النفوذ الإيراني في جيبوتي… الأهـداف والدوافـع ( الأخيرة)

منظمات التشيع وجه آخر من سياسة التوغل الإيراني في البلاد:

وقد لا يختلف الإثنان حول أهمية الدور الذي تلعبهامنظمات (التشيع) في البلاد سواء لتلك التي تنشط في مجال العمل الخيري والإنساني أو تلك العاملة في مجال الدعوة والثقافة والفكر.

وعلى رغم إختلاف مهامها وأنشطتها إلا أن هذه المنظمات تعتبرجزء رئيساً ومهماً من الإستراتيجيةالإيرانية وإحدى أدواتها الفاعلة لبسط نفوذها وسيطرتها في المنطقة.

وهذا ما يعكسه الإهتمام الإيراني والدعم المتواصل الذي تتلقاه هذه المنظمات لتعزيز دورها وتطوير مهامها وأنشطتها المختلفةفي البلاد.

ووفقاً للتقديرات المحلية فإن نشاطها في داخل الأحياء الشعبية وفي المحافظات الداخلية شهد تطوراً ملحوظاً منذ مطلع عام 2013م.

وفي الفترة الأخيرة تميزت أنشطة تلك المنظمات بقدر كبير من الفعالية والإنتشار لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد، بحيث لم تعدمهمة نشرأفكار التشيع في أوساط المجتمع ظاهرة سرية ومحدودةـ كما كانت سابقاً ـ بل أصبحت عملاًعلنياً ومنظماً ينتشر بوتيرة سريعة  في داخل المجتمعوخاصة في أوساط الشباب.

دور هذه المنظمات وحدود إنتشارها:

ومع أن هناك مخاوفشعبية متزايدة من خطورة هذه الظاهرةعلى الأمن الإجتماعي وإستقرار البلاد، إلا أن تلك المخاوف لم تجد أهتماماً يذكر من قبل العلماء والمثقفين ولا من الجهات الرسمية المعنية.

وبشكل معاكس بدأ عديد من المثقفين بترحيب تلك الأفكار(الوافدة) بإعتبارها مشروعاً إستراتيجياً مهماً لمحاربة أفكار التطرف والتكفير ولمواجهة التيار السلفي في داخل البلاد وفي عموم المنطقة.

ومن المدهش جداً أنه لا يوجد  حتى الآن أي معلومات رسمية وموثقة يمكن إعتمادها لدراسة الظاهرة وتقييم آثارها في المجتمع، وهو ما يجعل بمهمة تحديد مدىالنجاح الذي تحققه أو فشل  تلك المنظمات في سبيل نشر أفكارهافي المجتمع، أمراً في غاية الصعوبة.

إلا أن كل المعطيات الأولية التي توفرت لدينا حتى اللحظة، تؤكد  بما لا يدع مجالاً للشك  أن هذه المنظمات قطعت شوطاً كبيراً في تنفيذ مشروعها كما حققت نحاحاً ملحوظاً خلال السنوات الثلاث الماضية بخصوص إختراق المجتمع وتوسيع نطاق نشاطها في البلاد.

وأن ذلك يرجع ـ بحسب المراقبين ـ لعديد من العوامل من بينها:

  • التطور اللافت الذي شهدته هذه المنظمات في الفترة الماضية خاصة بعد تقنين أنشطتها وفقاً للقانون وخروجها من دائرة السرية والتعتيم نحو العمل العلني.
  • نجاحها في خلق علاقات مميزة ومتينة مع عديدمن الطرق الصوفية وزعاماتها الروحية في البلاد.
  • تلقي مشروعها قبولاً في أوساط بعض المثقفين وفي عديد من الجهات المناوئة للفكري السلفي في البلاد.
  • الإهتمام السياسي والدعم المالي غير المحدود الذي توفره الحكومة الإيرانية لتلك المنظمات بشكل مستمر.
  • إستثمارهاللخلافات السياسية والفكرية التي تفجرتفي 2013م، بين الحكومة والحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) في جيبوتي، وذلك لطرح نفسها في الساحة كجماعة معتدلة وموالية إضافة إلى تعزيز تعاونها مع الحكومة في كافة المستويات.

حول حقيقة العلاقة بين الحكومة وتلك المنظمات:

ومع أن العلاقات الرسمية بين الحكومة وتلك المنظمات ما زالت يحيطها كثير من الغموض والتعتيم (المقصود) إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور بعض المعلومات حولحقيقة هذه العلاقة والأسس الذي يقوم عليهالتعاون القائم بين الجانبين.

وفي الفترة الأخيرة تحدثت عديد من التقارير الصحفية عن وجود تفاهمات سياسية غير معلنة بين الجانبين ووفقاً للمعلومات فإن هذه التفاهمات تهدف إلى إقصاء الحركة الإسلامية من المشهد السياسي والإجتماعي من جهة وتعزيز دور هذه المنظمات وإبرازها كقوة معتدلة وبديلةعن منظمات الحركة الإسلامية (الإخوان)التي تم حظر أنشطتها في البلاد.

ومنذ قيام الحكومة بحلّجمعية البرّ الخيرية التابعة للحركة في إكتوبر عام 2013م، شهدت الساحة محاولات عديدة لملئ الفراغ الذي خلفه قرار حلّ الجمعية.

وقد برزت جمعية النور الخيرية (المتهمة بالتشيع) إعلاميا كخيار سياسي مناسب وكقوة معتدلة قادرة لملئ هذا الفراغ سواء في صعيد العمل الخيري أو في المجال الفكري والدعوي.

ولكن ليس هناك ما يؤكد على قدرة الجمعية لشغل هذه المهمة الصعبة وحتى الآن ما زالت أنشطتها محدودة جداً بحيث تقتصر فقط في المجال الفكري والثقافي.

ومن جهتها قامت فرقة الأحباش لأول مرة منذ عقد ونيف بجهود كبيرة ومساعي حثيثة لإعادة أنشطتها في جيبوتي،وفي هذا الصدد قام وفد رفيع من جمعة المشاريع الإسلامية التابعة للأحباش في أكتوبر عام 2014م،بزيارة رسمية البلاد، وذلك بهدف دراسة الأوضاع السياسية والإجتماعية في البلادإضافة إلى الإمكاناتوالفرص المتاحة لإعادة إفتتاح مكاتبها التي تم تعليقها في عام 1997م.

وعقب الزيارة تحدث أحد المسؤولين في الجمعية  عن تلك الفرصة المتاحة في الساحة مشيراً أن دعوة أهل البيت تجد قبولاً واسعاً لدى كافة فئات المجتمع الجيبوتي، مؤكداً بأن معدل الإقبال للمذهب يتجاوز لـ(5) أفراد في اليوم.

الوفوذ والزيارات:

وخلال السنوات الثلاثة الماضية، تضاعف اهتمام وأنشطة الحكومة الإيرانية والمنظمات الشيعية العالمية في البلاد كما أنها ضاعفت أيضاً دعمها للمنظمات المحلية التي تنشط في الساحة.

وهذا ما تؤكده حجم الزيارات المتتالية التي قامت بها عديد من الشخصيات الدينية البارزة في البلاد، ومن بينهازيارة الشيخ فيصل العدي العلياوي والذي أشرف على حفلة إفتتاح مركز أهل البيت في 2014م.

والزيارات المتكررة للمديرالإقليمي لـمنظمة الخميني في القرن الإفريقي في البلاد والتي قدم من خلالها دعماً مالياً كبيراً للمركز كما أنه إلتقى أيضاً مع عدد من المسئولين في الحكومة.

مصادر التمويل:

ومع أن هذه المنظمات العاملة في البلاد لم تكشف بعد بأي تفاصيل عن مصادرها المالية ولا عن الجهات الخارجية الداعمة لها.

بيد أن هناك تقارير صحفية تتحدث أن معظم المنظمات المحلية (الشيعية) التي تنشط في الساحة تتلقى دعماً مالياً كبيراً من الحكومة الإيرانية وعدد من الجمعيات والمنظمات الشيعية الدولية التي تعنى في نشر مذهبالتشيع في المنطقة، ومن أبرزها مؤسسة الخميني الخيرية والمجمع العالمي لأهل البيت إضافة إلى عدد من الحوزات العلمية.

كما أن الحكومة الإيرانية أنشأت حديثاً في البلاد بعدد من الشركات التجارية من بينها شركة للتنزيت تعمل في كل من جيبوتي وإثيوبيا وذلك بهدف توفير مزيد من الدعم لتلك المنظمات من جهة وخلق واجهات جديدة لتغطية نشاطها في المنطقة.

بعض الجهات الإيرانية  نشط في البلاد:

ويوجد حالياً جهات عديده تنشط في البلاد بعضها بشكل علني بينما البعض ما زال يعمل في سرية تامة ومحكمة ومن أهم تلك الجهات:

  1. مركز أهل البيت بحي الثاني في جيبوتي:ويعد المركز من أهم مؤسسات التشيع وأكثرها نشاطاً في البلاد،ويتكون المركزبـعدة غرف رئيسية منها: غرفة للضيافة ومكتبة متكاملة إضافة إلى صالة للمحاضرات والدروس، وتم تجهيزه بشكل حديث ومتطور بحيث تتوفر فيه كل الخدمات والمعدات اللازمة للتواصل ويديره إمام الفرقة الشيخ محمد حسين.
  2. حسنية الرسول الأعظم في حي الربع: تقيم كل المناسبات الدينية الخاصة للمذهب الشيعي منها إحتفال بمناسبة عاشوراء إضافة إلى محاضرات دينية إسبوعية تقيم للمؤمنين الشيعة.
  3. جمعية النور:وتهتمّ في النشاط الفكري والثقافي إضافة إلى العمل الخيري وتعمل الجمعية وفقاً للقانون وضمن منظمات المجتمع المدني في البلاد .
  4. المركز الثقافي لجماعة المستبصرون: ويقوم المركز بعديد من الفعاليات لنشر المذهب ويجد دعماً مالياً وفنياً من قبل المجمع العالمي لأهل البيت.
  5. مؤسسة جعفر الصادق للبحوث: تعنى في ترجمة الكتب والبحوث إلى اللغات المحلية كالصومالية والعفرية إضافة إلى الفرنسية.
  6. مكتبة فاظمة الزهراء الإسلامية:تقع في حي الثاني من العاصمة وعانت المكتبة خلال الفترة الماضية من إهمال كبير ونقص شديد في المواد والكتب إضافة إلى الدعم المالي اللآزم لتشغيلها وذلك بسبب الخلافات التي كانت قائمة بين إدارة المكتبة وقيادات الفرقة.

إلا أن هناك جهود كبيرة لتشغيل المكتبة وذلك منذ إحتواء الخلافات في سبتمبر عام 2014م، وأفادت مصادر مطلعة بوصول شحنات من الكتب والمواد الثقافية لتفعيل المكتبة بشكل حديث ومتطور.

بعض الأهداف المعلنة:

وبدأ المسؤولون في هذه المؤسسات بإعلان بعض الأهداف التي تسعى تلك المؤسسات تحقيقه في البلاد بالوقت الراهن وفي المنظور القريب، ومن بينها:

  1. نشر مذهب أهل البيت وإعادة المجتمع الجيبوتي إلى أصوله الدينية الصافية والمعتقدات الأصيلة– حسب زعمهم- التي قامت الحركات الوهابية بتشويهها خلال العقود الماضية.
  2. محاربة أفكار التطرف والتكفير الوهابي والعقائد الفاسدة التي تنشرها السعودية في عموم المنطقة.
  3. إعادة الإعتبار إلى الطرق الصوفية ودورها في نشر الإسلام في المنطقة.
  4. إحياء مكانة أهل البيت وأئمة الأطهار في وجدان المجتمع الجيبوتي.

عبد الله الفاتح

باحث وكاتب صحفي. ماجستير في الإعلام بجامعة السودان للعلوم في الخرطوم (قيد الدراسة). حاصل على دبلوم عالي في الترجمة الصحفية في أكاديمية موزايك سنتر ـ أديس وبكالورياس في الإعلام بكلية الآداب في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم. يعمل محرر ومترجم في الوكالة الجيبوتية للأخبار.
زر الذهاب إلى الأعلى