المشروع الإثيوبي في الصومال

الخلفية التاريخية للمشروع الإثيوبي في الصومال:

جدور العلاقة العدائية بين أثيوبيا مع الصومال تعود الي القرن التاسع عشر، عندما أرسل ملك الحبشة (منليك) رسائل إلى كل من بريطانيا وفرنسا عام 1885م، يدعوهما فيه إلى تسليحه ومساعدته لما أعتبره تخليص المسيحيين من ظلم المسلمين في القرن الإفريقي وهو الأمر الذي وجد تجاوبا ودعما من الكنيسة الغربية وصانع القرار السياسي في هاتين الدولتين وأرسلت فرنسا 40 ألف بندقية و 100 ألف خوذة و 13 ألف مسدس للمشاة، فيما حين أرسلت بريطانيا كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد الي اثيوبيا.

وبعد أن أعد (منليك) عدته العسكري، قام بالانقضاض على الأراضي الصومالية الواحدة بعد الأخرى والتي لم يستطع بالطبع الدفاع عن نفسها، وانتهى الوضع إلى وقوع معظم المناطق والأقاليم الصومالية تحت حكم ملك الحبشة الذي تضخمت أراضيه بما يسمح له بالإعلام عن ولادة دولة أثيوبيا.

الدولة الإثيوبية الجديدة تضخمت مساحتها بصورة كبيرة إلى الدرجة التي أزعجت القوى الاستعمارية الغربية التي خشيت من نشوء قوة استعمارية أفريقية، فقامت فرنسا من جهتها باقتطاع الساحل الشمالي للصومال الذي كان يسمى (رأس جيبوتي) ، وأخذت بريطانيا الساحل الشرقي، وسمحت بريطانيا لإيطاليا بأن تأخذ الساحل الجنوبي والذي فيه مقديشو وكسمايو حتى حدود كينيا، وسمحت بريطانيا وفرنسا لأثيوبيا بالاحتفاظ بالإقليم الصومالي الخاضع الآن تحت حكمها.

وظلت الأمور هادئة نوعا ما حتى عام 1960م الذي شهدت فيه ولادة الصومال الحديث الذي تكون من إقليمي الصومال (الإيطالي والبريطاني).

وفي عام  1964م حدث أول مواجهة عسكريةبين دولة الصومال الوليدة واثيوبيا نجحت فيه الصومال من خلاله استعادة بعضا من إقليم الصومال الغربي المعروف ب(أوغادين) غير أن منظمة الوحدة الأفريقية سرعان ما تدخلت وأصدرت قرارا بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الصومالية من المناطق التي سيطرت عليها.

أما جولة الحرب الثانية فقد دارت رحاها بين عامي 1977 و1978م، وانتهت بانسحاب الصوماليين من المعركة بسبب الدعم العسكري الشيوعي لنظام (منجستو هايلا مريام) في أديس أبابا(1).

وفي 19 من أكتوبر  سنة 1996م دخلت إيثوبيا  إلى الأراضي الصومالية حيث سيطرت على مدينة (لوق) الصومالية التي كانت تحت سيطر ة الاتحاد الإسلامي في الصومال بمساعدة مليشيات الجنرال عمر حاج مسلي.

 وفي أواخر يونيو/حزيران عام 1999م شنت إيثوبيا  هجوما واسعا داخل العمق الصومالي  حتى  سيطرت على مدينة (بيدوا) التي كانت معقلاً لقوات التحالف الوطني الصومالي بقيادة (حسين عيديد), وكان الهدف  الأساسي في الهجوم طرد متمردي (جبهة تحرير أورومو) التي كانت متمركزة بجنوب الصومال خاصة منطقة باي.

وكان التدخل العسكري الإثيوبي الأكبر  في تاريخ المنطقة كان عندما اجتاز ت الحدود بين البلدين آلاف من قواتها إلى الصومال في نهاية عام 2006 م لإسقاط نظام المحاكم الإسلامية في الصومال التي سيطرت على اجزاء واسعة من جنوب ووسط الصومال, حيث بقيت القوات الإثيوبية في  الصومال إلى يناير/كانون الثاني 2009م.

 وفي أواخر عام  2009 خرجت القوات الإثيوبية من الصومال, بعد اتفاقية جيبوتي المبرمة بين قيادات المحاكم والحكومة الانتقالية، وكان ذلك بعد استقالة الرئيس عبد الله يوسف(2).

المشروع الإيثوبي في الصومال:

أولاً: المشروع السياسي:

المشروع السياسي الإثيوبي في الصومال والممارسات السياسية الثابتة لها تجاه الصومال عبر التاريخ تتمركز  فيما يلي :

  1. ربط شراكة وعلاقات قوية مع الأقاليم القائمة في البلادمثل صومالي لاند وبونتلاند وغرب الصومال وجوبلاند لتأمين مصالحها.
  2. التقويض على أي وحدة صوماليةتهدف إلى استعادة فكرة الصومال الكبير.
  3. أنشاء كيانات منقسمة ومفككة على أساس عشائري والنظام الفيدرالي الحالي ربما يخدم هذه السياسة.
  4. عرقلة أي بروز منافس قوي لها في المنطقة.

ثانياً: المشروع الأمني:

المشروع الأمني  الإيثوبي في الصومال يتركز  في محورتين هما:

المحور الأول: الدفاع

أن التداخلات الإثيوبية داخل الأراضي الصومالية وخوضها معارك شرسة أحيانا ضد  الكيانات المخالفة لسياساتها يأتي في سياق أن الهجوم خير وسيلة للدفاع.

وتعتمد السياسات الأمنية  الإثيوبية في الصومال فيما يلي:

  1. التوغل في الحدود الصوماليةعند استشعار أي خطر على أمنها الداخلي.
  2. اكتساب خبرة عسكرية لجيشها .
  3. نشر شبكات التجسس داخل الصومال
  4. معرفة الطبيعة الجغرافية لجميع مناطق الصومال، حتى يسهل عليها الأمر إذا حدثت معركة بينها وبين الصومال في المستقبل .

المحور الثاني: التدخل تحت غطاء الشرعية الدولية والإقليمية:

في ديسمبر/كانون الأول سنة 2006م   إلى انضمام إثيوبيا إلى قوات حفظ السلام الإفريقية (أميصوم) التي تشكلت من عدة بلدان أفريقية، أبرزها وأوغندا، وكينيا، وجيبوتي وأخيرا إثيوبيا.

وفي 23 من ديسمبر  في سنة 2014 م أعربت إثيوبيا عن استعدادها لنشر  قواتها في الصومال ضمن  قوات حفظ السلام في الصومال لتعويض انسحاب القواتالسيراليونيةمن الصومال والتي لم يتم إرسال قوات بديلة عنها خوفاً من فيروس إيبولا.

ولكن انضمت القوات الإثيوبية رسميًا لمهمة حفظ السلام للاتحاد الإفريقي في الصومال في 22 يناير/كانون الثاني 2014 بعد موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقراره 2124 الذي أذِن لقوة إضافية تبلغ أكثر من 4000 جندي ليرتفع عدد قوات حفظ السلام في بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال إلى أكثر من 22126 جنديًا.

وفي16 سبتمبر 2015 م، أعلنت إثيوبيا  أنها نشرت 600 جنديا ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية (أميصوم)، في الصومال. جاء ذلك في تصريح للواء حسن إبراهيم، مدير مركز “تدريب قوات حفظ السلام الأفريقية-الإثيوبية” التابع لوزارة الدفاع الإثيوبية، وأوضح المسؤول الإثيوبي “أن قوات بلاده التي ستنتشر في الصومال، ستحل محل القوة السيراليونية التي غادرت البلاد، في ديسمبر/كانون أول سنة 2014م، خوفاً من مرض “إيبولا”، الذي انتشر في سيراليون قبل ذلك، وبهذا أصبح إجمالي عدد القوات الإثيوبية العاملة في (أميصوم) 12 ألف جندي، منتشرين في الصومال(3) .

ثالثاً: المشروع  الاقتصادي الإيثوبي في الصومالي :

تسعىإثيوبيا لجعل الموانئ الصومالية الكبيرة مثل بربرا  وبراو، ومركا، وبوصاصو، في خدمة اقتصادها، وأن ميناء جيبوتي الذي كان الميناء الوحيد تستعمله إيثوبيا أصبح تحت سيطرة الصين التي لها مصالح كبيرة في المنطقة وهو ما يجعل الاقتصاد الإيثوبي في خطر  محدق دون بديل يذكر.

مستقبل الوجود الإثيوبي في الصومال

وفقا لمتابعة الأحداث التي وقعت منذ دخول القوات الإيثوبية إلى الصومال ضمن قوات حفظ السلام في الصومال ارتكبت اعمالا وحشية لا يمكن غض الطرف عنها تنم عن العداء الشديد التي تكن إثيوبيا للشعب الصومالي والعقيدة العسكرية الراسخة لدى قواتهاوالمعادية للعنصر الصومالي وبالتالي لا يمكن لإيثوبيا ان تحقق أهدافها في المستقبل القريب نظرا للأمور التالية:

  1. قتل القوات الإثيوبية على المدنيين الأبرياء بطرقة بشعة كما حدث في قرية هلجن ومناطق اخرى في البلادخلال الشهور الماضيةيوقظ مشاعر العداء التاريخي بين إيثوبيا والصومال.
  2. احتفاظ حركة الشباب على قوتها العسكرية وتطور قدراتها القتالية وتهديدها المتزايد على المناطق الصومال وخصوصا في المناطق التي تسيطر عليها إثيوبيا القريبة بحدودها مع الصومال.
  3. زيادة القاعدة الشعبية لحركة الشباب ونجاحها في تجنيد  الصومالين وخاصة فئة الشباب الغاضبين من ممارسات القوات الاجنبية ولاسيما الاثيوبية منها وانتهاكاتها ضد الشعب الأعزل.

خلاصة القول:-

لا يوجد هناك حديث عن سحب القوات الإثيوبية من الصومال في وقت القريب، ولا يعني هذا أن الفرص مهيأة أمام الوجود الإيثوبي في الصومال وان هناك جملة من التحديات تنتظر الوجود الإيثوبي في الصومال من بينها:

  1. أن حركة الشباب التي تواجهها إيثوبيا في الصومال مستعدة لحرب طويلة المدى.
  2. من التحديات أيضا –ولو على المدى الطويل-حدوث تحول في السياسة الدولية، وتغير ميزان القوى بظهور لاعبين جدد لهم تأثير في رسم سياسة الإقليمية مثل الصين وغيرها.
  3. اهتمام الكبير للمجتمع الدولي في الصومال وتكوين أولويات قبلية قوية لها العلاقة المباشرة مع الخارج، وهو ما يؤثرمستقبل  الوجود الإثيوبي في الصومال .
  4. ضعف الحكومة الصومالية وحاجتها إلى حمايتها من خطر حركة الشباب وأنه لا يوجد على المدى المتوسط فضلا عن المنظور القريب جيش صومالي قوي يقوم مقام الجيش الإيثوبي، وخاصة في ظل إثارة النعرات الإقليمية وزيادة التفكك العشائري تحت مسمى الكيانات الفيدرالية.

وبناء على هذا أن استمرار  الوجود الإيثوبي ضمن أميصوم في الصومال مرهون بمدى استعداد إيثوبيا بتحسين علاقته مع الحكومة الاتحادية في مقديشووتغيير نظرتها العدائية الي الصومالين ومدى استعدادها باتخاذ خطوات جادة تهدف الي بناء جسر الثقة بين الشعبين المتجاورين.

الهوامش:

(1) مستقبل الصراع بين المحاكم الإسلامية وأثيوبيا في الصومال

http://islammemo.cc/2006/08/02/3367.html.

(2) انضمام إثيوبيا إلى الأميصوم وحسابات الربح والخسارة

 عبد الرحمن عبد الشكور  الخميس 13 مارس 2014

http://studies.aljazeera.net/reports/2014/03/201431374854298633.htm.

(3) المصدر السابق

محمود عبدالصمد محمد( ذو اليدين)

باحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى