هل أنت عضو في الحركة الإسلامية الصومالية؟

( جرى بيني وبين أحد الفضلاء من طلبة العلم كلام ودردشة حول أمور الدعوة بين الجالية الصومالية في الخارج ، ومن ضمن كلامه الذي لم أكن أتوقع منه ، وهو رجل له رصيد علمي معتبر ، قوله : ” عدم الانتماء إلى الحركات الدعوية ضرب ونوع من الانـحراف” ، ولأجل ذلك سودّت هذه السطور التالية ) .

قلت :الانتساب إلى التيار الدعوي الإسلامي الصومالي بكل فسيفسائه المختلفة من أتجاه سلفي بقسميه الحركي واللاحركي ، ودعوة الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ والدعوة ، أو أي منظمة دعوية أخري تـهتم في مجال الدعوة والعلم، أو تقييد اسـمك في سجلاتـها أو أن تكون مناصرا لها في كل الأصعدة ، ليس واجبا ولا حراما ولا مكروها أو مستحبا ، بل هو أمر مباح يدخل تحت النصوص العامة التي تدعوا إلى التعاون والتكاتف وجمع الكلمة ورصِّ الصفوف ،لأن العمل الجماعي أقدر وأكثر نفعا من العمل الفردي في إنجاز المهمة وتوفير الوقت وتقليل التكاليف .

ويخطىء كثيرا من يصنف هذه الحركات  والمنتسبين اليها  بأنهم مبتدعة أو ينازعون الحكم في أهله، أو يمارسون الأعمال المنوطة للدولة، أو غير ذلكمن التهم المصطنعة الموجهة إلى الحركات الدعوية .

وهؤلاء يتناسون بأن هذه الحركات تقوم بأعمال جليلة تصبُّ في صالح المجتمع وتنميته وتثقيفه وتطويره حسب قدرتهم ، ولا يُبِرر بما يكتنف مسيرتها من أخطاء أو ممارسات غير سوية باعتبارها شرا محضا أو بلاءً ومصيبة تسعى لتقطيع أوصال وعرى الإسلام إربا إربا ، وهذا التوهم غير الصحيح جعل بعض الفضلاء يسترسلون ويكثرون الكلام في اطلاق التهم  وتوجيه النقد للحركات الدعوية من غير تمحيص ، ويضعون كلهم في سلة واحدة من غير إشارة أو تنبيه في بعض محاسنها.

ويقابل هذا الصنف من الناس نوع آخر من الفضلاء يجزم بأن الحركات الدعوية تمثل الإسلام الرسمي والنقي ، وهي جماعة المسلمين ، وأمل الأمة الوحيد بعد الله تعالى ، والطُهْر كله ، والعصمة تظللها من كل جانب ( لا تجتمع أمتي على ضلالة )، ولولا إخلاص أبنائها لانهدم بنيان الدين ، وهي التي تحمي البيضة، فقطارها مستمر ولا ينتظر الكسالى والمثبطين ، وعدم الانتماء إلى صفوفها نوع من الانحراف ، ولا يتأخر عنها إلا من لا يريد الخير للدعوة .

قلت :هذا القول ضرب من الغباء ونوع من الغرور والمكابرة والادعاء الكاذب والهوس ، ولو كان الأمر كذلك لكان الانتماء إليها من أوجب الواجبات وأؤكد الفرائض ، ولا أخال أحدا يقول هذا .

والحركات الإسلامية جهد بشري ، تصيب تارة وتـخطئ تارة أخرى ، ولا يتمتع منتسبوها بالحصانة ، ولا يحملون ألقابا وأوسمة فوق العادة ، ويجري عليهم ما يجري على غيرهم ممن لم يقيدوا اسماؤهم في سجلات الحركات ، فمحسنهم يستحق الشكر ، ومسيئهم لا يجنى إلا سوء فعلته .

وقد انتسب إلى الحركات الدعويةعدد غير قليل من أبناء الصحوة الإسلامية الصومالية في فترة من حياتهم ، فمنهم من بقي في صفوفها ولا يري غيرها بديلا ، ويستميت في الدفاع عنها سواء أصابت أم أخطأت ، ويناصب العداء أو لا يتعاون إلا من قيَّد اسمه فيها ، ويعتبر المساس بها أو الحديث عنها ولو كانت على سبيل المناصحة بأنه ممن يجب مقاطعته وإساءة الظن فيه ،وليس للأمة علماء وأخيار يحملون همَّ الدعوة ونشر الخير إلا من قيد اسمه في سجلات الحركة ، ولا يجوز بأن يتصدرفي المشهد الدعوي إلا دعاة حركته ومنظري جماعته، فمن رضي عملهم فهو في سبيل الرشاد ، ومن توجس وتوقف في اجتهاداتهم الشخصية أو الجماعية ، أو شكك في فهمهم للنصوص الشرعية حسب مصالح الحركة، فهو في سبيل الغواية أقرب .

ومنهم من خرج عنها وأعلن النكير عليها ، وتولى نشر مثالبها وعيوبها بين الناس وعلى المنابر ، ولم يستعمل العدل والانصاف في حقها ، بل اعتبر كل من لا يسلك هذا المسلك ،  فقد أحبَّ انتشار البدعة بين الأمة  ، حسب فهمه القاصر للنصوص .

ومنهم من لا يرى بأسا بالانتماء إليها عضويا ، ولا يناصب العداء لها، ولا يمانع التعاون معها ، ولكن تحقق لديه بأن الشعارات الذي ترفعها الحركات الدعوية يشوبها كثير من الضباب وعدم المصداقية ، كما أن هناك  أخطاء وممارسات غير سوية أضحت جزأً من ضروريات العمل الرسمي للحركات ، والتي تخالف الهدف الأسمى الذي من أجله تأسست الحركات الدعوية .

ولأجل هذه التصرفات المخالفة للخلق الديني الصحيح ،إرتأى عدد   من الفضلاء من الدعاة والعلماء التريث والانتظار ريثما ينطبق الشعار المعلن على الواقع المعاش والحراك اليومي لأعمال الحركة ، ولكن هذا الأمل لا يعدو كونه أضغاث أحلام ليس له تعبير حقيقي .

ويبدي كثير من أبناء الحركة الإسلامية الصومالية تململهم من الممارسات الخاطئة التي تسود أعمال الحركات ، والتي تجعل الكثير منهم يفكرون الانسحاب منها وعدم البقاء فيها .

ومن بعض هذه التصرفات والمآخذ التي أشاروا إليها ما يلي :

  • أن الولاء الحقيقي ينحصر بين بعض المنتسبين إلى الحركة دون السواد الأعظم من أبنائها ، فضلا عن باقي الأمة .
  • انحصار قيادة الحركة من الصف الأول والثاني والثالث على المؤسسين وأقربائهم وأصدقائهم ومؤيديهم .
  • عدم وجود نظام التداول السلمي لقيادة الحركة .
  • تذويب الشخصية لصالح القادة .
  • قتل روح الإبداع بين أبناء الحركة ، وإبقاؤهم مجرد صدى لما تريده القيادة .
  • اعتبار ابداء الرأي في مجريات الحركة نوعا من المعارضة والتي تحيل العضو إلى قائمة غير المرغوب فيهم في داخل الحركة .
  • انتشار الوشاية والتهم الكيدية وبناء القرارات على ذلك.
  • عدم احترام التخصصات الشرعية والعلمية في تولى الإدارة وتحمل المسؤولية .
  • ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا المجتمع الصومالي في الأزمات والظروف غير العادية ، فترى الحركة تنشط في بعض الحالات ، بينما لا يتحرك لها جفن في حالات أسوء وأفظع من التي قبلها .
  • انعدام الشفافية في موارد الحركة وكيفية صرفها.
  • تحول المرافق العامة للحركة إلى محميات خاصة للمتنفذين .
  • سيطرة المصالح الشخصية في مجريات الحركة .
  • وغير ذلك من المشاكل التي لا يتسع المقام لذكرها .

قلت : فإذا كان أعضاء الحركة يشتكون من التهميش وعدم المبالات ، وتبقى اللوائح والأنظمة الداخلية للحركة الإسلامية الصومالية مجرد نصوص لا أثر لها ، فدعوة الآخر إلى انضمامها وتقييد اسمه في سجلاتها ستكون نوعا من المجاملات الحركية التي تحقق بعض المكاسب الآنية ومن ثم  تعقبها مآسي ومشاكل تكون سببا لفقدان الثقة بين الدعاة وطلبة العلم .

ولذا أرجو إخواني من قادة الحركة الإسلامية الصومالية إعادة النظر في عمل الحركة وتصحيحها ومراجعتها وإخضاعها للمحاسبة ، لتعاود نشاطها الدعوي بكل أريحية وثقة حتى تؤتي أكلها ، وتستعيد ما فقدت من مكانتها بين الشعب الصومالي .

والله من وراء القصد ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .

عبد الباسط الشيخ إبراهيم ، في ١٥/١٢/١٤٣٦هـ ، ٢٨/٩/٢٠١٥م .

الدكتور عبد الباسط شيخ إبراهيم

ولد في دينسور في إقليم بأي ، ودرس الإبتدائية والاعدادية والثانوية في مدرسة 11 يناير في بيدوه، وحصل البكالوريوس والماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والدكتوراه من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا تخصص التعليم والدعوة
زر الذهاب إلى الأعلى