أساليب التنشئة الاجتماعية للطفل (1)

تعددت أساليب التنشئة الاجتماعية بوجه عام لتتناول جوانب مختلفة من الشخصيات وذلك طبقا للأيدولوجيات والأفكار التي تنطلق منها، وتشعبت وجهات النظر حول هذه الأساليب ،  فهناك من علماء الغرب من لهم آراء حول أساليب التنشئة الاجتماعية فضلاً عن علماء العرب والمسلمين، فنجد مثلاً (شارلز وليونارد) من علماء الغرب يشيران إلى هذه الأساليب في أنها تشمل العطف والحب للأبناء، وإظهار الثقة بالطفل وبقدراته، وإعطاء الطفل فرصًا ليقوم بمساعدة غيره، ومساعدة الطفل على أن يشعر بأنه ينتمي لجماعة أو يكون هناك مكانًا خاصًا بالطفل، وكذلك إعطائه شيئًا من الحرية مع تدريبه تحمل المسئولية ([1])، أما الدين الإسلامي فقد دعا إلى اتباع الأساليب التالية في تنشئة الفرد المسلم، أسلوب القدوة، أسلوب الحوار والمناقشة، أسلوب الثواب والعقاب، أسلوب الشورى، أسلوب القصص، أسلوب الموعظة، أسلوب ضرب المثل ، أسلوب اللعب والترويج.

وتختلف أساليب التنشئة الاجتماعية من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى عصر، كما تختلف داخل المجتمع الواحد باختلاف الطبقات الاجتماعية، بل إن ما يعتبر معيارًا مطلوبًا في مجتمعٍ ما قد يعد مرضًا وشذوذًا أو انحرافًا في مجتمعٍ آخر.

ويقصد بأساليب التنشئة الاجتماعية الوسائل التي تستخدمها مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة بقصد إكساب الطفل سلوكا معينًا أو تعديل سلوك موجود بالفعل.

كما يٌعَرِّفها البعض بأنها الإجراءات والأساليب التي يتبعها الوالدان في تطبيع أو تنشئة أبنائهما اجتماعيًا، أي تحويلهما من مجرد كائنات بيولوجية إلي كائنات اجتماعية ([2]).

من خلال هذا العرض الموجز لمفهوم أساليب التنشئة الاجتماعية يتضح أن الباحثين في هذا المجال يواجهون صعوبات في الاتفاق على تصنيف محدد لأساليب التنشئة الاجتماعية، وربما يعود ذلك إلى اختلاف المنطلقات النظرية التي ينطلق منها هؤلاء الباحثون أو ربما يعود الأمر إلى أن هؤلاء قد كونوا لأنفسهم وجهة نظر معينة ينطلقون منها، فمنهم من يرى أن أساليب التنشئة الاجتماعية الوالدية تنطوي على الأسلوب الديمقراطي والتسلطي، ومنهم من يرى أنها تنطوي على أسلوب التسامح والتسلط وأسلوب الحزم، وثمة رأي آخر يُصنف أساليب التنشئة الاجتماعية إلى أسلوب التقبل النبذ، الإهمال، التسامح، الصرامة، أسلوب التفضيل، أسلوب الرعاية الزائدة.

وبشكل عام فقد أكدت العديد من الدراسات على أن أساليب التنشئة الاجتماعية يوجد منها السوي وغير السوي، فمن الأساليب السوية: أسلوب الحرية والديمقراطية في المعاملة، وأسلوب القدوة، وهي الأساليب التي تعتمد على احترام شخصية الطفل وتحقيق الأمان النفسي له من خلال توفير عناصر الحب والقبول والاحترام، أما الأساليب غير السوية فمنها، أسلوب التسلط ، والتذبذب، والتدليل، والحماية الزائدة، والقسوة، والتفرقة في المعاملة ([3])وفيما يلي نعرض بالتفصيل لكل فئة من هذه الفئات والأساليب التي تندرج تحتها علي النحو التالي:

أ- أساليب التنشئة الاجتماعية السوية وتتمثل فيما يلي:

1- أسلوب القدوة

تعتبر القدوة من أهم أساليب التنشئة الاجتماعية للطفل، لأن الطفل يتأثر بمن يراهم باعتبارهم قدوة له ونموذجًا للكمال أو النجاح أو الشهرة عن طريق التقليد والمحاكاة ([4])، وذلك لأن الطفل يميل إلى تبني أفكار الغير ومعتقداتهم وقيمهم دون مناقشة أو اجتهاد، وكذلك الرغبة في القيام بأدوار الأكبر منه سنًا.

وتعد القدوة من أنجح الأساليب السوية التي تؤثر في الإنسان وخصوصًا في الأطفال، ذلك لأنهم لا يفهمون لغة الكلام ولا تدخل عقولهم النصائح والإرشادات بقدر ما تترسخ فيهم سلوكيات ومعاملات المحيطين بهم، كما أن الطفل في سنواته الأولى يعتقد أن كل ما يفعله الكبار صحيحا،وأن والديه هما أكمل الناس وأفضلهم،ولهذا فهو يقلدهما في كل ما يفعلانه،حيث إن اقتناعه بالأفعال المشاهدة أمامه أقوى بكثير من تلك التي يسمع عنها.

فيا ترى كيف سيكون الحال إذا مارس الأبوان أو أحدها سلوكًاخاطًا؟المؤكد أن الطفل سيبقى يقلد ذلك، خاصة وأنه في سن لا يميز فيها الخير والشر،إذ إن الطفل يبدأ في المحاكاة في السنة الثانية من عمره تقريبًا، ولن يقف الأمر عند التقليد وحسب، بل سيكون لديه قيمًا توجه سلوكه في المستقبل،وسيكون إزالة القيم غير المرغوبة عند الكبر عسيرًا جدًا، ومن هنا كانت القدوة عاملاً كبيرًا في إصلاح الطفل أوإفساده، فإذا كان القدوة صادقًا أمينًا كريمًا نشأ الطفل على الصدق والأمانة والكرم والشجاعة،وإذا كان النموذج خائنًا نشأالطفل مثله ([5]).

2- الأسلوب الديمقراطي

يعتمد هذا الأسلوب على احترام شخصية الطفل في المنزل، والعمل على تنمية شخصيته وتوفير كافة المعلومات التي يريدها الطفل.

كما يعتمد على إتاحة الفرصة للطفل للتعبير عن رأيه وتشجيعه بالرأي في اتخاذ القرارات بالنسبة لشئونه الخاصة أو مشاركة الرأي مع الوالدين فيما يتعلق باختيار الأصدقاء، ويهدف هذا الأسلوب إلى إتاحة الفرصة للطفل لكي يبرز ما لديه من قرارات على أسس موضوعية ويحقق الاحتكاك اللغوي بين الطفل ووالديه، كذلك يحقق هذا الأسلوب إنتاج شخصية مستقلة قادرة على اتخاذ القرارات واحترام آراء الآخرين ([6]).

3- أسلوب القصة:

يعتبر أسلوب القصة من أهم أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة([7]) وذلك لما للقصة من تأثير نفسي وخُلُقي في الأفراد وخاصة الأطفال إذا ما وضعت في قالب مشوق يشد الانتباه ويؤثر في العواطف والوجدان ([8]) وتعمل القصة على توجيه أذهان الطفل ومشاعره وتفكيره نحو أهدافها ([9]) وهذه آلية تنشئة ناجحة تؤتي اُكُلها طيلة حياة الفرد.

ويساعد أسلوب القصة على إيضاح وتفسير ما يصادف المربي من صعوبات وتعقيدات في الحقائق والمعلومات المراد توصيلها إلى الأطفال ([10])، كالعادات والتقاليد وخصائص المجتمع الذي يعيش فيه ومبادئه، مثل احترام الفرد، واحترام العمل، والتفكير الناقد.

المراجع والهوامش

ملاحظة: يرجى لمن أراد الإقتباس من المقال، الرجوع  أو الإشارة إلى مصدر ه الأصلى ، وهو:عبدالوهاب على مؤمن :أساليب التنشئة الاجتماعية للطفل الصومالي( دراسة على عينة من الأسر الصومالية بمدينة القاهرة) رسالة ماجستير غيرمنشورة، معهد البحوث والدراسات العربية ، القاهرة 2011

([1]) شارلز وليونارد: لماذا ينحرف الأطفال، ترجمة أحمد نسيم رأفت، أشراف وتقديم عبد العزيز القوصي، ضمن سلسلة دراسات سوسيولوجية، مكتبة النهضة العربية، 1984، صـ صـ 81 – 85

([2]) هدى محمد قناوي:الطفل تنشئته وحاجاته، الأنجلو المصرية، القاهرة صـ83.

([3]) الحسيني رجب ريحان: أساليب التنشئة الاجتماعية وعلاقتها بالوعي بقيمة الموارد المادية لدى تلاميذ الصف الخامس الإبتدائى، مجلة بحوث التربية النوعية،العدد الخامس، يناير 2005،صـ،صـ 55-86

([4]) صالح محمد علي:سيكولوجية التنشئة الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، صـ 261.

([5]) عبد الله ناصح علون:تربية الأولاد في الإسلام، الجزء الثاني، ط31، دار السلام للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، صـ 476.

([6]) محمد نجيب توفيق حسن: الخدمة الاجتماعية مع الأسرة والطفولة والمسنين، الكتاب الثاني، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1998، صـ 210.

([7])  Smith ,m. The socialization of children through fairy tales (the introduction of good , evil and values) Texas: Texas Wesleyan university.2009,p.3

([8]) صالح محمد علي: سيكولوجية التنشئة الاجتماعية، مرجع سابق، صـ 266.

([9]) معن خليل العمر: التنشئة الاجتماعية، مرجع سابق، صـ9ـ.

([10]) عبد الفتاح تركي موسى:التنشئة الاجتماعية، منظور إسلامي، مرجع سابق، صـ 166.

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى