إيثوبيا وإرتيريا: حلفاء الأمس أعداء اليوم

المدخل الي الصراع بين اثيوبيا واريتريا

الصراع الأريتري – الأثيوبي ليس بسبب خلاف بين النظامين في أديس وأسمرا بل يمتد عبر التاريخ وله خلفيات تاريخية معروفة ، حيث اتسمت العلاقة بين البلدين (الحبشة قديما) وإريتريا بالصراعات والخصومات منذ انتشار الإسلام في إريتريا، وكان هذا بعد هجرة مجموعة من آل بيت إلى منطق القرن الإفريقي وخاصة إريتريا المطلة على البحر الأحمر في القرن الثامن الميلادي، ما أدى الي انتقال قبائل في اريتريا باكملها إلى الإسلام.
منذ ذلك الحين انفصلت إريتريا عن الحبشة وخاصة الشطر الساحلي دينيا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا حيث قامت سلطنة شوا (المخزومية) في عام 283هـ، وكانت الحروب تندلع بين البلدين من حين لآخر.
في بداية القرن التاسع فكر ملك الحبشة في اتصال مع أوروبا للقيام بحملة عسكرية على الشرق الإفريقي لإزالة الممالك الإسلامية منها، وافقت فرنسا والبرتغال على هذه الدعوة، وبهذا الاتصال خرجت إيثوبيا من عزلتها شيئا ما، وبدأت تتصل مع العالم الخارجي، وبناء على طلب ملك الحبشة المساعدة من البرتالغين فقد جاء جيش أوروبي برتغالي ونزل على الأريتري بقيادة (كرسوفر دي غاما ابن فاسكو دي غاما المشهور) إلا أن القائد الإسلامي أحمد ابن إبراهيم قد استطاع أن يقتل قائد الجيش البرتغالي ويهزمه، وكذلك طلب أحمد ابن إبراهيم مساعدة العثمانيين وأرسلوا أسطولا كبيرا على السواحل الشرقية بقيادة محمد علي باشا حاكم مصر.

وكانت الحملة الأوروبية على شرق إفريقيا تنبع من مصادر عدة منها :

توسيع دائرة النفوذ الأوروبي على منطقة الشرق الإفريقي.

محاولة التضييق الخناق على الدولة العثمانية.

محاربة الإسلام والمسلمين في الشرق الإفريقي وإزالة الممالك الإسلامية فيها.

مساعدة ملك الحبشة.

وبعد صراع طويل ضعفت الممالك الإسلامية في منطقة الشرق الإفريقي وسقطت الممالك الإسلامية كليا حيث تقاسمت أوروبا على المنقطة برمتها وكان ذلك في بداية القرن السابع عشر الميلادي.

وفي العام 1896م، وُقعت معاهدة أديس أبابا، والتي كانت تحدد الحدود بين أثيوبيا وإريتريا، تقوم على أن الحد الفاصل بينهما، هو نهر مأرب، ومن هنا ظهرت الشخصية الإرتيرية، حيث جعلت وحدة مستقلة عن أثيوبيا.. وكانت بريطانيا تَعُدّ إريتريا جزءاً من مستعمرات إيطاليا.

وفي سبتمبر عام 1948 منحت بريطانيا أثيوبيا جزءاً من الأراضي الفاصلة بين الصومال وإثيوبيا، إضافة إلى أجزاء واسعة من إريتريا، وفي نفس الوقت بدأت في إريتريا حرب العصابات التي كانت تسمى (الشفتا) لمقاومة السلطات الإيثوبية إلا أنها ضعفت بسرعة.

وفي بداية عام 1961م بدأ الكفاح الأريتري المسلح مرة أخرى ضد الوجود الإثيوبي في إريتريا بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير إرتيريا التي كان يترأسها (إدريس محمد آدم)، وحصلت الجبهة على دعم كبير مادي وعسكري، من الإرتيريين الذين كانوا يعملون في الدول العربية وخاصة دول الخليج، وكذلك من سورية.

وكانت الأسلحة تُهرب عبر الحدود السودانية الإثيوبية، مما حدا بإثيوبيا لتوقيع معاهدة الحدود، مع السودان في عام 1965م، بهدف منع تهريب الأسلحة إلى إريتريا.

حلفاء الأمس أعداء اليوم:

تحالفت الجبهة الشعبية بزعامة سياس أفروقي (رئيس الأريتيريا الحالي) الجبهة الشعبية لتحرير التيجرا بزعامة ميلس زيناوي (رئيس الوزراء الإيثوبي السابق) بإشراف أمريكي في مؤتمر عقد بلندن عام 1987م نسق لها (وليام كوهين) مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية في ذات الوقت، لإسقاط نظام (مانجستو حيلي مريم)، واتفقت أطراف المشاركة في المؤتمر بالنقاط التالية:

اعتراف إثيوبيا بحق تقرير المصير للشعب الإرتيري على أن يختار بين الانفصال أو الوحدة.

أن يلتزم (أفورقي) بدعم (ميلس زيناوي) في سعيه للتغلب على مناويه العسكريين والسياسيين، وتولي ( زيناوي) السلطة في إيثوبيا بعد انهيار نظام مانجستو هايلي مريم.

أن تسمح إريتريا بعد الاستقلال باستخدام إثيوبيا ميناء عصب وكذلك مصوع للأغراض التجارية.

ونجح الطرفان في إسقاط مانجستو، وتولى (زيناوي) حكم إثيوبيا، حيث أصبح (هايلي مريام ديساليغن) نائب لـ(زيناوي) رئيساً للجبهة الديمقراطية الثورية في 15 سبتمبر سنة 1991م، ثم انتخبه(زيناوي) البرلمان الإثيوبي في 21 سبتمبر 1991م رئيساً للوزراء في إيثوبيا.

أما إرتيريا فتشكلت حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاما على الاستقلال تحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية، وجاءت نتيجته 99% للاستقلال؛ فأصبحت إريتريا دولة مستقلة ذات سيادة في 1 من ذي الحجة 1413هـ الموافق 23 من مايو 1993م، ثم انتخب (أسياس أفورقي) رئيسا لإرتيريا فور الاستقلال وإعلانها.

الصراع ما بعد استقلال اريتريا

ورغم تعهد كل من الرئيس الإرتيري(أسياسأفورقي) ورئيس الوزراء الإيثوبي السابق (ميلس زيناوي) بالتعاون الكامل على جميع المجالات التي منها: الاقتصاد والسياسة والاجتماعية، واستعمال إثيوبيا بالموانئ الإرتيرية، إلا أن الخلافات بين البلدين سرعان ما تفاقمت حيث اندلعت حرب شاملة بين البلدين في أيار/مايو 1998م التي قتل فيها آلاف الجنود والمدنيين من الجانين استمرت لمدة عامين، ولم تتوقف المناوشات والعدائيات بين البلدين حتى الآن.

نتائج الحرب بين البلدين:

هجرة أكثر من مليون شخص داخل وخارج البلدين.

حرمان الاتصال بين القرى الواقعة على الحدود.

توقف الزراعة في المناطق الحدودية بسبب الحروب.

حرمان الاتصال بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب الحروب.

مساندة الجبهات المعارضة كل من الدولتين.

انسحاب الدبلوماسيين من الدولتين.

أسباب حرب عام ١٩٩٨

كان الحرب الذي نشب بين اريتريا – وإثيوبيا يقوم على النقاط التالية:

توسيع دائرة النفوذ الأثيوبي على أريتريا والصومال (منطقة القرن الإفريقي).

سعي أثيوبيا للسيطرة على البحر الأحمر أو على الأقل إيجاد منفذ بحري من بحر الأحمر.

ضم إريتريا لإثيوبيا بأي وسيلة وبأي ثمن كانت.

رغبة إيثوبيا في التوسع نحو دول الجوار مثل إريتريا والصومال.

شعور إيثوبيا بالعزلة بعد انفصال أريتريا عنها.

الصراع على الحدود حيث تبلغ طول الحدود بين البلدين التي تمتد على مساحة تبلغ 25 كلم على طول حدود البلدين.

السيناريوهات المحتملة

تتمثل السيناريوهات المحتملة في مستقبل الصراع بين الدولتينوالتحولات الممكنة الوقوع حسب الرأي والمراقبين والمتابعين لها، ويمكن أن نوجز تلك السيناريوهات المحتملة في المستقبل القريب ما يلي:
1- استمرار الأوضاع القائمة على ما هيه،، ويعني هذا استمرار مشكلة الحدود.

2. تقدم عملية التسوية الحدودية، وبمعدلات متقاربة بين طرفي الصراع ، وذلك على صعيد التنازلات وتقسيم الأراضي بطريقة متساوية، وانسحاب كل الطرف بعض مناطقه.

3. زيادة قوات حفظ السلام بين الدولتين وإعطائها صلاحيات واسعة تجيز لهم التدخل العسكري ووقف اندلاع حرب جدية مرة أخرى بين البلدين.

والجدير بالذكر أن وقف اطلاق النار بين البلدين كان في الجزائر ديسمبر سنة 2000م، وتتكون هذه القوات من 100 مراقب عسكري وموظفين مدنيين ضروريين، وتعرف UNMEE)).

والصراع الأريتري الاثيوبي يحتوي على جميع مصادر الصراع الدولي والداخلي التي منها مشكلة الحدود، والتداخل اللغوي، والدوافع الخارجية.

محمود عبدالصمد محمد( ذو اليدين)

باحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى