد.

وإذا نظرنا للدولة العثمانية نجدها قد انقلبت إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال، وكثر السلب والنهب وفقد الأمن، وانحرف بعض السلاطين عن الصواب، يقول محمد كمال جمعة :” وكانت قصور السلاطين والوزراء وكبار رجال الدولة مملوءة بالجواري والسبايا، وكان بعض أولئك السبايا أجنبيات من بلاد أجنبية، فكن عيونا لدولهن على الدولة العثمانية[18] وكانت الدولة العثمانية في آخر زمانها لا تحارب التصوف المنحرف بمختلف طرائقه وصوره التي بعدت عن الإسلام بعدا شاسعا، وكانت قد دخلت عليه عادات بعضها نصرانية، كالرهبانية واللعب بذكر الله، وابتداع أساليب فيه كالرقص، والغناء، والصياح والتصفيق.. إلخ .

وللبحث صلة…..

المراجع

[1] – محمد جلال كشك: السعوديون والحل الإسلامي: 105.

[2] – وهبة الزحيلي: “مُجدِّد الدِّينْ في القَرن الثاني عشــرْ” (ص4) نسخة إلكترونية.

[3] – مصطفى صادق الرافعي، الدعوة والدعاة في الإسلام، بواسطة : الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإنصاف أو دافعت عنها، نسخة المكتبة الشاملة.

[4] – المصدر السابق.

[5] – رجال الفكر والدعوة في الإسلام) جـ4 ص: 408 طبعة دار ابن كثير الثالثة 1428هـ 2007م. بيروت.

[6] -د. محمد عمارة، الطريق إلى اليقظة الإسلامية، ص127 ط دار السلام 1433هـ 2012م.

[7] لوثروب ستودارد حاضر العالم الإسلامي  ترجمة عجاج نويهض وتعليق شكيب أرسلان ج1 ص259-260  ط دار الفكر ص 260 وما بعدها، ويلحظ في تعبيراته استعمال بعض الألفاظ التي لا نوافقه عليها.

[8] – في القاموس المحيط : النِّقْرِس  بالكسر الدليل الحاذق الخِرِّيت ، والطبيب الماهر النظار المدقق  كالنقريس فيهما  ( مادة  النقرس )  

[9] – الفكر التربوي عند ابن تيمية د. ماجد عرسان الكيلاني  ط . مكتبة التراث  .المدينة المنورة الطبعة الثانية  ص 12

[10] – كيف نكتب التاريخ  الإسلامي ص : ( 36-37 ).

[11] محمد سليمان العبدة، دروب النهضة، الطبعة الثانية 2013م 1434هـ، ط مركز الرسالة للدراسات

[12] – طارق البشري ص: 8

[13] – حاضر العالم الإسلامي ج4/255

[14] – عبد المتعال الصعيدي : المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر ط2 القاهرة : مكتبة الآداب ، 1962م ص: 431 بواسطة المستشار طارق البشري ص: 9

[15] – القاهرة : المكتبة التجارية ، 1925ص: 252 ، مجلة المقتبس السنة 2 (325/1907) بواسطة المستشار طارق البشري ص: 9

[16] – أحمد صدقي الدجاني : الحركة السنوسية : نشأتها ونموها في القرن التاسع عشر   بيروت : دار لبنان ، 1967م ص: 75

[17] – انظر الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة، ص 12 نقلا عن الصلابي، الثمار الزكية ص 15.

[18] – انظر : انتشار دعوة الشيخ خارج الجزيرة العربية، ص 12 بواسطة الصلابي، الثمار الزكية.

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى